والعِلم بالعمل يكمُل؛ فمَن سَلِم دينه من الشّك واللّحاء، وسُوء الظّنّ والمِراء، وثبت على قاعدة التَّصديق بموادّ اليقين الذي أقرَّ به البُرهان، وطهُر خلُقُه من دَنَس المَلال، ولَجاج الطَّمع، وهُجنة البُخل، وكان له من البشر نصيب، ومن الطّلاقة حظ، ومن المُساهلة موضع؛ وحَظِي بالعلم الذي هو حياة الميّت، وحَلْي الحيّ، وكمال الإنسان فقد برَّز بكل فضْل، وبان بكلّ شرف، وخلا عن كل غباوة، وبَرِئَ من كلّ مَعَابة، وبلغَ النَّجد الأشرف، وصار إلى الغاية القُصوى.
ولم أذكُر لك العقل في هذا التّفصيل، وهو أوّلهنّ، وبه يتمّ آخرهنّ، وعليه مجرى جميع ما افْتَنَّ القول به؛ لأنه موهبة الله العُظمى، ومِنحته الكبرى، وباب السّعادة في الآخرة والأولى، وكان ما عداه فرعًا عليه، ومضمومًا إليه؛ لأنه متى عَدِمه الإنسان الحيّ الناطق فقد سقطَ عنه التكليف، وبَطَل عليه الاختيار، وصار كبعض البهائم العامِلة، وكبعض الشخوص الماثِلة؛ وبه يُعرَف الدِّين، ويقوَّم الخلُق، ويُقتبس العلم، ويُلتمس العمل الذي هو الزُّبدة؛ وقد يعدم العمل والعقل موجود، وقد يُفقد الخلق والدين ثابت؛ فليس
1 / 28