في المنام، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بجانبه، والغزالي جالس بين يديه وهو يقول: يا رسول الله هذا يتكلم في! وأن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال: هاتوا السياط، وأمر به فضربه لأجل الغزالي، وقام هذا الرجل من النوم وأثر السياط على ظهره، ولم يزل، وكان يبكي ويحكيه للناس (!؟).
ويذكر السبكي أيضا أن أبا الحسن بن حرزهم لما وقف على الإحياء وتأمله، قال: هذا بدعة، مخالف للسنة، وكان شيخا مطاعا في بلاد المغرب، فأمر بإحضار كل ما فيها من نسخ الإحياء، وطلب من السلطان أن يلزم الناس بذلك، فكتب إلى النواحي، وشدد في ذلك، وتوعد من يخفي شيئا منه، فأحضر الناس ما عندهم واجتمع الفقهاء، ونظروا فيه، ثم أجمعوا على إحراقه يوم الجمعة وكان ذلك يوم الخميس، فلما كانت ليلة الجمعة رأى ابن حرزهم في المنام كأنه داخل من باب الجامع الذي تعود الدخول منه، فرأى في ركن المسجد نورا، وإذا بالنبي
صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما جلوس، والإمام أبو حامد قائم وبيده الإحياء فقال: يا رسول الله، هذا خصمي! ثم جثا على ركبتيه وزحف عليهما إلى أن وصل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
فناوله كتاب الإحياء، وقال: يا رسول الله انظر فيه، فإن كان بدعة مخالفا لسنتك كما زعم تبت إلى الله تعالى، وإن كان شيئا تستحسنه حصل لي من بركتك، فأنصفني من خصمي! فنظر فيه رسول الله ورقة ورقة إلى آخره، ثم قال: إن هذا شيء حسن، ثم ناوله أبا بكر فنظر فيه كذلك، ثم قال: نعم! والذي بعثك بالحق يا رسول الله إنه حسن! ثم ناوله عمر فنظر فيه كذلك، ثم قال كما قال أبو بكر، فأمر رسول الله بتجريد أبي الحسن بن حرزهم من ثيابه، وضربه حد المفتري، فجرد وضرب، ثم شفع فيه أبو بكر بعد خمسة أسواط، وقال: يا رسول الله، إنما حصل ذلك منه اجتهادا في سنتك وتعظيما. فعفا عنه أبو حامد عند ذلك، فلما استيقظ من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جرى، ومكث قريبا من الشهر متألما من الضرب، ثم سكن عنه الألم، ومكث إلى أن مات، وأثر السياط على ظهره (؟!).
وهناك المنام الذي رأى فيه أبو الفتح الساوي أنه تلا بين يدي رسول الله قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي، وهو منام طويل نقله السبكي في طبقاته. وقد كنت وضعت قائمة لأمثال هذه المنامات، ثم بدا لي أن أقتصر على ما ذكرت رغبة في الإيجاز.
وأنا لا أتخذ من هذه الأحلام دليلا على أن الغزالي من أصحاب الكرامات، كما نوه بذلك مترجموه، كلا! وإنما أتخذها دليلا على ما وصلت إليه منزلة الرجل في قلوب المسلمين، فإن لما يراه المرء في منامه صلة قوية بما يلهج به في يقظته، وهؤلاء الذين جلدوا في منامهم، لا يبعد أن يكونوا استشعروا خوف الغزالي وهم أيقاظ، وعلى الأخص إذا لاحظنا ما شاع بين المسلمين في تلك العصور الخوالي من سلطة الأولياء، وتصرفهم المطلق في عالم الأحياء، وسبحان من جل عن الشريك! (3) تلامذة الغزالي وأصحابه
نامعلوم صفحہ