طالما ضرعت بحرارة، حين هممت بإغماض عيني في الفراش، ألا أفتحهما ثانية أبدا، بيد أنني فتحتهما في الصباح، فرأيت الشمس ثانية، وأحسست ببؤسي السابق. وا حسرتاه! لم لا تصيبني السوداء أو الجنون؟ ولم لا يصلح لي أن أعزو هذا الشقاء القارس إلى تأثير إقليم غير ملائم، إلى أطماع لم تنل، إلى إحن عدو مضطهد؟ إن عبث الحزن هذا يكون أكثر احتمالا حينذاك، ولكن الآن، وا أسفاه! إنني أحس به تمام الإحساس؛ لأنه يقع بكليته علي وأنا وحدي أصل كل شيء. إن هذا الصدر نفسه الذي كان مقر الفرح والسلام قد أصبح الآن منبعا كئيبا لأحزان لا تحصى، لقد تغيرت عن ذي قبل، فلم يكن يسود على أفكاري سابقا غير أسعد الإحساسات، وحيثما سرت ظهر لي الفضاء المحيط بي كالجنان، واشتعل حب الإنسانية بفؤادي، ولكن أواه! إن الجمود البارد يجمد ذلك القلب، بل هو ميت أمام كل سرور، وقد جفت عيناي، فلم تعد تبللهما دموع الشعور المنعشة، وحواسي تخونني فلا تعاون عقلي، وآلامي لا يتناولها الوصف؛ فقد أضعت جمال الحياة الفذ، تلك القوة النبيلة العاملة التي خلفت حولي العوالم، لقد انتهت، ومن نافذتي أرى التلال البعيدة والشمس البازغة تشتت السحب المتكسرة، وتصبغ المنظر بذهب من أشعتها الساطعة، والغدير الهادئ ينحدر بلطف بين أشجار الصفصاف العارية، والطبيعة لا تزال تظهر كل جمالها العجيب، وتعرض أبدع المناظر، بيد أن قلبي لا يشعر الآن وأنا أعمى لا أتأثر، ميت لا أتحرك، وكثيرا ما تمددت على الثرى، ضارعا إلى السماء كي تحبوني بالدموع كما يضرع المزارع من أجل المطر ليرطب أرضه الجافة، ولكنني أرى السماء لا تمنح المطر ولا ضوء الشمس بالإلحاحات المفرطة. إن أوقاتي العافية، التي تمزق ذكراها صميم قلبي، كانت ملأى بالسعادة؛ لأنني انتظرت بصبر إرادة السماء، وكنت شاكرا كل نعمها.
الرسالة الخامسة والسبعون
8 نوفمبر
عذلتني شارلوت برفق لإفراطي في الأيام الأخيرة؛ لأنني، والحق يقال يا صديقي العزيز، قد زدت المقدار العادي لي من النبيذ منذ زمن ما؛ لأغرق به الألم، قالت: «أرجوك ألا تفعل، فكر في شارلوت.» «وا حسرتاه! ما أقل الحاجة إلى تلك النصيحة! إنني أفكر فيك، وأكثر من أن «أفكر»، أنت دائما نصب عيني، أنت أبدا في فؤادي. لقد كنت جالسا هذا الصباح في المكان الذي جلست فيه اليوم الغابر ...» وهنا غيرت الموضوع.
حقا أيها الصديق إنني ألعوبة وحسب، تستطيع هذه المخلوقة العزيزة المقدسة أن تحركها، وأن تجعلها تفعل ما تريد.
الرسالة السادسة والسبعون
15 نوفمبر
أشكر بإخلاص لصديقي نصيحته الرقيقة، وخصوصا لمحاولاته الكريمة كي يصلح من مركزي، ولكن لم هذا العناء الذي لا يجدي؟ اتركني لنفسي، أنا تاعس، ولكنني لا أزال أستطيع تحمل آلامي.
1
الرسالة السابعة والسبعون
نامعلوم صفحہ