لقد راعهم أن يقسو قلمك على مؤلف له عندهم حرمة وقداسة، وكان عليهم أن يذكروا أنك شاب، وأن قلم الشباب قاس شديد، بل ليتهم عملوا بما طالبوك بهمن الرفق والهدوء، فلم يوجهوا إليك قارس اللوم، ومر التأنيب.
كانت رسالتك مثارا للجدل والمناقشة، ويعلم الله أنا لن نغضب لذلك، لأنا نريد أن نخدم الحقيقة، والحقيقة بنت البحث، وهل علمناك إلا أن تكون خادما للحقيقة ولو شق إليها الطريق؟ فما دمت ترى أنك على حق، وما دمت تعتقد أنك سائر على الصراط السوي، فلك أن تتمسك برأيك، وتدافع عن حقك، ولكن في ر فق ونزاهة، فإن الحق لا يخدم بمثل الرفق والنزاهة، وكما يجب عليك أن تدافع عما تعتقد أنه حق فإن عليك أن تنفض يدلك بسرعة البرق مما تعتقد أنه باطل، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والتمادي على الباطل نقيصة، وليس بعد الحق إلا الضلال. •••
لقد علمتنا رسالتك، بجانب ما تناولته من الأبحاث العديدة، إننا قطعنا شوطا بعيدا في سبيل الآراء الحرة، المدعمة بالقوة والنهوض، وإن كنا نأسف على أنه لا تزال هناك صدور ضيقة، يؤذيها الهواء الطلق، وكان الخير في أن تستروح به، وتسكن إليه، ونأسف كذلك على أن عدد هؤلاء كثير، وعدد المفكرين قليل.
لقد زاد اغتباطي برسالتك أنها أول رسالة قيمة تناولت تاريخ الأفكار الإسلامية بالنقد والتحليل، وأرجو أن تكون خطوة تتبعها في هذا المدى خطوات، وإن كان يحزنني أن يتألب عليك رجال المعهد الذي أعدك لدخول الجامعة المصرية، ولكن الإنصاف يقضي علينا بأن نعترف بأن هذه سيئة لم ينفرد بها الأزهريون، فإنا نرى بكل أسف أن الأزهريين يرمون أصحاب الأفكار الحرة بالكفر والمروق، وأنصار الآراء الجديدة يرمون الأزهريين بالجهل والجمود، وهم جميعا من المسرفين.
وإذا كان لي أن أنصحك ومن الواجب أن أنصحك، فإني أدعوك إلى حرب هذه الضلالة، وحذار أن تقاطع أحدا من أساتذتك وزملائك في الأزهر الشريف، فإنكم جميعا طلاب علم، وأنصار حق، والتوفيق بينمكم ليس بالأمر المحال.
لقد فات كثيرا من عشاق الجديد أن يضموا إليهم أنصار القديم بالرفق والمجاملة، وأنت بحمد الله ربيب الأزهر والمعاهد الدينية، فماذا يضرك لو وصلت أساتذتك وزملاءك، وجادلتهم بالتي هي أحسن، لتسيروا أصفياء في التوفيق بين القديم والجديد.
إنني أخشى عليك كثيرا أيها الأخ، فقد رأيت كيف قامت القيامة حتى اطلع الجمهور على جانب واحد من رسالتك، فماذا عسى أن يصنع هذا الجمهور حين يطلع على ما فيها من شتى الجوانب، ومختلف الأرجاء؟
ولكن إياك أن تجزع، وقد بدئت حياتك العلمية، بصدمة من تلك الصدمات الاجتماعية ، فذلك دليل على أنك خادم من خدام الإصلاح، وهو خير لقب تلقى به الله.
ولك خالص الدعوات، والعطف، والسلام.
تعقيب للمؤلف
نامعلوم صفحہ