الاستعانة على تغيير المكروه، ورد المعاصي إلى منهج الطاعة. (3)
الاستفتاء، كما يقول للمفتي: ظلمني أبي أو زوجي أو أخي، وكيف طريقي إلى الخلاص. والأسلم التعريض، ولكن التعيين مباح بهذا العذر. (4)
تحذير المسلم من الشر، فإذا رأيت فقيها يتردد إلى مبتدع أو فاسق، وخفت أن تتعدى إليه بدعته وفسقه. فلك أن تكشف له بدعته وفسقه. متى كان الباعث لك الخوف عليه من سراية البدعة لا غير. واحذر أن يكون الحسد هو الباعث! (5)
أن يكون المغتاب مجاهرا بالفسق، بحيث لا يستنكف من أن يذكر له، ولا يكره أن يذكر به.
وهنا يحتاط الغزالي: فيبين أنه ليس لك أن تغتاب المجاهر بفسقه إلا بما يتجاهر به. فمن كان يشرب الخمر فليس لك أن تذكر زناه، إذا كان يستره، وهذا منه نظر دقيق. والغاية الشريفة تبيح النميمة، كما أباحت الكذب والغيبة. فللإنسان أن ينم، إذا كان في النميمة فائدة لمسلم، أو دفع لمعصية. كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به، دفعا للجاني عن المعصية، وردا لحق المأخوذ ماله. والنميمة في هذا المثال إذا كانت ضرا في جانب الظالم، فهي نفع في جانب المظلوم، وهو أولى بالإسعاف. بل دفع الظالم عن الظلم خير له في حاضره، وإبعاد له عن الضر في مستقبله، إذا كان مستعدا للإقلاع عن الفساد.
الباب السادس
في الأخلاق
تمهيد
كلمة أخلاق وجدت قبل الغزالي، ففي الحديث «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وقد عرف العرب فيما عرفوا عن اليونان كتابا لأرسطو في الأخلاق، ووضع ابن مسكويه كتابا في صناعة تهذيب الأخلاق، ويوشك كتابه ذاك أن يكون كتابا في علم الأخلاق، على نحو ما كان يفهم اليونان، ومن اقتفى أثرهم من فلاسفة المسلمين.
والذي يعنيني الآن هو علم الأخلاق كما فهمه الغزالي. وأقرر أني بعد مراجعة كتبه لم أجده يساير من تقدمه من مجددي الفلسفة اليونانية، وإنما يفهم من علم الأخلاق شرح طرائق السلوك، وفقا لما سنته الشريعة السمحة، ورسمه الصوفية، ومن نحا نحوهم من الفقهاء. ولعلم الأخلاق فيما يريد أسماء متعددة: فهو تارة يسميه علم طريق الآخرة، وأخرى يسميه علم صفات القلب، وحينا يسميه أسرار معاملات الدين، وربما سماه أخلاق الأبرار، وهو اسم لبعض مؤلفاته. وأهم كتبه في الأخلاق نجده سماه إحياء علوم الدين. فعلم الأخلاق عنده هو تكييف النفس وردها إلى ما رسمته الشريعة وخطه رجال المكاشفة من علماء الإسلام، ومن سبقهم من الأنبياء والصديقين والشهداء.
نامعلوم صفحہ