واحدٍ مرادًا به النقصُ في قوله: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: آية ٣٣] أي: ولم تَنْقُصْ منه شيئًا (^١).
وهذه الآيةُ تَدُلُّ على أن مَنْ خَالَفَ أمرَ اللَّهِ أنه إنما ظَلَمَ بذلك نفسَه حيث عَرَّضَهَا لسخطِ اللَّهِ وعذابِه، فضررُ فِعْلِهِ عائدٌ إليه وحدَه، وذلك أكبرُ باعثٍ على الانزجارِ والكفِّ، لأن الإنسانَ لا يُحِبُّ أن يَضُرَّ نفسَه، ولا أن يَجْنِيَ عليها، فإذا عَرَفَ الإنسانُ أن ضررَ فِعْلِهِ إنما هو عائدٌ إليه حَاسَبَ.
والباءُ في قولِه: ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ سَبَبِيَّةٌ (^٢)، يعني أن اتخاذَهم العجلَ هو السببُ الذي ظَلَمُوا به أنفسَهم. وقد قَدَّمْنَا (^٣) أن (الاتخاذَ) مصدرُ اتَّخَذَ،
وأن الظاهرَ أن أصلَه (افتعال) من (الأخذ)، إلا أن الهمزةَ التي هي في محلِّ فاءِ الكلمةِ أُبْدِلَتْ تاءً وأُدْغِمَتْ في تاءِ الافتعالِ، وهذا يُحْفَظُ ولا يُقَاسُ عليه، كما عَقَدَهُ في الخلاصةِ بقولِه (^٤):
ذُو اللِّينِ فَا تَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلَا ... وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلَا
و﴿بِاتِّخَاذِكُمُ﴾ مصدرٌ مِنْ فِعْلٍ يَطْلُبُ مفعولين، والمصدرُ هنا مضافٌ إلى فَاعِلِهِ (^٥). والمفعولُ الأولُ الْعِجْلُ، والمفعولُ الثاني محذوفٌ دائمًا في القرآنِ، وتقريرُ المعنى: باتخاذكم العجلَ إِلَهًا.