الرسالة السابعة والعشرون
27 يوليو
طالما عقدت العزم على الإقلال من رؤيتها، ولكن ما أوهى عزم المحب! وا حسرتاه أيها الصديق، إن القول لأسهل بكثير من العمل. كل يوم أخضع للإغواء، ولو أنني أقول كل ليلة: «لن أراها غدا.» على أنه متى جاء الغد ساقني إليها شيء لا يقاوم. ولا تحسبن هذه «الأشياء» فارغة من البواعث، هبها قالت عند الافتراق: «آمل أن تزورني غدا.» فهل أستطيع القعود عن الذهاب؟ أو إذا عهدت إلي القيام بمهمة فقد أجد من الضروري أن أعود بنفسي حاملا النتيجة، وقد يطلع اليوم شيقا جميلا، فأسير متريضا إلى والهيم، وإذا ما صرت هناك وجدت نفسي على ميلين فقط من بيتها، وعلي أن أتقدم في طريقي، فهل أنكص وأنا منها قريب؟ هذا مستحيل.
أذكر قصة عتيقة كانت تحدثنا بها جدتي عن جبل من المغناطيس، وكانت جاذبيته هائلة، حتى إذا ما دانته سفينة انجذبت روابطها الحديدية إلى الجبل، وراح بحارتها المساكين بين ألواحها المشتتة. إن صديقي يفهم دون ريب ما أشير إليه، إن عالما كاملا من هذه الجبال لا يباري شارلوت في قوة الجذب.
الرسالة الثامنة والعشرون
30 يوليو
جاء ألبرت فوجب على فرتر الرحيل، ولو كان أشرف وأفضل بني الإنسان وكنت دونه في كل شيء، لما احتملت أن أراه يمتلك كل هذا الجمال النسائي والكمال.
يمتلك! أجل؛ فهو زوجها في المستقبل.
وهو رجل مهذب كامل الأخلاق، يجب أن يقدره الجميع ويحترموه. لم أشهد لقاءهما الأول لحسن حظي، ولو فعلت لمزق فؤادي، أما هو فقد استنفد وسعه كي لا يظهر أمامي شغفه بشارلوت، فليسبغ الله عليه بركاته، وعلي أيضا أن أحترمه وأكبره؛ لأنه يجل فتاتنا السموية، وهو يعطف علي كل العطف، على أنني واثق أن عنايته هذه ناشئة من تحدث شارلوت عني، وما أمهر النساء في التوفيق بين المزاحمين، وهن قد يفشلن أحيانا، ولكن التجربة لازمة؛ لأنها إذا نجحت كان جل الخير في مصلحتهن.
وإنني رغم كل شيء لا أغمط ألبرت قدره؛ فإن هدوء طبعه يناقض تماما حدة خلقي، التي أحاول عبثا إخفاءها، هذا إلى عظيم إحساسه وشعوره الحق بالكنز الثمين الذي يحرزه في شارلوت، ولم أر منه قط ما يؤخذ عليه من فظاظة أو سوء خلق، وهما - كما تعلم - أشد ما أمقت. ويظهر أنه يعدني حسن الذوق، ذكي الفؤاد، كما أرى أن تعلقي بشارلوت واغتباطي بمصاحبتها يسره ظاهرا، ويزيد من شغفه بها، ولا يمكنني الجزم بأن شوائب الغيرة لا تعكر صفو الدقائق التي يقضيانها منفردين، على أنني واثق أنني لو كنت مكانه لما أظهرت هذا السكون والراحة.
نامعلوم صفحہ