أو الموسوسين وهم الناس، فإن الله نسب الوسوسة إليهم على السواء، فقال: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾، فليكن للناس الذين يوسوسون في صدور الناس خرطوم وخطم ومنقار يدخل في الصدور ويوضع على أذن القلب فإذا ذكر الله خنس الخرطوم كما ذكروه في الجنة، ولكنهم يكثرون الوصف ويخترعون ما يشاءون بأفواههم فيما لا يراه الناس وإن كانوا لا يعقلونه، ويجترءون على الغيب فيذكرون من شئونه ما استأثر الله بعمله، ثم لا يكفيهم ذلك حتى يخترعوا من الأحاديث ما يسند أوهامهم، وينسبون إلى السلف ما يظنون أنه يقوي مزاعمهم، والله يشهد أن النبي ﷺ والسلف الصالح برآء مما ينسب إليهم من ذلك كله، وإنما هو من اختراع من لم يرض لنفسه أن يقترف جريمة واحدة، جريمة الجرأة على الغيب بوهمه، حتى يضم إلى ذلك جريمة الكذب على رسول الله ﷺ وسلف الأمة، أولئك الذين إذا انجر القول بهم إلى ما يعرفه الناس ويمكنهم أن يكذبوهم فيه سكتوا سكوت البكم ولجئوا إلى سلاحهم الذي يشرعونه في وجوه الجبناء، وقالوا هكذا مذهب أهل السنة، كأن السنة عندهم مذهب جسماني محض لا شائبة من الروحانية فيه، وافتروا على أهل السنة وهم السلف ما لا يعرفونه، وماذا عليهم لو أخذوا السنة والكتاب ونظروا إلى الدين جملة، وفسروا بعض نصوصه ببعض، كما هو الواجب على المسلم الذي يؤمن بالكتاب كله، وليس من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فعوذ بالله من الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس، والله أعلم.
(أقول) وعلى الله
1 / 27