قال له نصر: أنا والله أغار على مدحك أن تضعه في غير موضعه، ولئن بقيت لأحظرن ذلك إلا على أهله، وأمر له بجائزةٍ سنيةٍ وكسوة. قال: فمات نصر بعد ذلك في شوال سبعٍ وعشرين ومائتين.
حدثنا أحمد بن إسماعيل قال، حدثني من سأل أبا تمام عن قوله:
غُرْبَةٌ تقَتْدَي بِغُرْبِة قَيْس بْ ... نِ زُهَيْرٍ وَالحارِثِ بن مُضَاضِ
فقال: أما غربة قيس بن زهير العبسي فمشهورة، وهذا الحارث بن مضاض الجرهمي زوج سيدة من إسماعيل بن إبراهيم، ثم تحدث بحديثٍ طويلٍ، قد ذكرناه في شعره عند هذا البيت.
حدثني محمد بن البربري قال، حدثني الحسن بن وهبٍ قال: قلت لأبي تمام: أفهم المعتصم بالله من شعرك شيئًا؟ قال: استعادني ثلاث مراتٍ:
وَإنَّ أَسْمَجَ مَنْ تشْكُو إليْهِ هَوىً ... مَنْ كانَ أحْسَنَ شَيءٍ عِندَهُ العَذَلُ
واستحسنه، ثم قال لابن أبي دؤاد: يا أبا عبد الله، الطائي بالبصريين أشبه منه بالشاميين.
حدثنا أبو عبد الله الألوسي قال، أخبرني أبو محمد الخزاعي المكي صاحب - كتاب مكة - عن الأزرقي قال: بلغ دعبلًا أن أبا تمامٍ هجاه عندما قال قصيدته التي رد فيها على الكميت وهي:
أَفِيِقي مِن مَلاَمِكِ يا ظَعِينَا ... كَفَاكِ اللّوْمَ مَرُّ الأرْبَعينَا
فقال أبو تمام:
نَقَضْنَا لِلْحطَيْئَةِ أَلْف بَيْتِ ... كَذَاكَ الحيُّ يَغْلبُ أَلفُ مَيْتِ
وذَلكِ دِعْبلٌ يرجوُ سَفَاهًا ... وَحمُقًا أنْ ينَالَ مَدىَ الكُمَيْتِ
إذا مَا الحيُّ نَاقَضَ جِذْمَ قَبْرٍ ... فَذَلكُمُ ابنُ زَانِيَةٍ بِزَيْتِ
وأن دعبلاَ قال لما بلغته هذه الأبيات:
يا عَجَبَا مِنْ شاعرٍ مُفْلِقٍ ... آبَاؤُهُ في طَيِّئٍ تَنْمِي
أُنْبِئْتُهُ يَشْتِمُ مِنْ جَهْلِهِ ... أُمِّي، وَمَا أَصْبَحَ مِنْ هَمي
فَقُلْتُ: لكنْ حَبَّذَا أُمُّهُ ... طَاهِرَةٌ زَاكِيَةٌ عِلْمِي
أَكْذِبُ وَاللهِ عَلَى أُمِّهِ ... كَكِذْبِهِ أيضًا عَلى أُمِّي!
وقد رويت هذه الأبيات التائية لأبي سعد المخزومي، ورويت الأبيات الميمية لغير دعبلٍ في أبي تمام.
وزعم ابن داود أن محمد بن الحسين حدثه قال: زار الحسن بن وهبٍ وأبو تمام، أبا نهشل بن حميدٍ، فقال أبو تمام وقد جلسوا:
أعَضَّكَ اللهُ أَبَا نَهْشَلِ
ثم قال للحسن: أجز، فقال:
بِخّدِّ رِيمٍ شَادِنٍ أَكْحَلِ
ثم قال لأبي نهشل: أجز، فقال:
يُطمِعُ في الوصْلِ فإن رُمْتَهُ ... صَارَ مَعَ العَيًّوقِ في مَنْزِلِ
حدثنا ميمون بن هرون قال، حدثني صالح غلام أبي تمام قال: غضب على أبو تمام فكتبت إليه بهذا الشعر، وهو أول شعر قلته قط:
إذَا عاقَبْتَنِي في كلِّ ذَنبٍ ... فما فضْلُ الكرِيمِ عَلَى اللَّئيمِ؟
فإِنْ تكُنِ الحوادِثُ حَرَّكَتْنِي ... فإنَّ الصَّبْرَ يَعْصِفُ بالهُمُوم
فجاءني إلى الموضع الذي كنت فيه فترضاني.
وجدت بخط عبد الله بن المعتز: صار أبو تمام إلى أحمد بن الخصيب في حاجةٍ له أيام الواثق، فأجلسه إلى أن أصابته الشمس، فقال:
تغَافلَ عنَّا أحمدٌ مُتَنَاسِيًا ... ذِمَامَ عُهُودِ المدْحِ والشُّكْرِ والحمْدِ
نَمُوتُ مِنَ الحَرِّ المُبَرِّحِ عِنْدَهُ ... وحاجاتُنَا قَدْ مِتْنَ من شِدَّةِ البَرْدِ!
حدثني أبو ذكوان قال، حدثني عمك أحمد بن عبد الله طماس قال: كنت عند عمي إبراهيم بن العباس، فدخل عليه رجل فرفعه حتى جلس إلى جانبه أو قريبًا، ثم حادثه إلى أن قال له: يا أبا تمام، ومن بقي ممن يعتصم به ويلجأ إليه؟ فقال: أنت فلا عدمت، قال: وكان إبراهيم تامًا فأنشده:
يَمُدُّ نِجادَ السَّيفِ حَتى كأَنَّهُ ... بأَعْلَى سَنَامَيْ فَالِجٍ يتَطَوَّحُ
وَيُدْلِجُ في حاجَاتِ مَنْ هُو نَائمٌ ... وَيُورِي كَريَماتِ النَّدَى حِينَ يَقْدَح
إذَا اعْتَمَّ بالبُردِ اليَمَانِيِّ خِلْتَهْهِلاَلًا بدَا في جَانِبِ الأُفْقِ يَلْمَحُ
1 / 41