219

العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

ایڈیٹر

خالد بن عثمان السبت

ناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

ایڈیشن نمبر

الخامسة

اشاعت کا سال

١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

پبلشر کا مقام

دار ابن حزم (بيروت)

اصناف

﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: آية ٥] بِأَنْ خَتَمَ عليها وطبعَ وَمَنَعَهَا من الخيرِ، وقال: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: آية ١٥٥] أي: بسببِ كُفْرِهِمْ، فالباءُ سببيةٌ، بَيَّنَتْ أن سببَ ذلك الطبعِ هو كفرٌ سابقٌ. وقال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ [الأنعام: آية ١١٠] أي: نُقَلِّبُهَا كي لا تسمعَ الحقَّ أو تُبْصِرَهُ ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ لَمَّا سَارَعُوا وَبَادَرُوا إلى الكفرِ طَمَسْنَا على قلوبِهم، كما بَيَّنَهُ في قولِه: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: آية ١٤] فَبَيَّنَ أن ذلك (الرَّانَ) الذي غَطَّى القلوبَ وَمَنَعَهَا من الفهمِ سببُه ما كانوا يكسبونه من الشَّرِّ والكفرِ والمعاصي - والعياذُ بالله - ولذا قال تعالى هنا: ﴿صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ قولُه: ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ كأنه يقولُ: (عمي)، (صمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)، إلا أنه عبَّر عن عَمَاهُمْ بكونِهم ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾؛ لأن الذي هو في الظلماتِ لا يُبْصِرُ شيئًا، و﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾: جمع ظُلْمَةٍ.
وقد بَيَّنَّا في هذه الدروسِ مرارًا: أن مِنْ أصعبِ المسائلِ شُبْهَةَ الجبرِ وَالْقَدَرِ (^١)، هي من أصعبِ المسائلِ، وأن القرآنَ أشارَ إليها في آياتٍ؛ لأن كثيرًا من الْجَهَلَةِ والملحدين يقولون: «إن كان اللَّهُ هو الذي يشاءُ أفعالَ العبدِ، وهو الخالقُ لِكُلِّ شيءٍ - ومنه أفعالُ العبدِ - وأفعالُ العبدِ بِمَشِيئَتِهِ، فكيف يُعَاقَبُ العبدُ المسكينُ على شيءٍ شَاءَهُ اللَّهُ، وَخَلَقَهُ اللَّهُ؟ فالعبدُ إِذَنْ لَا يُؤَاخَذُ بشيءٍ»!! فَلأَجْلِ هذه الشبهةِ ضَلَّتِ القدريةُ - والعياذُ باللَّهِ - فقالوا: إن العبدَ يستقلُّ بأعمالِ نفسِه. زَاعِمِينَ أن قدرةَ العبدِ مستقلةٌ بأعمالِه بلا تأثيرٍ لقدرةِ اللَّهِ فيها، فَفَرُّوا

(^١) انظر: ما استدل به كل فريق والجواب عنها في (القضاء والقدر) للمحمود (٢١٧ - ٢٤٣).

1 / 223