قال:
[مولده]:
سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بجماعيل، شاهدته بخط والده أحمد رحمه الله.
[وفاته]:
ووفاته عشية يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول،
سنة سبع وستمائة، بجبل قاسيون ظاهر دمشق، وبهذا الجبل دفن.
[ذكر شيوخه]:
سمع الحديث الكثير بدمشق، ومصر، فسمع بدمشق والده، وأبا المكارم عبد الواحد بن محمد بن المسلم بن هلال الأزدي، وأبا تميم سلمان بن علي بن عبد الرحمن الرحبي ثم الدمشقي، وأبا الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز الأزدي، وأبا نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن يوسف البغدادي، وخلقا يطول ذكرهم.
وبمصر الإمام أبا محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار المقدسي اللغوي، وأبا الطاهر إسماعيل بن قاسم الزيات وغيرهما.
صفحہ 209
باب في ذكر اجتهاده ورغبته في أفعال الخير:
كان -رحمه الله تعالى- لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه ودعا به، ولا يسمع ذكر صلاة إلا صلاها، ولا يسمع حديثا إلا عمل به، وقد كان يصلي بالناس في نصف شعبان مئة ركعة، وهو شيخ كبير، وكان أنشط الجماعة، وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته.
1- سمعت والدتي أم أحمد قالت: حدثتني بهية بنت الفقيه طرخان -وهو ابن أبي الحسن الدمشقي- قالت: لما جئتم من بلادكم، جاء والدي ومعه الشيخ أبو عمر، وكان شابا ومعه غيره من أقربائكم، فقال لي أبي: تغسلي ثيابهم، فكرهت ذلك -تعني: ثقل عليها- قالت: فباتوا عندنا، فقام أبو عمر من الليل يصلي ويقرأ، فلما سمعت قراءته وقعت قراءته في قلبي، وأحببتهم حبا شديدا، أو ما هذا معناه.
صفحہ 210
2- وقد سمعت الإمام أبا عبد الله محمد بن طرخان يحدث عن أخته بنحو هذا.
سافرت مرة مع خالي الإمام أبي عمر إلى الغزاة، فبتنا عند قرية فأراد بعضنا أن يسهر ويحرسنا، فقال له الشيخ: نم، وقام هو يصلي.
3- وسمعت أبا العباس أحمد بن يونس بن حسن المقدسي قال: كنت في سفر مع الشيخ أبي عمر، وكان معنا أحمد بن الصابوني، ومعه قماش، فجئنا إلى موضع مخوف، فأردنا السهر، فقال الشيخ أبو عمر: ناموا أنتم، فنمنا وقام يصلي إلى وقت رحيلنا.
4- وسمعت الفقيه أبا محمد عبد الحميد بن محمد بن ماضي المقدسي يقول: جاء الشيخ أبو عمر إلينا، إلى نابلس، فكان يتعشى بعد العشاء الآخرة، ثم نتذاكر في الفقه إلى هوى من الليل، ثم يقوم فيصلي زمانا طويلا.
5- سمعت الشيخ أبا بكر بن أحمد البغدادي يقول: دخلنا إلى عند الشيخ أبي عمر في مرضه الذي مات فيه، وهو يعقد بأصابعه -يعني يسبح- فلما خرجنا من عنده إلى خارج الدار، قالوا: توفي.
صفحہ 211
6- وسمعت أم عبد الله آسية بنت محمد - وهي التي كانت تدور به في مرضه تقول: إنه قلل الأكل قبل موته، حتى عاد كالعود، وقالت: مات وهو عاقد على أصابعه -تعني يسبح-.
7- وسمعتها تحدث عن أم عبد الرحمن -تعني زوجته- قالت: كان يقوم بالليل، فإذا جاءه النوم، عنده قضيب يضرب به على رجله، فيذهب عنه النوم.
وكان -رحمة الله عليه- كثير الصيام في الحضر والسفر، ورأيته في السفر قل ما كان يفطر فيه.
8- وحدثني ولده الإمام عبد الله أنه في آخر عمره سرد الصوم، فكان لا يفطر إلا في عيد أو مرض أو عذر، فلامه أهله في ذلك، فقال: إنما أصوم أغتنم أيامي، لأني إن ضعفت عجزت عن الصوم، وإن مت انقطع عملي.
وكان يحرص على صلاة الجماعة بعد ضعفه، ويخرج إليها في الظلام، فربما صدمه بعض الحيطان من ضعفه وكثرة الظلام.
صفحہ 212
9- ولقد حدثني بعض أهله: أنه خرج ليلة للصلاة في الظلمة، فوقع في الدرجة التي لهم، وبقي مطروحا لا يقدر على القيام، قال: حتى مضيت إلى ابنه وحكيت له وقوعه، فقال ابنه: هذه الساعة كنت أرى نورا ينزل على ناحيته، وجئنا بسراج فشلناه، أو ما هذا معناه.
وكان لا يكاد يسمع بجنازة إلا حضرها، قريبة أو بعيدة، ولا مريضا إلا عاده.
10- ولقد حدثني عبد الغني بن عمر بن فتيان الجدياني المؤذن قال: لما ماتت أمي حملناها إلى الجبل، فجئت إلى الشيخ أبي عمر وهو في يوم حار ، فمضى معي ليصلي عليها -يعني وكان الموضع بعيدا-.
قلت: وكان هذا في آخر عمره وضعفه، وكان -رحمه الله تعالى- لا يكاد يسمع بجهاد إلا خرج فيه، رحمة الله عليه.
ذكر طرف من أوراده:
صفحہ 213
وكان يقرأ في كل ليلة سبعا من القرآن، مرتلا في الصلاة، ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر، وكان إذا صلى الفجر وفرغ من الدعاء والتهليل والتسبيح قرأ آيات الحرز، ويس، والواقعة، و{تبارك الذي بيده الملك} و{قل هو الله أحد}، والمعوذات، وكان قد كتب ذلك في كراسة وهي معلقة في المحراب، ربما قرأ فيها خوفا من النعاس، ثم يقرئ القرآن ويلقن الناس إلى وقت ارتفاع النهار، ثم يقوم فيصلي الضحى صلاة طويلة بتمام ركوع وسجود.
11- وسمعت ولده الإمام أبا محمد عبد الله يقول: كان يسجد سجدتين طويلتين، إحداهما في الليل، والأخرى في النهار، يطيل فيها السجود، ولم نعلم ما كان يقول في سجوده.
ويصلي بعد أذان الظهر قبل سنتها في كل يوم ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى أول المؤمنون، وفي الثانية بآخر الفرقان من قوله {تبارك الذي جعل في السماء بروجا}، وكان يصلي بين المغرب والعشاء أربع ركعات، يقرأ فيهن السجدة، وتبارك، ويس، والدخان، ويصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسابيح أربع ركعات، ويطيل فيها، وكان يصلي يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة ركعتين، كل ركعة يقرأ فيها قل هو الله أحد خمسين مرة.
12- وحكى ولده -بارك الله في عمره- عن أهله أنه كان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة.
صفحہ 214
13- ومما حكي عن أهله -أم عبد الرحمن- أنه كان يقرأ كل يوم -{قل هو الله أحد} ألف مرة، ويقول سبحان الله وبحمده ألف مرة، وسبحان الله العظيم ألف مرة، ويقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ألف مرة، ولا إله إلا الله الملك الحق المبين ألف مرة، وكان إذا دخل منزله قرأ {قل هو الله أحد} خمس مرات، ولا يجلس حتى يركع ركعات، إلا أن يكون مريضا فيصلي جالسا .
قلت: وكان يزور المقابر كل جمعة بعد العصر، ولا يكاد يأتي إلا ومعه شيء من الشيح في مئزره، أو شيء من نبات الأرض.
وكان يقرأ كل ليلة بعد عشاء الآخرة آيات الحرز، لا يكاد يتركها، وسمعت بعض أصحابنا يقول وقت قراءة الشيخ آيات الحرز: قد وجدناه بقراءة هذه الآيات خيرا كثيرا، فإن الناس ينهبون ويسرقون ونحن لا نرى إلا خيرا، وذلك زمان قتال السلاطين بعضهم بعضا، وكان النهب كثيرا.
صفحہ 215
وسمعت أنه كان إذا دخل منزله قرأ آية الكرسي، وعوذ بكلمات، وأشار بيده إلى ما حوله من الدور والجبل، يحوطها بذلك، ولا ينام إلا على طهارة، وإن أحدث قبل النوم بجنابة أو غيرها لم ينم حتى يتوضأ، وإذا آوى إلى فراشه قرأ الحمد، وآية الكرسي، والواقعة، وتبارك، وقل يا أيها الكافرون، وربما قرأ يس، ويسبح لله ثلاثا وثلاثين، ويحمد الله ثلاثا وثلاثين، ويكبره أربعا وثلاثين، ويقول: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، رب قني عذابك يوم تبعث عبادك.
وكان يقول بين صلاة سنة الفجر والفرض أربعين مرة يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، وكان يستفتح الوضوء ببسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أسألك الأمن والبركة، وأعوذ بك من الشؤم والهلكة، رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون.
14- وسمعت أم عبد الله آسية بنت محمد -بنت ابنته- تقول: كان سيدي لا يترك الغسل يوم الجمعة، وكان لا يكاد يخرج إلا ومعه شيء يتصدق به. -تعني يوم الجمعة-.
15- وسمعت ولده الإمام الورع أبا محمد عبد الله بن محمد يقول: كان والدي إذا عبر في الدير يقف على باب بيت فلان وباب بيت فلان -يعني الذين ماتوا من مدة- فيسترجع.
قلت: وإنما يفعل ذلك للحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم :
((ما من مسلم يصاب بمصيبة، فيذكر مصيبته وإن قدم عهدها فيحدث عندها استرجاعا إلا أعطاه الله عز وجل مثل أجر مصيبته يوم أصيب بها)).
صفحہ 216
ذكر ذكائه واشتغاله:
16- سمعت خالي الإمام العالم موفق الدين يقول: لما قدمنا من أرض بيت المقدس كنا نتردد إلى القاضي ابن عصرون مع أخي، نسمع درسه في الخلاف ثم إننا انقطعنا عنه لأنه بعض الناس عيرنا بمضينا إليه وقالوا لنا: أنتم قد صرتم أشاعرة، قال: فلقي القاضي أخي يوما فقال له: لم انقطعت عن الاشتغال؟ فقال له أخي: قالوا إنك أشعري، فقال: ما أنا أشعري، ولكن لو اشتغلت علي سنة ما كان أحد يكون مثلك، أو قال: كنت تصير إماما أو كما قال.
وكنا يوما [في] صحبة خالي في بعض القرى حول دمشق فقال: تعالوا حتى نقرأ الخرقي، فقرأنا فيه فقال: لي اليوم سنة ما قرأته، وكان يحفظه، ويكتبه من حفظه.
وكان قد جمع الله له معرفة الفقه، والفرائض، والنحو، مع الزهد والعمل، وقضاء حوائج الناس.
وكان يقرأ القرآن بقراءة أبي عمرو، وسمعته يقرأ في بعض النوافل بقراءة نافع.
17- وسمعت أبا محمد مسعود بن أبي بكر المقدسي يقول: كنت بقرية -سماها- أصلي بهم، فرأيت شابا حسن الشباب لا يصلي، فقلت لهم: ما لهذا لا يصلي؟ فقالوا: هذا من أمراء التيامنة، قال: فاتفق أنني ذكرت له الصلاة وحرضته عليها، فقال:
صفحہ 217
أنا لا أعرف، فقلت: أنا أعرفك، وأمرته بالشهادة والغسل ففعل، وجاء فصلى ولم يقطعها بعد ذلك، قال: فتعجب أهل القرية من ذلك كثيرا، وقالوا لي: فهذا قد تزوج امرأة أخيه ولم تقض العدة، إنما تركها بعد موت أخيه عشرة أيام، فسألته: فقال: نعم، فجئت إلى الشيخ الموفق فقال: يعتزلها حتى تقضي العدة، قال: ثم إن الشيخ الموفق سأل عني، وسأل الجماعة عن هذه المسألة فكل من يقول: تحتاج إلى العدة، فقال الشيخ أبو عمر: إن كانت المرأة قد أسلمت مثله وقت إسلامه لم تحتج إلى عدة، وحكمها حكم المشركين، فقال الشيخ الموفق: هكذا هو الحكم، لأن هؤلاء القوم ليسوا بمسلمين ولا أهل كتاب، أو ما هذا معناه.
فمضيت إلى القرية فسألته عن المرأة، فقال: إنها أسلمت وقت إسلامه، فقلت: لا حاجة إلى العدة.
18- وسمعت الفقيه أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد يصف الشيخ أبا عمر بالذكاء الوافر، وأنه لو كان اشتغل كثيرا ما كان مثله أحد، أو ما هذا معناه.
وكان يحفظ من الأدعية والحكايات شيئا كثيرا جدا.
ذكر همته واهتمامه بأمور الناس والأهل:
صفحہ 218
كان الإمام خالي -رحمة الله عليه- يحمل هم الأهل والأصحاب، ومن سافر منهم يتفقد أهاليهم، ويدعو للمسافرين، ويقوم بمصالح الناس، وكان الناس يأتون إليه في الخصومات والقضايا وغير ذلك، فيصلح بينهم، ويتفقد الأشياء التي فيها نفع العام والخاص من النهر والمصانع والسقاية ومواضع حفر التراب، وكانت له هيبة في قلوب الخلق.
19- وسألت خالي موفق الدين عنه، فكتب لي بخطه وسمعته عليه: أخي وشيخنا، ربانا وعلمنا، وحرص علينا، وكان للجماعة كوالدهم، يحرص عليهم، ويقوم بمصالحهم، ومن غاب منهم عن أهله كان الشيخ قائما بهم، وكان أبي -رحمه الله- قد تخلى عن أمور الدنيا وهمومها، وكان كثير المرض، فما كان المرجع في مصالح الأهل إلا إليه، وهو الذي هاجر بنا، وهو الذي سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا من بغداد زوجنا، وبنى لنا دورنا الخارجة عن الدير، وكان مسارعا إلى الخروج في الغزوات، قل ما يتخلف عن غزاة.
20- وسمعت أبا العباس أحمد بن يونس يقول: كان للشيخ أبي عمر همة عظيمة، لما شرعوا في بناء المسجد -يعني المعروف بالمدرسة- شرع في عمل المصنع التي فيها، لم يشغله بناء المسجد عن عملها.
صفحہ 219
21- وسمعت ولده الإمام أبا محمد عبد الله: أن الشيخ جاءته امرأة يوما فشكت إليه أن أخاها حبس وأذي، فأطالت الشكوى، فسقط مغشيا عليه، وحمل إلى البيت، وذلك لرقة قلبه وشدة اهتمامه بالدير وأهله.
22- وشاهدت بخط ابن أخيه الإمام أبي الحسن أحمد بن عبيد الله بن أحمد -رحمه الله- في ذكر عمه أبي عمر: ذكر له أن الكفار حاصروا بتنين، فكان قائما فغشي عليه، يعني من شفقته على المسلمين وحزنه عليهم.
23- وحدثني أبو محمد بن يونس قال: كلمته من أجل اختلاف جماعة من أهل بلاد بيت المقدس، وأنك لو مضيت إليهم رجوت أن يصطلحوا، فقال: نمضي إليهم، قال: وسافرت معه من دمشق إلى جبل نابلس حتى أصلح بينهم.
24- وسمعت الإمام أبا أحمد محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدسي يقول: رأيت رجلا مقعدا بالدير الشرقي فسلمت عليه، وعرفته أنا، وجرى ذكر الشيخ أبي عمر فبكى، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: أبكي على من كان يتفقدني وأنا ها هنا، فقلت: كان يجيء إليك؟ فقال: نعم.
25- ولقد حدثني ( .. .. ) (¬1) أنه كان يمشي إلى دير البياتمة يتفقد المساكين فيه.
صفحہ 220
ذكر إيثاره وقلة حرصه على الأشياء لنفسه:
كان -رحمه الله- يعطي أهله ثيابه، وأقام بالجبل طول عمره، والجبل واسع، والناس يعلمون [في] الجبل مواضع، ما عرفت أنه علم موضعا إلا أن يكون فيه نفع للجماعة كلهم.
26- وسمعت ولده الإمام يقول: إنه كان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم.
وكان كثيرا من زمانه يتصدق ببعض ثيابه، ويبقى معوزا، وتكون جبته في الشتاء بغير ثوب من تحتها، يتصدق بالتحتاني ليخفى، وكثيرا من وقته بغير سراويل كذلك.
وكانت عمامته قطعة بطانة من وبر، أو قريبا منها، فإذا احتاج أحد إلى شيء من الخرق، أو مات صغيرا، قطع له قطعة من عمامته على قدر حاجتهم، ويتصدق بالثياب الجيدة، ويلبس الخشن منها، ويعطي فراشه، وينام على الحصير، وربما تصدق بالشيء وأهل بيته محتاجون إليه أكثر من حاجة من أخذه منه.
وإذا قدم من سفر ومعه شيء لأهله كان أهل بيته وجيرانه فيه سواء.
صفحہ 221
قلت: وكان يكون ثوبه إلى نصف ساقه، وكم قميصه إلى رسغه، لا يتعدى ذلك.
27- وسمعت والدي يقول: مكثنا زماننا لا يأكل أهل الدير إلا من بيت أخي، تطبخ عمتك، ويأكل الرجال جميعا، والنساء جميعا.
قلت: وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرقوه على العام والخاص، قد شاهدت ذلك أنا زمانا.
28- وسمعت الإمام بهاء الدين أبا محمد عبد الرحمن يقول: لما ماتت أمي ما كنت أنا وأخ لي وأخت إلا في بيت الشيخ أبي عمر ونفقته، فأحسن إلينا، فلم أذكر أنه انتهرني ولا أوجع لي قلبا قط.
ذكر شيء من كلامه:
29- سمعت الفقيه الإمام الزاهد أبا الثناء محمود بن همام ابن محمود الأنصاري جزاه الله خيرا بجامع دمشق يقول: سمعت الشيخ أبا عمر -رحمه الله تعالى- قال:
يقول الناس: لا علم إلا ما دخل مع صاحبه إلى ( .. .. ) (¬1) ، وأنا أقول لا علم إلا ما دخل مع صاحبه القبر.
وكان الإمام أبو الثناء يستحسن هذا القول كثيرا ويعجبه.
صفحہ 222
30- وسمعت ولده الإمام أبا محمد عبد الله يحكي عن امرأة أبيه أم عبد الرحمن أن الشيخ كان يقول لهم:
إن لم يكن معطي الصدقة يعلم أنه إلى صدقته أحوج من الفقير إليها، لم تنفعه صدقته.
قالوا: وكيف ذلك:
قال: لأنكم إذا لم تتصدقوا، لم يتصدق أحد عنكم، وأما السائل فإن لم تعطوه أنتم، أعطاه غيركم.
31- وسمعت ولده يحكي عن أم عبد الرحمن أنها قالت له: لأي شيء ما أنت زاهد؟
قال:
أنا زاهد في الحرام.
قالت: فأنت تحب الشيء الطيب.
قال: نعم ولكن ما أحصله لنفسي.
32- وسمعت من يحدث عنه قال: إذا كان الرجل يحدث بكل ما يجري بينه وبين أهله إيش الفرق بينه وبين العوام، أو ما هذا معناه.
ذكر أهله وما في معناه:
صفحہ 223
33- سمعت خالي قبل موته بسنين يقول لي: نحو عشر سنين ما احتلمت ولا أتخنت.
وسمعت أنه كان يأكل كل يوم شيئا معلوما، ثم ترك نصفه وتصدق بالنصف الباقي.
وحكي لي عن أنه كان يحب اللبن إذا صفي بمئزر، فكانوا يعملونه له، وكان يأكله، ثم وضع له بعد ذلك مرات فلم يأكله، فقيل: أو ما تحبه؟ فقال: بلى، ما أحب شيئا من المأكولات مثله، ولكن لحبي إياه تركته حتى يأكله غيري، فلم يذقه بعد ذلك.
ذكر إفادته للعلم واستفادته وتحصيله للكتب:
كان -رحمة الله عليه- يسمعنا على المشايخ، ويقرأ لنا ولغيرنا، وكانت قراءته قراءة عاجلة بغير لحن، ولا يكاد أحد يقدم من سفر قد سمع شيئا إلا قرأ عليه شيئا من مسموعاته، سواء أكان عاليا أو نازلا.
وكتب الكثير بخطه المليح من المصاحف والكتب الكبار، مثل ((الحلية)) لأبي نعيم، و((الإبانة)) لابن بطة، و((تفسير البغوي))، ((والمغني)) لأخيه الإمام موفق الدين، وغير ذلك.
34- وسمعته يقول: ربما كتبت في اليوم كراستين بالقطع الكبير، وكان يكتب لأهله المصاحف، وللناس الخرقي بغير أجر، كتب من ذلك الكثير -رحمه الله تعالى-.
صفحہ 224
35- سمعت ولده الإمام أبا محمد عبد الله بن الشيخ أبي عمر يقول: رأيت أبي في النوم كأنه في بيته، وأنا عنده ورجل آخر، فقلت لوالدي:
لا أعرف خطبك التي كنت تنشئها وتخطب بها، أشتهي أن أعرفها، فقال: لما كنت في الحياة كنت أعلمكم، ثم التفت إلى الرجل وقال له: ليس عند الله أرفع منزلة ممن يعلم الناس الخير ونحن منهم، أنا كنت أقرئ الناس القرآن. أو ما هذا معناه.
ذكر بركة كتبه ورقاعه:
36- سمعت الشيخ الزاهد العابد أبا أحمد نصر بن سليمان -المجاب الدعوة- يقول: كتب لي الشيخ أبو عمر كتابين، فكنت على أي شيء تركتهما من الأمراض يبرأ بإذن الله تعالى. أو ما في معناه.
37- وسمعت أبا العباس أحمد بن عبد الرحمن بن بلال المقدسي يقول: ما رأيت مثل كتب الشيخ أبي عمر، كنت آخذ الكتاب من وقت ما أعلقه علي تخليني الحمى.
38- وسمعت أبا محمد مسعود بن أبي بكر يقول: رأيت يوما المعتمد -يعني المتولي- بدمشق قد لقي الشيخ أبا عمر، فقال: يا شيخ، أنت تكتب إلينا رقاعا في ناس لا نريد أن نقبل فيهم شفاعة، ونشتهي أن لا نرد رقعتك. أو ما هذا معناه، فقال الشيخ: أما أنا فقد قضيت حاجتي، إني قد قضيت حاجة من قصدني، وأنتم إن أردتم أن تقبلوا رقعتي، وإلا فلا، فقال له: لا نقدر نرد رقعتك، أو كما قال.
صفحہ 225
وقد سمعت أن الناس كانوا يأتون إليه يقولون: اكتب لنا إلى فلان -يعني بعض الأمراء- فيقول: أنا لا أعرفه، فيقال: إنما نريد بركة رقعتك، فيكتب إلى ذلك، فيقبل رقعته وإن كان لا يعرفه.
وسمعت أن ميمونا القصري الأمير وكان بنابلس أو بالقدس، وكان الشيخ يكتب إليه رقاعا كثيرة -يعني شفاعات للناس- فأرسل إليه من جهة كثرة الرقاع، فقال له نحوا مما قال للمعتمد، فأرسل إليه بعد ذلك: اكتب لمن شئت فإنا لا نرد رقعتك.
ذكر بركة الطعام عند حضوره:
39- سمعت الفقيه الإمام الزاهد أبا عبد العزيز عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أحمد بأرض الجزيرة، يحدث عن أمه أم يحيى بنت إسماعيل بن أحمد قالت: لما جئنا من تلك البلاد سكنا في الدير، فعملنا ليلة في صحن فطيرة بسمن، وقلت لأبي يحيى: لو قلت لابن عمتي -تعني الشيخ أبا عمر- يجيء إلينا، قالت: فجاء فأبصر الصحن، فرأيته قد جعل أصبعه فيه، ثم غطاه وقال: ادعوا أهل الدير، فدعوناهم، فلقد أكل منه أهل الدير، وفضل ما فرقنا منه. وهذا معنى ما سمعته منه.
صفحہ 226
40- وسمعت الإمام أبا محمد عبد الله بن الشيخ أبي عمر، قال: حدثني ابن الصوري صديق والدي قال: جئنا يوما إلى والدك ونحن جياع، وكنا ثلاثة، فأخرج لنا سكرجة فيها لبن، وسكرجة فيها عسل، وكسيرات، قال: فأكلنا وشبعنا، ثم نظرت إليه، كأنه لم يتغير ولم ينقص.
ذكر فراسته وتكلمه على المغيبات وكراماته:
41- سمعت خالي الشيخ الإمام الزاهد أبا عمر -رحمه الله تعالى- يوما بعد ما صلينا الفجر خلفه، وقد ذكر الجماعة حال يونس الأبار، وكان مريضا، فقال الشيخ: إنه قد مات، فلما طلع النهار جاء الخبر أنه مات تلك الليلة بالليل.
42- وسمعت الإمام أبا عبد الله محمد بن عمر بن أبي بكر يقول: دعاني الشيخ أبو عمر ليلة وكنت أخاف من ضرر الأكل، فابتدأني وقال: إذا قرأ إنسان قبل الأكل {شهد الله أنه لا إله إلا هو}، و{لإيلاف قريش} ثم أكل فإنه لا يضره أو كما قال.
43- وسمعت أبا محمد أحمد بن يونس بن يوسف بن حسن يقول: كان لما كانت أهلي حاملا بابني محمد، أرسل الشيخ -يعني أبا عمر- امرأته إلى أهلي وقالت: قال الشيخ: قولي لبنت خالي تطيب قلبها، فإنها تلد في هذه المرة ابنا، قال: فولدت ابني محمدا، ثم قال لنا: لا تحدثوا بهذا، فإن هذا اتفاق أو كما قال.
قلت: وكان أحمد هذا أكثر أولاده بنات.
صفحہ 227
44- وسمعت الإمام أبا بكر بن أحمد بن عمر البغدادي، قال: جاء الشيخ أبو عمر مرة إلي وقال: تمضي معي إلى كفر بطنا، وكنت مشتغلا بقراءة القرآن، فقلت في نفسي أمشي معه فأشتغل عن القراءة بالحديث في الطريق، قال: فلما خرجنا من البلدة قال لي: تعال أنا وأنت نقرأ حتى لا نشتغل عن القراءة، فقرأت أنا وهو في الطريق.
45- وسمعته يقول: أرسلني بعض المشايخ من بغداد إلى الشيخ أبي عمر وقال لي: تكون عنده، فلما وصلت إليه أكرمني لما رآني، وكأنه قد عرفني فكنت أقول في نفسي: ليس معي كتاب إليه، أو ما هذا معناه.
صفحہ 228