1
الضار والنافع
لا يفرق الغزالي بين كلمة شر وكلمة ضار، كما يفعل علماء الأخلاق، فمن الواضح أني قد أعمل عملا ضارا ولكنه غير شر، إذا حسنت النية، وخفي وجه الصواب.
لكن العمل الضار شر مطلقا عند الغزالي، لأن القاعدة عنده أن العمل ليس شرا إلا لأنه ضار، وليس خيرا إلا لأنه نافع نعرف هذا من قوله في ص139 ج3 إحياء: «إن الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره.» ونعرفه كذلك من تقسيمه الحرام إلى ما حرم لصفة في عينه، وما حرم لخلل في إثبات اليد عليه: فلا يحرم من المعادن إلا ما يضر بالآكل، ولا يحرم من النبات إلا ما يزيل العقل، أو يضعف الصحة، أو يزيل الحياة، ولا يحرم السم إذا خرج عن كونه مضرا، لقلته، أو لعجنه بغيره. وحرمة المال المغصوب ظاهرة لأن الغصب إيذاء للغير، والإيذاء ضرر.
وإنما كان الضار شرا على كل حال، لأن الحاكم بالخير أو الشر هو الشرع. وعلم الشريعة فرض على كل مسلم، والجاهل لا عذر له إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، وهو عذر ضيق محدود، لا يوجد إلا في بعض الأحوال.»
العمل والاعتقاد
ولكن إذا غلب المرء على أمره، فاعتقد أن الشر خير، ثم عمل بمقتضى اعتقاده، فماذا عسى أن يكون في رأي الغزالي؟
يظهر لمن تأمل مؤلفاته: أنه يفرق بين الخير في العمل، والخير في الاعتقاد، إذ يراه في ص47 من الجزء الثالث من الإحياء:
إذا حكم قلب المفتي بإيجاب شيء، وكان مخطئا فيه، صار مثابا عليه. بل من ظن أنه تطهر فعليه أن يصلي. فإن صلى ثم تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثواب بفعله، فإن تذكر ثم تركه كان معاقبا عليه، ومن وجد في فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم يعص بوطئها، وإن كانت أجنبية فإن ظن أنها أجنبية ، ثم وطئها، عصى بوطئها وإن كانت زوجته.
ويراه يقول في ص11 من كتابه «المنقذ من الضلال»: «والطبيعيون قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان والنبات. وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوان فرأوا فيها من عجائب صنع الله وبدائع حكمته ما اضطروا معه إلى الاعتراف بفاطر حكيم مطلع على غايات الأمور، ولا يطالع التشريح وعجائب منافع الأعضاء مطالع، ألا ويحصل له هذا العلم الضرروي بكمال تدبير الباني لبنية الحيوان، ولا سيما الإنسان. إلا أن هؤلاء لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم لاعتدال المزاج تأثير عظيم في قوى الحيوان، فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضا، وأنها تبطل ببطلان مزاجه، فتنعدم. ثم إذا انعدمت فلا يعقل إعادة المعدوم كما زعموا فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود، فجحدوا بالآخرة. وهؤلاء أيضا زنادقة. لأن أصل الإيمان هو الإيمان بالله وبالرسول واليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر وإن آمنوا بالله وبصفاته».
نامعلوم صفحہ