آفات اللسان
وقد رأى الغزالي أن اللسان كثير العثرات، ولا بد للمرء من ضبطه، فبسط القول في آفاته، وكتب في ذلك نحو خمسين صفحة، بين فيها حدود تلك الآفات، وأسبابها، وغوائلها، وطريق الاحتراز عنها.
وقد مهد لآفات اللسان بكلمة مطولة حض فيها على الصمت، ثم قال في تبرير ما دعا إليه من الإخلاد إلى السكوت: «فإن قلت: فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه؟ فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان من الخطأ، والكذب، والغيبة، والنميمة، والرياء، والنفاق، والفحش، والمراء، وتزكية النفس والخوض في الباطل، والخصومة، والفضول، والتحريف، والزيادة، والنقصان، وإيذاء الخلق، وهتك العورات.
فهذه آفات كثيرة، وهي سباقة إلى اللسان لا تثقل عليه، ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع، ومن الشيطان. والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يحب، ويمسكه ويكف عما لا يحب، فإن ذلك من غوامض الكلم».
ثم خشي أن يرميه القارئ بالإسراف فقال: «ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر: وهو أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة. أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه وكذلك ما فيه من ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر. وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران.
فلم يبق إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام. وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء، والتصنع، والغيبة، وتزكية النفس، وفضول الكلام، امتزاجا يخفي دركه، فيكون الإنسان به مخاطرا».
1
وهذا من الغزالي إغراق في حب السلامة. ونحن ذاكرون خلاصة هذه الآفات، لنعرف رأيه في طبائع الأفراد.
الكلام فيما لا يعني
أما الآفة الأولى: فهي الكلام فيما لا يعني، وحده - كما قال الغزالي- أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم، ولم تستضر به في حال أو مآل، ومن أمثلته فيما يرى أن يذكر المرء أسفاره وما رأى فيها من جبال وأنهار، وما وقع له فيها من الوقائع وما استحسنه من الأطعمة والثياب، وما تعجب منه من مشايخ البلاد وحوادثهم.
نامعلوم صفحہ