ـ[أخبار فخ وخبر يحيي بن عبد الله وأخيه إدريس بن عبد الله (انتشار الحركة الزيدية في اليمن والمغرب والديلم)]ـ
المؤلف: أحمد بن سهل الرازي
دراسة وتحقيق: د ماهر جرار
الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت
الطبعة: الأولى، ١٩٩٥ م
عدد الأجزاء: ١
تنبيه: أرقام الحواشي نوعان: فروق النسخ بين هلالين، وغيرها من تعليقات المحقق بين معكوفين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
نامعلوم صفحہ
الإهداء
إلى والديّ. . .
دعد نور الله وزهير جرّار
وفاء وإجلالا واقتداء
1 / 5
بسم الله الرّحمن الرّحيم
1 / 6
فهرس الدراسة
١. تمهيد ١١
٢. «الصورة التاريخية» في المصادر الزيديّة ١٢
٣. كتاب أخبار فخ ١٥
٤. هل وصلنا الكتاب كاملا ١٨
٥. مصادر الكتاب ١٩
٥.١. عبد الله بن محمد بن إبراهيم الجعفري ١٩
٥.٢. الحسن بن عبد الواحد الكوفي ٢٣
٥.٣. المدائني ٢٤
٥.٤. عمر بن شبّة ٢٦
٦. الدعوة الزيديّة بعد القضاء على ثورة النفس الزكيّة ٢٨
٦.١. سياسة المهدي ٢٩
٦.٢. الدعوة السريّة ٣٦
٦.٣. الحسين بن علي الفخّي ٤٤
٦.٤. الحجاز بعد ثورة النفس الزكيّة ٤٧
٧. ثورة فخ ٥١
٨. مصائر إدريس ويحيى ابني عبد الله ٥٥
٩. إدريس بن عبد الله ٥٨
٩.١. إدريس في مصر ٦٠
٩.٢. سنة بين إفريقية والمغرب؟ ٦١
٩.٣. في وليلى ٦٥
1 / 7
٩.٤. مقتله ٦٧
١٠. يحيى بن عبد الله ٦٨
١٠.١. يحيى في اليمن ٧١
١٠.١.١. يحيى والشافعي ٧١
١٠.٢. الطريق إلى الديلم ٧٢
١٠.٣. ظهوره في الديلم ومبايعته ٧٤
١٠.٣.١. الدعاة ليحيى ٧٤
١٠.٤. الرقّة والحجاز ٧٨
١٠.٥. سعاية الزبيري به ٧٨
١٠.٦. نقض الأمان وسجنه ٨٤
١٠.٧. موت يحيى/مقتله ٨٥
١١. الخطاب الأيديولوجي ٨٨
١١.١. أهمية الكتاب كمصدر لدراسة «الخطاب الايديولوجي» ٨٨
١١.٢. تصنيف المادة ٩١
١١.٣. بيعة الحسين الفخّي ٩٢
١١.٤. الخطب ١٠١
١١.٤.١. خطبة الحسين الفخّي الأولى ١٠١
١١.٤.٢. خطبة الحسين الثانية ١٠٢
١١.٤.٣. خطبة يحيى بن عبد الله ١٠٥
١١.٥. الرسائل ١٠٧
١٢. وصف المخطوطات ١١٠
١٣. كلمة شكر ١١٤
1 / 8
فهرس كتاب أخبار فخ
كتاب أخبار فخ ١٢٩
مقدمة المؤلّف ١٣١
خبر الحسين بن علي الفخّي ١٣١
[هروب من فرّ من الطالبيين إلى الحبشة] ١٥٦
[عودة يحيى وإدريس من الحبشة] ١٥٨
[مقتل القاسم بن محمد بن عبد الله] ١٥٩
[مقتل الحسن بن علي بن الحسن المثلّث] ١٦٠
[العفو عن إبراهيم بن اسماعيل طباطبا] ١٦١
أخبار يحيى وإدريس إبني عبد الله ١٦٣
[بث الدّعاة والرسائل] ١٦٤
[خبر إدريس بن عبد الله] ١٦٩
[إدريس في مصر] ١٧٠
[إدريس في أرض أفريقية/القيروان] ١٧٣
[خروجه إلى جبال نفوسة] ١٧٤
[نزوله في طنجة ومبايعته] ١٨١
[ثورة عبد الله بن الجارود في القيروان] ١٨٢
[مقتل إدريس] ١٨٨
[خبر يحيى بن عبد الله] ١٩٠
[دخوله إلى بغداد] ١٩٠
1 / 9
[يحيى في اليمن] ١٩٤
[في طبرستان] ١٩٦
[في الديلم] ١٩٧
[كتاب الأمان] ٢٢٨
[عودته بعد تأمينه] ٢٣٥
[خبر يحيى مع الزيبري] ٢٣٦
[تخريق أمان يحيى] ٢٤٨
[مقتل يحيى] ٢٥٣ - ٢٧٣
كتاب المصابيح ٢٧٥
ذكر خروج الحسين بن علي الفخي ٢٧٩
خبر يحيى بن عبد الله ٣٠٣
خبر إدريس بن عبد الله ٣٢١
ثبت الأصول والمراجع ٣٢٩
الفهارس ٣٥١
١ - فهرس الآيات القرآنية ٣٥٣
٢ - فهرس الآثار ٣٥٥
٣ - فهرس رجال السّند والرواة ٣٥٦
٤ - فهرس الأعلام وتراجمهم ٣٥٩
٥ - فهرس الأماكن ٣٧٧
٦ - فهرس الفرق والجماعات والقبائل ٣٨٤
٧ - فهرس الألفاظ اللغوية والحضارية ٣٨٧
٨ - فهرس المعتقدات والإصطلاحات والمفاهيم ٣٩٠
٩ - فهرس الكتب ٣٩٣
١٠ - فهرس الشعر ٣٩٤
١١ - فهرس الخطب والرسائل ٣٩٥
1 / 10
١. تمهيد
بعد أقلّ من ربع قرن على إخماد ثورة النفس الزكيّة، محمد بن عبد الله في المدينة (رجب-رمضان ١٤٥/أيلول-تشرين ٢ ٧٦٢)، وثورة أخيه إبراهيم في البصرة (رمضان-ذو القعدة ١٤٥/تشرين ٢ - كانون ١ ٧٦٢) [١]، عاد الحسنيّون في الحجاز للانتقاض على الخلافة العباسيّة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلّث ابن علي بن أبي طالب (ذو القعدة-ذو الحجة ١٦٩/أيّار-حزيران ٧٨٦)؛ وقد قضى الخليفة موسى الهادي على ثورتهم في موقعة فخّ بالقرب من مكة.
ولم يكن القضاء على هذه الثورة بالأمر الصعب، كما أنها لم تهدّد سلطة الدولة العبّاسيّة وهيبتها، بل كانت إحدى تلك الطفرات العلويّة المثالية وغير المنظمة التي كانت تنمّ عن اليأس.
غير أنّ هذه الثورة-رغم إخفاقها-تمخّضت عن نتائج مهمة شغلت فترة خلافة الرشيد، وكان لها دور واضح في انتشار الفرقة الزيديّة: إذ استطاع أخوا النفس الزكيّة من أبيه، إدريس ويحيى إبنا عبد الله، الهرب إثر هذه الوقعة، فعمل الأول على تأسيس دولة الأدارسة في المغرب، فيما مهدّ يحيى للدعوة في الديلم ممّا أثمر قيام دولة القاسم بن إبراهيم في الديلم بعد أقل من نصف قرن.
_________
[١] انظر فاروق عمر، العباسيون الأوائل ١٦٢ - ٢١٢؛ وبحوث في التاريخ العباسي ٩٢ - ١١١؛ وحسن فاضل زعين العاني، سياسة المنصور ٢٥٥ - ٣٢٤؛ ومحمد سليمان العبده، حركة النفس الزكيّة، الكويت ١٩٨٣؛ ومقالة،٥٣ - ٨٩ T .Nagel،in:Der Islam ٦٤(٠٧٩١)،pp . وقد عالج فيها بعض الروايات التاريخية في المصادر؛ ومقالتي الموسوعة الإسلامية Early Development of Shi c a Islam ٧٦٢ - ١٨٢. J .Lassner،The Shaping of c Abbasid Rule ٩٦ - ٩٧;S .H .M .Jafri،The Origins and L .Veccia Vaglieri،in:E .I .٢ ٣(١٧٩١)،pp .٣٨٩ - ٥٨٩(art .Ibra؟him b .c Abdalla؟h) .:
1 / 11
وقد حظي نشوء دولة الأدارسة بدراسات متعددة إلا أنّ هذه الدراسات تناولت في معظمها فترة التأسيس الثانية، أي فترة حكم إدريس الثاني وما يليها، ولم تمرّ الاّ عرضا بالفترة الأولى لما يكتنف المصادر من غموض ومعلومات متضاربة تبلغ أحيانا حدّ الحكايات الاسطوريّة. والأمر نفسه يصحّ على الدراسات المتعلّقة بدولة الديلم إذ أغضت هذه الدراسات بشيء من الحذر وعدم الاطمئنان عن المراحل السابقة على دعوة القاسم بن إبراهيم.
والأمر في نظري يعود في كلا الحالين لعدم توفّر المصادر الكافية عن الفترة الأولى لهاتين الدولتين، ولتلوّن ما وصلنا من أخبار بألوان أسطورية لا يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها في تشكيل تصوّر واف عن هذه البدايات.
٢. «الصورة التاريخية» في المصادر الزيدية
لم تحظ المصادر التاريخية الزيدية بدراسة شاملة حتى الآن، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ أكثرها ما زال مخطوطا ولم يفهرس إلاّ جزء يسير منها [١].
كذلك لم يلتفت الدارسون في تحقيقهم للكتب التاريخية العامّة إلى مقارنتها بالمصادر الزيدية [٢]، وهذا يعود جزئيا للسبب الذي ذكرته. فما زال الطريق أمامنا طويلا قبل أن يتاح لنا دراسة هذا التراث والبحث عن مصادره الأولى ودراسة أسانيده ورواته، ولوضع تصوّر عن الرؤية/الرؤى الزيدية للتاريخ الاسلامي وعن فهمهم لدور «جماعتهم» في سياق هذا التاريخ.
وتعود أولى المؤلفات التاريخية الزيديّة لأوائل القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي بعد أن استقرّت الدولة الزيدية الأولى في الديلم على يد القاسم بن
_________
[١] تجدر الإشارة هنا إلى أعمال عبد الله الحبشي وأيمن فؤاد السيّد وحسين عبد الله العمري.
[٢] حتى مقاتل الطالبيين لم يراجع على المصادر الزيدية.
1 / 12
إبراهيم [١] الرسّي وتبعتها الدولة الهادوية في اليمن [٢]. وكان قد مرّ قرنان من الثورات المتتالية والملاحقات من قبل الدولة العبّاسيّة، الأمر الذي أدّى إلى بقاء الدعوة سريّة وانتشارها في أرجاء العالم الاسلامي وإلى نشوء تجمعات زيدية مختلفة في طور الكمون هذا لكل منها تراثها المحلي وفهمها الخاص لمجريات التاريخ الإسلامي.
ويستطيع الدارس عند قراءته للفصل الذي خصّصه الأشعري (٣٢٤/ ٩٣٥) في «مقالاته» [٣] للزيدية أن يلحظ التشرذم الواسع الذي كان ما يزال يسم الفرقة الزيدية في عصره وصعوبة تتبعه أو فهم طبيعة حركته الداخلية.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذين القرنين قد اتّسما بصراع مرير بين أطراف كانت تجمعها كتلة واحدة للمعارضة، أخذ كلّ منها بعد نجاح العباسيّين في الاستيلاء على السلطة وفي تأسيس شرعيتهم، يحاول أن ينازعهم الشرعيّة المستمدّة أساسا من «كاريزما» النبيّ والدعوة ومن فهم كل طرف للتنزيل القرآني ودوره في مجرى التاريخ، كما يحاول أن يقف في وجه بناء مؤسسات الدولة التي سوف تخدم عملية إستيعاب «مفهوم الكاريزما» في داخلها وتأطيره لتأمين استمراريتها وشرعيتها. [٤] (Verallta؟glichung/perpetuation) وقد اتخذت المعارضة الزيديّة (وهي تمثل مجموعة من التيارات التي التقت عند قواسم مشتركة) شكل دعوة سريّة لها أجهزتها الخاصّة و«جماعتها» التي تلتفّ حول إمام من «أهل البيت» من
_________
[١] انظر عنه W .Madelung،Der Imam al-Qa؟sim b .Ibra؟him:
[٢] انظر دراسة علي القليسي: الهادي إلى الحق، حياته وفكره وشعره ٤٥ وما بعدها؛ وسيرة الهادي إلى الحق، تحقيق سهيل زكار.
[٣] مقالات الإسلاميين ٦٥ - ٨٥؛ وقارن بفرق الشيعة للنوبختي ٥٤ - ٦١؛ والملل والنحل ٦٦ - ٦٩.
[٤] قارن ب M .Weber،Soziologie ٣٦١ f .،٣٣٤ ff .:
1 / 13
الفرع الفاطمي يؤكّد «كارزميته» عبر الخروج بالسيف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولإقامة دولة العدل. ولم يكن الزيديّة هم الطرف الوحيد بل شهدت هذه الفترة صعود نجم الشيعة القائلة بإمامة «النصّ والنّسق» والتي أخذت تلتفّ حول الإمام جعفر الصادق بعد فشل ثورة النفس الزكيّة الذي خرج مدّعيا «المهدية»؛ وشهدت كذلك انتشار الدعوة الإباضيّة وغيرها.
تعود المصادر التي وصلتنا إذا إلى مرحلة كان على الزيدية فيها التعايش «كدولة» إلى جانب الدولة العباسيّة القائمة، وغيرها من الدويلات التي ظهرت في تلك الفترة وصار لزاما عليها إعادة النظر في نظرتها لبداياتها ولتاريخها وللتاريخ الإسلامي بعامّة، هذا ولم تكن الزيديّة كتلة متجانسة بل اتّجاهات متحرّكة.
ويمكننا أن نستخلص الصورة التاريخية العامّة-إذا جاز التعبير-للزيدية وفهمهم لأنفسهم من خلال الرسائل التي وصلتنا خاصة الرسائل المتبادلة بين محمد النفس الزكية وأبي جعفر المنصور [١]، والرسائل التي تنسب ليحيى بن عبد الله وأخيه إدريس والتي وردت في مخطوط «أخبار فخ» [٢]، وكذلك غيرها من الرسائل والكتب.
ولعلّه ما زال من المبكر قليلا أن نصل إلى نتائج حاسمة قبل تحقيق المصادر الزيدية تحقيقا علميا ودرس مصادرها، غير أني أراني لا أعدو الصواب إذا قلت إنّ خطة هذه المصادر-الأولى منها على الأقل-كانت تتمثل في ملء الخطوط العامّة للتصور التاريخي كما يبدو في الرسائل المبكرة
_________
[١] انظر تاريخ الطبري ٧/ ٥٦٦ - ٥٧١ (-٣/ ٢٠٩ - ٢١٦)؛ وكتاب المصابيح (مصورة دار الكتب المصريّة برقم ٨١)،٧٩ أ-٨٠ ب، وحتى إذا لم تصحّ نسبتها فهي تبقى تعكس وجهة نظر زيديّة.
[٢] درست هذه الرسائل في بحث سوف يصدر في الكتاب التكريمي للدكتور إحسان عبّاس، تحرير إبراهيم السعّافين، عمّان.
1 / 14
هذه. مما يؤدي بالتالي لقبول النظرة التاريخيّة التي كانت سائدة في ذلك العصر-أي بعد مرور قرنين على تأسيس الدولة العباسيّة ونجاح «ايديولوجيتها» ومؤسساتها إلى حدّ بعيد، وبعد تكوّن الاتجاهات الكبرى كالشيعة الاثني عشرية وأهل السنة والجماعة وقيام دولة الإسماعيلية في مصر الخ. . . -والعمل على تحويرها بما يتلاءم مع الفهم الزيدي-كما استقرّ عند تأسيس الدولة-فما تتضمنه هذه الكتب من معلومات هو إعادة كتابة التاريخ بنظرة استرجاعيّة. ولا يمكننا أن ننفي، بالطبع، اعتماد هؤلاء على مصادر متنوعة وروايات ووثائق يعود قسم كبير منها لفترة الدعوة/الدعوات السريّة وكذلك لتراث شفهي توارثته الأجيال، إلا أنه لا يسعنا أن نفترض أنّ كل هذا التراث هو تراث صحيح، موثوق به ومتجانس! هذا ما عنيته بقولي.
أننا ما زلنا في البدايات وأنه يجب دراسة هذا التراث لتمييزه وفحص مصادره كل واحد على حدة، ودراسة رواته والتأكد من صحة الوثائق وموثوقيّتها ودراسة لغتها ويناها الخ. .
٣. كتاب أخبار فخ
يعد الكتاب الذي بين يدينا من أوائل الكتب التاريخيّة الزيديّة، وهو يتناول فترة محدّدة تبدأ بمعركة فخ ويتابع مصائر يحيى وإدريس ابني عبد الله، ويقدّم معلومات جديدة غنيّة ومتميّزة. عندما تمّ اكتشاف مخطوطة هذا الكتاب في برلين كان الظن أنها مخطوطة فريدة، (Uniqum) وقد ذكرها البروفسر غريغور شولر في فهرسته للمخطوطات العربية التي كانت ما تزال مركونة في الصناديق في مكتبة برلين [١]. وتحمل المخطوطة عنوان «أخبار فخ
_________
[١] Arabische Handschriften،Teil II،N؟ .٢٢٣،٣٢٣،٦٠١ - ٨٠١. G .Schoeler،Verzeichnis der orientalischen Handschriften in Deutschland
1 / 15
وخبر يحيى بن عبد الله»، وكنت قد عرّفت بمادّتها ودرست أسانيدها في مقالة صدرت مؤخّرا (١). وهي من تأليف أحمد بن سهل الرازي الذي يبدو أنّه كان يكبر أبا الفرج الأصفهاني (-٣٥٦/ ٩٦٦) مؤلّف «مقاتل الطالبيين» بجيل، أيّ أنّه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي والربع الأوّل من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، كما تدلّ على ذلك دراسة أسانيده. وباستثناء هذا فإنّنا لا نكاد نعرف عن هذا المؤلف شيئا على الإطلاق.
وتقع المخطوطة ضمن مجموع زيدي يحتوي على رسائل وأخبار زيديّة، وتشغل الورقات ١٥٤ ب-١٨٤ أمنه؛ وناسخ المجموع هو العلاّمة الزيدي حميد ابن أحمد المحلّي (-٦٥٢/ ١٢٥٤) [٢]، صاحب كتاب «الحدائق الوردية» وقد كان هذا الكتاب أحد مصادره في الحدائق وإن لم يسمّه. ويذكر المحلّي أنه ينقل عن نسخة ضعيفة غير مهذّبة دون أن يذكر تاريخها.
كنت قد أنهيت تحقيق المخطوطة اعتمادا على نسخة برلين معتقدا أنّها نسخة فريدة، ثم اكتشفت عن طريق الصدفة أثناء مطالعتي لفهرست مخطوطات الجامع الكبير بصنعاء وجود نسخة أخرى ضمن مخطوطات الجامع، فعدلت عن نشر المخطوطة منتظرا أن أحصل على مصوّرة عن مخطوطة صنعاء، وقد تيسّر لي الحصول عليها، وهي تعود لأوائل القرن الرابع عشر الهجري، وعلى مخطوطة أخرى يرجع تاريخها للقرن الحادي عشر [٣].
_________
Studien ٧٤(٣٩٩١)،pp .٩٧٢ - ٧٩٢. M .Jarrar، «Some Ligths on an Early Zaydite manuscript»،in:Asiatische [١]
[٢] انظر عنه؛ R .Strothmann،in:Der Islam ١(٠١٩١)،p .١٦٣ f . وأيمن فؤاد السيد، مصادر تاريخ اليمن ١٢٧ - ١٢٩.
[٣] انظر وصفا تفصيليا للمخطوطات فيما يلي ص ١١٠ - ١١٥
1 / 16
وتقع مادّة الكتاب في ٤ أقسام:
أ-معركة فخ؛
ب-هروب إدريس ويحيى إلى الحبشة ثم عودتهما وتخفيهما؛
ج-أخبار إدريس في إفريقية والمغرب حتى وفاته مسموما؛
د-تجوّل يحيى في البلدان وهروبه إلى الديلم وأمان هارون الرشيد له ثم سجنه ومقتله.
وتكمن أهمية المخطوطة في أنها تضمّ مجموعة من أقدم المرويّات التي وصلتنا عن معركة فخّ وعن حركة إدريس ويحيى ابني عبد الله. والعدد الأكبر من الرواة هم من زيديّي القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، والمؤلف كما يدل اسمه وكما نستنتج من بعض أسانيده مرويّ وله علاقة بزيديّة الكوفة [١].
وثمّة رواية واحدة في المخطوطة ترد عند الطبري، وكلا الرازي والطبري ينقل عن مصدر مشترك وكانا متعاصرين، فالطبري توفي سنة (-٣١٠/ ٩٢٢) وأحمد بن سهل الرازي توفي قريبا من هذا العام [٢]، وهو يكبر أبا الفرج (-٣٥٦/ ٩٦٧) بجيل، وكلاهما يعتمد أحيانا مصادر واحدة استطعت التعرّف على بعضها، كما أنّ كليهما كان زيديا [٣].
_________
[١] انظر M .Jarrar،op .cit .٣٩٢ - ٤٩٢.:
[٢] قارن ب M .Jarrar،Ioc .cit .:
[٣] انظر في مرويات كتاب مقاتل الطالبيين ومصادره دراسة س. غونتر Abu؟'L-Farag؟ al-Isfaha؟ni؟ (gest .٧٦٩/ ٦٥٣) .Hildesheim،Zu؟rich،New York ١٩٩١. Sebastian Gu؟nther،Quellenuntersuchungen zn den"Maqa؟til at-Ta؟libiyyi؟n"des:
1 / 17
٤. هل وصلنا الكتاب كاملا؟
إن ما حدا بي لطرح هذا السؤال هو ورود خبر عن أحمد بن سهل الرّازي في «كتاب المصابيح» (وعنه في «تيسير المطالب» (انظر ما يلي ص ٢٨٤)، لم يرد في النسخ الثلاث المخطوطة التي اعتمدتها. والخبر يتناول ما عرف عن سخاء الحسين بن علي الفخي ويرد ضمن أخبار مذكورة في المصادر الأخرى قبل الدخول في تفاصيل معركة فخ عند الحديث عن الحسين ابن علي.
وأجد نفسي أمام احتمالين:
١) إمّا أن يكون الخبر من كتاب آخر لأحمد بن سهل الرازي لم يصلنا.
٢) أو أن يكون أحمد بن سهل لم يدخل هذا الخبر في كتابه-إذ أنّه لم يترجم فيما وصلنا من كتابه لا للحسين بن علي قبل خروجه ولا ليحيى وادريس-فيكون سماع أبي العبّاس الحسني-لهذا الخبر-منه عن طريق الرواية (الشفاهيّة على الأرجح) إذ أنّهما كانا متعاصرين.
والمخطوطة الأقدم التي وصلتنا من كتاب «أخبار فخ» انتسخها حميد بن أحمد المحلّي صاحب كتاب «الحدائق الورديّة» سنة ٦٣٨/ ١٢٤٠ وقد صرّح المحلّي أنها نسخة ضعيفة غير مهذّبة وأنّه اجتهد في تصليحها على العجلة ثم قابلها على نسخة أخرى، مما يعني أن هذا الخبر لم يوجد في كلا الأصلين اللذين اعتمدهما المحلّي. وثمّة أمر آخر تجدر الإشارة إليه، وهو أنّ أخبار الحسين الفخي ويحيى وإدريس في «كتاب المصابيح» هي من القسم الذي أتمّه علي ابن بلال. وقد وردت رسالة إدريس بن عبد الله إلى البربر في بعض المصادر بسند أبي العباس الحسني إلى أحمد بن سهل الرازي، غير أننا لا نجدها في «كتاب المصابيح» كما وصلنا وإنّما ترد فيه رسالة له إلى «أهل مصر»، بيّنت
1 / 18
في موضع آخر أنّها موضوعة ومنسوبة له على الأرجح [١].
كل هذا يعود بي إلى ما ذكرته سابقا من صعوبة الاعتماد على المصادر الزيديّة قبل أن تحقق تحقيقا علميا وتدرس موادها وأصولها والعلاقات بينها دراسة متأنيّة.
٥. مصادر الكتاب
كنت قد درست في موضع آخر مصادر هذا الكتاب وأسانيده، وسوف أكتفي هنا بذكر أهمها، مؤجّلا الدراسة التفصيليّة للأسانيد إلى حين ورودها في هذا البحث:
٥.١. عبد الله بن محمد بن إبراهيم الجعفري
ويعتمد عليه المؤلف في رواية جزء كبير من أخباره. ويتصّل إسناد المؤلف به عن طريق: الحسن بن عبد الواحد الكوفي محمد بن علي بن إبراهيم بكر بن صالح الرازي.
وليس من السهل التعرّف على شخصيّة عبد الله بن محمد بن إبراهيم الجعفري هذا، فثمّة أكثر من جعفري ورد اسمه في كتب الرجال كمؤلّف لكتب تعنى بموضوع ثورات الطالبيّين، قد يكون هو المقصود. واسم هذا الجعفري كما يرد في مخطوطة «أخبار فخّ» هو: عبد الله بن محمد بن إبراهيم [بن محمد] بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
غير أنّه لا وجود لهذا الاسم في المصادر بهذه الصيغة التي يرد بها هنا:
_________
[١] انظر الحاشية ٢، ص ١٤.
1 / 19
أ-فثمّة عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب، وهو مؤلّف كتابين، أحدهما بعنوان «كتاب خروج صاحب فخّ ومقتله» والآخر «كتاب خروج محمد بن عبد الله ومقتله» [١]. ويروي عنه هذه الكتب بكر بن صالح [٢]. وبكر هذا هو مولى لضبّة وتذكره المصادر الإمامية فيمن روى عن الإمام السابع موسى الكاظم (-١٨٣/ ٧٩٩)، ويبدو أنه هو الذي وضع مرويات شيخه الجعفري هذا على شكل كتب. ولا نعرف تاريخ وفاة عبد الله بن إبراهيم الجعفري، غير أنّه يمكننا أن نفترض أنّه كان مجايلا للإمام موسى الكاظم، أي أنه توفي في الربع الأخير من القرن الثاني.
ب-يورد الطبري خمس روايات [٣] عن عمر بن شبّة (-٢٦٣/ ٨٧٦) عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري تدور كلها حول أحداث ثورة النفس الزكية وأخيه إبراهيم، ويورد أبو الفرج الأصفهاني كذلك ست روايات [٤] عن هاتين الثورتين بسنده عن عمر بن شبّة عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام الجعفري. أما ابن أبي الكرام، فهو أبو المكارم محمد الأصغر ابن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب، وهو حامل رأس النفس الزكيّة إلى مصر [٥]. ويصدّر ابن شبّة رواياته عند أبي الفرج بالألفاظ:
«حدّثني، حدّثنا، وأخبرني»، وينصّ عند الطبري على أنّه ساءله، قال: «فحدّثت
_________
[١] رجال النجاشي ١٤٩ - ١٥٠؛ جامع الرواة ١/ ٤٦٤؛ الذريعة ٧/ ١٥٠ - ١٥١، رقم ٨١٧ و٨١٨.
[٢] رجال النجاشي ٧٩؛ جامع الرواة ١/ ١٢٧؛ معالم العلماء Prozorov،Arabskaia Istoricheskaia ٩٦،٣٠١،٣٤١.؛٢٤
[٣] تاريخ ٧/ ٥٠٢،٥٨٤،٥٩١،٥٩٦،٦٤٧ (-٣/ ١٨٩،٢٣٣،٢٤١،٢٤٧،٣١٧) ويذكر روايتين عن ابن أبي الكرام عن طريق عيسى بن عبد الله (انظر عنه T .Nagel in:Der Islam ٦٤(٠٧٩١)،٢٤٢ f . وتاريخ ٧/ ٥٨٤،٦٠١ (-٣/ ٢٣١،٢٥٤).
[٤] مقاتل الطالبيين ٢٠٦،٢٥٥،٢٧٠،٣٣٤،٣٤٥،٣٤٨
[٥] مقاتل الطالبيين ٢٧٥،٣٥٠ (وفيه انه حمل رأس إبراهيم)؛ وانظر تاريخ ابن عساكر ٦/ ٢١؛ جامع الرواة ٢/ ١٤٣؛ عمدة الطالب ٤٥؛ الطبري ٧/ ٥٩٩،٦٠١ (-٣/ ٢٥٢،٢٥٤).
1 / 20
إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري أن محمدا أحرج فخرج قبل وقته الذي فارق عليه أخاه إبراهيم، فأنكر ذلك. . .» [١].
فهل لنا أن نفهم من طريقة ابن شبّة في التحديث أنه يروي مباشرة عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن أبي الكرام الجعفري هذا؟ لقد عمّر ابن شبّة طويلا، فقد ولد سنة ١٧٣/ ٧٨٩ أي أنه كان قد بلغ تسعين سنة قمريّة عند وفاته، ممّا أتاح له العلو في أسانيده، فلا يعود احتمال سماعه المباشر من أحد أولاد ابن أبي الكرام-أو أحد أحفاده-بالأمر المستغرب [٢]. غير أن رواية لابن شبّة عند الطبري تظهر أنّه يتّصل بإبراهيم بن محمد الجعفري عن طريق ابن زبالة، وقد ألّف ابن زبالة كتابا في «أخبار المدينة» سنة ١٩٩/ ٨١٤ [٣]. والسند المذكور عند الطبري: «حدّثني محمد بن الحسن بن زبالة، قال: حدّثني إبراهيم بن محمد، قال:. . .» [٤]. ولا نعرف لمن تعود «حدّثني» الأولى، والأغلب أن القائل هو عمر بن شبّة، فقد كان الطبري يروي عنه قبل ذلك. يبقى علينا الآن أن نتحقق إن كان المقصود واحدا عند ذكر هؤلاء الجعفريين الثلاثة:
١) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله (المذكور في
_________
[١] تاريخ ٧/ ٥٥٢ (-٣/ ١٨٩)؛ وقارن ب T .Nagel،op .cit .٩٣٢ f
[٢] كنت قد رجّحت في مقالي المذكور سابقا أن عمر بن شبّة لم يكن ليرو عن الجعفري هذا للفارق الزمني بينهما، ولم أجد كذلك رواية له عنه في «أخبار المدينة» لابن شبة. وأرى الآن أن سماعه منه كان أمرا محتملا، قارن ب٧٤ (٣٩٩١)، P .١٨٢. M .JARRAR،IN:Asiatische Studien:
[٣] انظر عن ابن زبالة GAS ٣٤٣/ ١ F .;T .Nagel،in:Der Islam ٧٤(٠٧٩١)،p .٥٣٢ - ٦٣٢. مقدمة أكرم ضياء العمري على كتاب «أزواج النبي» لابن زبالة؛ وصالح أحمد العلي، الحجاز في صدر الاسلام ٢٩ - ٣١.
[٤] تاريخ ٧/ ٥٩١ (-٣/ ٢٤١).
1 / 21
[١] [٢] [٣] [٤] [٥] [٦] [٧] [٨] [٩] [١٠]
_________
[١] جامع الرواة ١/ ٤٧٨.
[٢] عمدة الطالب ٣٤،٣٨،٤٥؛ تاريخ ابن عساكر ١٢/ ٤٣٩ - ٤٤٠.
[٣] جامع الرواة ٢/ ١٥٥؛ عمدة الطالب ٣٨.
[٤] عمدة الطالب ٤٥؛ نسب آل ابن أبي طالب ٤٣.
[٥] عمدة الطالب ٣٨ - ٣٩.
[٦] جامع الرواة ٢/ ١٤٣؛ عمدة الطالب ٤٥؛ تاريخ ابن عساكر ٦/ ٢١.
[٧] عمدة الطالب ٤٤.
[٨] رجال النجاشي ١٦؛ منتهى المقال ٢٤؛ جامع الرواة ١/ ٣٢.
[٩] و[١٠] لم أستطع التعرف عليهما. بحسب سسلاسل النسب يكون (١٠) هو المذكور في مخطوطة «أخبار فخ» لأحمد بن سهل الرازي؛ و(٥) هو صاحب كتابي «أخبار محمد بن عبد الله ومقتله» وكتاب «خروج صاحب فخ ومقتله» المذكور عند النجاشي والاردبيلي والذريعة؛ و(٨) هو الذي يروي عنه عمر بن شبّة.
1 / 22
مخطوطة «أخبار فخ».
٢) وعبد الله بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله (صاحب كتابي «خروج محمد بن عبد الله ومقتله» و«خروج صاحب فخ ومقتله»)،
٣) وإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام (الذي يروي عنه عمر بن شبّة).
الملاحظة الأولى هنا أن الثلاثة ليسوا من جيل واحد بحسب سلاسل النسب؛ والثانية أن بكر بن صالح الرازي هو الراوي عن الأول والثاني (١٠ و٥) رغم الاختلاف في ترتيب أسمائهما؛ أما الملاحظة الثالثة فهي أن الأخبار التي تروى عنهم جميعا في المصادر تتعلق بثورات الطالبيين: محمد بن عبد الله، وأخيه إبراهيم، والحسين الفخّي. ويبدو لي مما تقدّم أنّ الأسماء الثلاثة تعود لشخص واحد من أولاد ابن أبي الكرام-أو أحد أحفاده-اشتبه اسمه على الرواة. وقد اختلطت أنساب الطالبيين لتكرر أسماء الآباء والأبناء وتشابهها، وقد تبيّن النّسابة ابتداء من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي صعوبة التعرّف على هؤلاء الأشخاص [١].
٥.٢. أما الحسن بن عبد الواحد الكوفي
، الذي عبره يتصل إسناد المؤلّف بعبد الله بن محمد بن إبراهيم الجعفري، فينقل المؤلف-أحمد بن سهل الرازي- عنه قسما أساسيا من أخبار كتابه. ويرد اسمه كذلك عند أبي الفرج الأصفهاني في مقاتله حيث ينقل عنه خمس روايات حول ثورة النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم وثورة فخ [٢]. وينقل عنه أبو الفرج بواسطة راويين: علي بن أحمد
_________
[١] انظر مثلا، بالنسبة لصعوبة التعرّف على شخصيّة إبراهيم بن أبي الكرام الجعفري، تعليق محقق تهذيب المقال ٣٠٣ - ٣٠٦.
[٢] مقاتل الطالبيين ١٣٢ (حيث يسمّيه الحسين بن عبد الواحد)،٣٥٦،٣٨٨،٤٣٦،٥٢٤.
1 / 23