ويقول الغزالي: «ثم يشتغل في الكتب: فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار، وحكايات الأبرار، ويحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظروف ورقة الطبع، فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذور الفساد».
ولئن قال قائل إن هذه آراء فطرية، لا تصلح مثالا للنقل والمحاكاة، فإني أجيبه بأن موافقة الغزالي لابن مسكويه في بعض الأبواب موافقة تكاد تكون تامة، تدل على الأقل على أنه صدى لمن قبله، وأن نصيبه من الإبداع قليل .
الفصل الثاني
منبع الصوفية
وما زال الغزالي يكرع من مناهل الصوفية حتى روي، ثم اندفع يحدث الناس بما يفهمون وما لا يفهمون من أصول السلوك وقد صرح في كتاب الميزان، والأربعين، والإحياء، بحدبه على الصوفية، ورفقه بهم، وإشفاقه عليهم. بل أظهر تبعيته لهم، ونسبته إليهم، ثم أخذ يحن إليهم حنين الغريب إلى دياره!
وانظر قوله في منهاج العابدين:
وإن اللمعة التي تظهر منا الآن ليست إلا ممن بقي على منهاج أسلافنا وشيوخنا المتقدمين كالحارث المحاسبي، ومحمد بن إدريس الشافعي، والمزني، وحرملة، وغيرهم من أئمة الدين، رحمهم الله أجمعين. فهم كما قال القائل:
وما صحبوا الأيام إلا تعففا
وما وجدوا من حب سيدهم بدا
أفاضل صديقون أهل ولاية
نامعلوم صفحہ