"أما بعد فإن مصر قد افتتحت، ومحمد بن أبي بكر استشهد، فعند الله نحتسبه ولدا صالحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا دافعا. وكنت قد حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها ومنهم المتعلل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا. أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا. فوالله لولا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا ألتقي بهم أبدا".
وكذا لما أخبر بقدوم سفيان بن عوف الذي كان من بني غامد وأمير أمراء معاوية (رضي الله عنه) وركبانه ببلد الأنبار وقتلهم أهله خطب خطبة مندرجة فيها هذه العبارة المشيرة للإرشاد: "والله يميت القلب ويجلب الهم ما نرى من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحا وترحا حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارة القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام البرد قلتم هذه صبارة القر أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد. كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجول. لوددت أني لم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما، وأعقبت سدما".
وأيضا يقول في هذه الخطبة: "قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا. وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالخذلان والعصيان، حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع".
صفحہ 42