الفصل الرابع
المدارس النظامية
نسبة إلى «نظام الملك»: وزير السلطان ألب أرسلان، وابنه ملكشاه. مكث في الوزارة ثلاثين سنة: عشر منها في سلطنة ألب أرسلان، وعشرون في سلطنة ملكشاه. وقد مات «نظام الملك» قتيلا، ولكن اختلف المؤرخون في سبب قتله: فمنهم من يروي أنه لما أسرف في النفقة على المدارس النظامية، حتى بلغ ما ينفقه على طلبة العلم 600000 دينار في السنة، وشى به بعضهم إلى السلطان ملكشاه، وقالوا: «إن الأموال التي ينفقها نظام الملك في ذلك تقيم جيشا يركز رايته في سور القسطنطينية.» فعاتبه ملك شاه في ذلك فأجابه: «يا بني، أنا شيخ أعجمي، لو نودي علي في من يزيد لم أحفظ خمسة دنانير، وأنت غلام تركي، لو نودي عليك عساك تحفظ ثلاثين دينارا! وأنت مشتغل بلذاتك منهمك في شهواتك، وأكثر ما يصعد إلى الله تعالى معاصيك دون طاعاتك، وجيوشك الذين تعدهم للنوائب، إذا احتشدوا كافحوا عنك بسيف طوله ذراعان، وقوس لا ينتهي مدى مرماها إلى ثلاث مئة ذراع، وهم مع ذلك مستغرقون في المعاصي والخمور والملاهي والمزمار والطنبور، وأنا أقمت لك جيشا يسمى جيش الليل، إذا نامت جيوشك ليلا قامت جيوش الليل على أقدامهم، صفوفا بين يدي ربهم، فأرسلوا دموعهم، وأطلقوا ألسنتهم، ومدوا إلى الله أكفهم بالدعاء لك ولجيوشك، فأنت وجيوشك في خفارتهم تعيشون، وبدعائهم تبيتون، وببركاتهم تمطرون وترزقون.» فقبل ملكشاه وسكت!
نقل هذا جورجي زيدان في كتاب «التمدن الإسلامي» عن كتاب سراج الملوك، ولم يعقب عليه، بل اكتفى بأن ذكر أن «نظام الملك» توفي مقتولا سنة 485ه.
ويذكر غير واحد من المؤرخين أن «نظام الملك» ولى حفيده عثمان بن جمال الملك أعمال مرو، وأرسل السلطان إليها شحنة
1
اسمه قودن، وهو من خواصه، فنازع عثمان في شيء. فحملت عثمان حداثة سنه، واعتزازه بجده، على أن قبض على قودن وسجنه، ثم أطلقه، فقصد السلطان ملكشاه مستغيثا شاكيا فاغتاظ السلطان ملكشاه لاستبداد «نظام الملك» وبنيه، وخروجهم على حدود سلطتهم. وأرسل إلى نظام الملك رسالة يقول فيها: «إن كنت شريكي في الملك، فلذلك حكم، وإن كنت نائبي، فيجب أن تلزم حد التبعية والنيابة، فهؤلاء أولادك قد جاوزوا أمر السياسة وطمعوا، حتى فعلوا ...» إلخ.
فقال نظام الملك لحاملي تلك الرسالة:
قولوا للسلطان: إذا كنت لم تعلم بعد أني شريكك في الملك، فاعلم! فإنك ما نلت هذا الأمر إلا بتدبيري ورأيي، أما تذكر حين قتل أبوك، فقمت بتدبير أمرك، وقمعت الخوارج عليك؛ من أهلك وغير أهلك، وأنت في ذلك الوقت تتمسك بي؟ فلما قدمت الأمور إليك، وأطاعك القاصي والداني أقبلت تنتحل لي الذنوب، وتسمع في الوشايات. قولوا للسلطان: إن دواتي مقترنة بتاجك، فمتى رفعتها رفع، ومتى سلبتها سلب!
ويذكرون أن الرسل اتفقوا على كتمان هذه الرسالة، ولكن كان للسلطان عين من بين أولئك، بلغه ما قال نظام الملك بالحرف الوحد، فغضب السلطان ودس لنظام الملك من قتله بعد ذلك.
نامعلوم صفحہ