احسن التقاسیم فی معرفت الاقالیم
أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن بفضلك يا كريم الحمد لله الذي خلق فقدر وصور فأتقن صنع البرية بلا مشير يناصره (1)، ودبرها بلا معين يعاضده (2)،، أتقنها* اى إتقان (3)، وأحكمها بلا أعوان،، أوتد الأرض بالراسيات لئلا تميد، واحاطها بالبحر كيلا يغلب ماؤها ويزيد،، وبث فيها عباده لينظر كيف يعملون فمنهم من آمن واهتدى، ومنهم من كفر وتولى،، وصلى الله على خير البرية، وأكرم الذرية،، محمد وعلى آله وصاحبه وسلم تسليما كثيرا (4) قال ابو عبد الله محمد بن احمد المقدسي اما بعد فإنه ما زالت العلماء ترغب في تصنيف الكتب لئلا تدرس (5) آثارهم، ولا تنقطع أخبارهم (6)،، فأحببت ان اتبع سننهم (7)، وأقفو سننهم،، وأقيم علما أحيى به ذكرى، ونفعا للخلق أرضى به ربى،، ووجدت العلماء قد سبقوا الى العلوم فصنفوا على الابتداء ثم تبعتهم (8) الأخلاف فشرحوا كلامهم واختصروه، فرأيت ان اقصد علما قد (9) اغفلوه، وانفرد بفن لم يذكروه،، الا على الإخلال (10) وهو ذكر الأقاليم الإسلامية وما فيها من المفاوز والبحار، والبحيرات والأنهار،، ووصف امصارها المشهورة، ومدنها المذكورة،، ومنازلها المسلوكة وطرقها المستعملة وعناصر (11) العقاقير والآلات، ومعادن الحمل والتجارات،، واختلاف أهل البلدان في كلامهم وأصواتهم وألسنتهم وألوانهم، ومذاهبهم ومكاييلهم واوزانهم،، ونقودهم
B CODEX BErolinensis. C codex Constantin opolitanus.
صفحہ 1
وصروفهم، وصفة طعامهم وشرابهم وثمارهم ومياههم،، ومعرفة مفاخرهم وعيوبهم، وما يحمل من عندهم واليهم،، وذكر مواضع الاخطار* في المغازات (1)، وعدد المنازل في المسافات (2)،، وذكر السباخ والصلاب والرمال، والتلال والسهول والجبال،، والحواوير (3) والسماق، والسمين منها والرقاق،، ومعادن السعة والخصب، ومواضع الضيق (4) والجدب،، وذكر المشاهد والمراصد والخصائص والرسوم، والممالك والخدود والمصارد (5) والجروم،، والمخاليف (6) والزموم،* والطساسيج والتخوم (7)، والصنائع والعلوم،،* والمباخس والمشاجر، والمناسك والمشاعر (7)،، وعلمت انه باب لا بد منه للمسافرين والتجار، ولا غنى (8) عنده للصالحين والأخيار،، إذ هو علم ترغب (9) فيه الملوك والكبرا (10)، وتطلبه القضاة والفقهاء، وتحبه العامة والرؤساء، وينتفع به كل مسافر (11)، ويحظى به كل تاجر (12)،، وما تم لي جمعه. الا بعد جولانى في البلدان ودخولي أقاليم الإسلام ولقائي العلماء وخدمتي الملوك ومجالستي القضاة ودرسى على الفقهاء، واختلافي الى الأدباء والقراء (13)،، وكتبة الحديث ومخالطة الزهاد والمتصوفين، وحضور مجالس* القصاص والمذكرين (14)،، مع لزوم التجارة في كل بلد، والمعاشرة مع كل أحد،، والتفطن في هذه الأسباب بفهم قوى حتى عرفتها، ومساحة الأقاليم بالفراسخ* حتى أتقنتها (15)،، ودورانى على التخوم حتى حررتها، وتنقلى (16) الى الأجناد حتى عرفتها،، وتفتيشى (17) عن المذاهب حتى علمتها (18)، وتفضنى في الألسن والألوان حتى رتبتها،، وتدبرى في الكور حتى فصلتها، وبحثى عن الاخرجة حتى أحصيتها (19)،،* مع ذوق الهوا، ووزن الما، وشدة العنا (20)،، وبذل المال، وطلب الحلال،، وترك المعصية (21) ولزوم النصح للمسلمين بالحسبة، والصبر على الذل
صفحہ 2
والغربة، والمراقبة لله (1) والخشية،، بعد ما رغبت نفسي (2) في الأجر، وطمعتها في حسن الذكر،، وخوفتها من الأتم وتجنبت الكذب والطغيان، وتحرزت بالحجج من الطعان،، ولم أودعه المجاز والمحال، ولا سمعت الا قول الثقات من الرجال،، أعاننا الله (1) على ما قصدناه، ووفقنا لما يحبه ويرضاه،،* فانا له عابدون، واليه راجعون (3)،،
مقدمات وفصول لا بد منها
اعلم انى اسست هذا الكتاب على قواعد محكمة وأسندته بدعائم قوية وتحريت جهدي الصواب، واستعنت بفهم (4) اولى الألباب،، وسألت الله* عز اسمه (5) ان يجنبنى الخطأ والزلل، ويبلغني الرجاء والأمل،،* فأعلى قواعده (6) وارصف بنيانه ما* شاهدته وعقلته، وعرفته وعلقته،، وعليه رفعت البنيان (7) وعملت الدعائم والأركان،، ومن قواعده أيضا (8) وأركانه، وما استعنت به على تبيانه (9)،، سؤال ذوى العقول من الناس، ومن لم أعرفهم بالغفلة والالتباس،، عن الكور والأعمال في الاطراف التي بعدت عنها، ولم يتقدر لي الوصول اليها،، فما وقع عليه اتفاقهم اثبته، وما اختلفوا فيه نبذته،، وما لم يكن لي بد (10) من الوصول اليه والوقوف عليه قصدته وما لم يقر في قلبي ولم يقبله عقلي أسندته الى الذي ذكره* أو قلت زعموا (11) وشحنته بفصول وجدتها في خزائن الملوك* وكل من سبقنا الى هذا العلم لم يسلك الطريق التي قصدتها (12) ولا طلب الفوائد التي أردتها اما ابو عبد الله الجيهانى فإنه (13) كان وزير أمير خراسان وكان صاحب فلسفة ونجوم وهيئة (14) فجمع الغرباء وسألهم عن الممالك ودخلها
. Apud Hadji- Khalifa, V, p. 015 omittitur vocabulum
صفحہ 3
وكيف المسالك اليها وارتفاع الخنس (1) منها وقيام الظل فيها ليتوصل بذلك الى فتوح البلدان ويعرف دخلها ويستقيم له علم (2) النجوم. ودوران الفلك ألا* ترى كيف (3) جعل العالم سبعة أقاليم وجعل لكل إقليم كوكبا مرة يذكر النجوم والهندسة وكرة يورد (4) ما ليس للعوام* فيه فائدة (5) وتارة ينعت أصنام الهند وطورا يصف عجائب السند وحينا يفصل الخراج والرد (6) ورايته ذكر منازل مجهولة* ومراحل مهجورة (7) ولم يفصل الكور ولا رتب الأجناد (8) ولا وصف المدن* ولا استوعب ذكرها (7) بل ذكر الطرق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا مع شرح (9) ما فيها من السهول والجبال (7) والاودية والتلال والمشاجر والأنهار وبذلك (10) طال كتابه وغفل عن أكثر طرق الأجناد ووصف المدائن الجياد (11)، واما أبو زيد البلخي فإنه قصد بكتابه الأمثلة* وصورة الأرض (12) بعد ما قسمها على عشرين جزءا ثم شرح كل مثال واختصر ولم يذكر الأسباب المفيدة ولا أوضح الأمور النافعة في التفصيل والترتيب وترك كثيرا من امهات المدن فلم يذكرها وما دوخ (13) البلدان ولا وطئ الأعمال الا ترى ان صاحب خراسان استدعاه الى حضرته ليستعين به فلما بلغ جيحون كتب اليه ان كنت استدعيتنى لما بلغك من صائب رأيي فان رأيي يمنعني من عبور هذا النهر فلما قرأ كتابه امره بالخروج الى بلخ، واما ابن الفقيه الهمذاني فإنه سلك طريقة اخرى ولم يذكر الا المدائن العظمى ولم يرتب الكور والأجناد (14) وادخل في كتابه ما لا يليق به من العلوم مرة يزهد في الدنيا وتارة يرغب فيها ودفعة يبكى وحينا يضحك ويلهى، واما الجاحظ (15) وابن خرداذبه فان كتابيهما
صفحہ 4
مختصران جدا لا يحصل منهما كثير فائدة (1)، فهذا ما وقع إلينا من المصنفات في هذا الباب بعد البحث والطلب وتقليب الخزائن والكتب وقد
صفحہ 5
اجتهدنا في ان لا* نذكر شيئا قد سطروه، ولا نشرح امرا قد أوردوه (1)،، الا عند الضرورة لئلا نبخس حقوقهم، ولا نسرق من تصانيفهم،، مع انه لا يعرف فضل كتابنا هذا الا من نظر في كتبهم أو دوخ البلدان وكان من أهل العلم والفطنة* ثم انى لا أبرئ نفسي من الزلل، ولا كتابي من الخلل، ولا اسلمه من الزيادة والنقصان ولا أفلته من الطعن على (2) كل حال، وبعد فان شرحنا الأسباب التي شرطناها (3) في الخطبة يتفاوت (4) في الأقاليم ولا يتساوى لانا انما نذكر ما نعرف (5) وليس هو علم يطرد بالقياس فيتساوى، وانما يدرك بالمعاينة والخبر (6) فينهى،، وفي كتابنا هذا اختصار لفظ يدل على معان مثل قولنا لا نظير له نريد
صفحہ 6
ان ليس مثله بتة مثل معنقة (1) بيت المقدس ونيدة (2) مصر وليمو (3) البصرة وهذه أشياء لا يرى مثلها وان كانت أجناسا، فان قلنا غاية فإنها تعنى (4) في الجودة من الأجناس مثل اجاس (5) العمرى بشيراز وتين الدمشقي بالرملة ومشمش العصلونى والريباس بنيسابور، فان قلنا جيد فقد يكون أجود منه ............ (6) الطائفي ونيل أريحا خير منه الزبيدى وخوخ مكة اسرى منه الدارقى، وربما اجملنا القول وتحته شرح مثل قولنا في الأهواز ليس لجامعها حرمة وذلك انه ابدا مملو بخلق من الشطار والسوقة والجهال يتعدون اليه ويجتمعون فيه ثم لا يخلو من قوم جلوس والناس في الفريضة وهو بيت الشحاذين ومركز للفاسقين، وكقولنا ولا أعز من أهل بيت المقدس لأنك لا ترى بها بخسا ولا تطفيفا ولا شربا ظاهرا ولا سكران ولا بها دور فسق سرا ولا اعلانا مع تعبد وإخلاص ولقد بلغهم ان الأمير يشرب فتسوروا عليه داره وفرقوا أهل مجلسه، ومثل قولنا في شيراز لا مقدار لأهل الطيالسة بها وذلك انه لباس الشريف والوضيع والعالم والجاهل وكم قد رأيت بها من سكارى قد بعثروا بطيالسهم وسحبوها وكنت إذا استأذنت على الوزير وانا مطيلس حجبت الا إذا عرفت وإذا أتيت بدراعة أذن لي، وربما ذكرنا وانثنا في ذكر بلدة واحدة فالتذكير مصروف الى مصر والتأنيث الى قصبة ومدينة مع ان أهل الأدب قد أجازوا ذلك فيما ليس له روح، والبلد يعم المصر والقصبة والرستاق والكورة والناحية وإذا وصفنا قصبة في كورتها ذكرناها باسمها مثل الفسطاط ونموجكث (7) واليهودية وان ذكرناها في موضع اخر ذكرناها باسمها المعروف عند الناس فقلنا مصر (8) بخارا أصبهان، وكلما قلنا المشرق فهي دولة آل سامان فان قلنا الشرق أردنا أيضا فارس (9) وكرمان والسند فان قلنا المغرب فهو الإقليم فان قلنا الغرب تبع ذلك مصر والشام* وقد اودعناه
صفحہ 7
شيئا من الغوامض والمعاني ليجل ويقل واوردنا فيه الحجج توثقا* والحكايات تحققا والسجع تظرفا والاخبار تبركا وبسطنا أكثره ليقف عليه العوام إذا تأملوه ورتبناه على طرق الفقه ليجل عند العلماء إذا تدبروه وذكرنا الاختلافات تبحرا والنكت تحرزا وطولناه (1) بوصف المدن لمعان شتى وذكرنا الشؤون لفوائد لا تخفى وأوضحنا الطرق لان الحاجة اليها اشد وصورنا الأقاليم لان المعرفة بها اروج (2) وفصلنا الكور لان ذلك أصوب، وقد استخرنا الله تعالى قبل (3) جمعه وسألناه التوفيق والمعونة بعد ما استشرنا صدور الزمان والأئمة وحملنا محضره الى القاضي المختار عالم خراسان وأوفر قضاة الزمان (4) فكل أشار به وقبله وبعث على إحضاره (5) ومدحه (6)* وقد ذكرنا ما رأيناه وحكينا ما سمعناه (7) فما صح عندنا بالمعاينة واخبار التواتر أرسلنا به القول وما شككنا فيه أو كان من طريق الآحاد اسندناه (8) الى الذي منه سمعناه (9)، ولم نذكر في كتابنا الا صدرا مشهورا أو عالما مذكورا* أو سلطانا (10) جليلا* الا عند ضرورة أو خلال حكاية ولو قارة (11) ذلك ان نسميه رجلا ونذكر محله لئلا يدخل في جملة الاجلة (12)، واعلم. انى (13) مع هذه الوثائق والشروط (14) لم أظهره حتى بلغت الأربعين، ووطئت جميع (15) الأقاليم
صفحہ 8
وخدمت أهل العلم والدين (1)،، واتقف وفاء (2) ذلك بمصر فارس في دولة أمير المؤمنين ابى بكر عبد الكريم الطائع لله* وعلى المغرب ابو منصور نزار العزيز بالله أمير المؤمنين سنة 375 (3)* ولم نذكر الا مملكة الإسلام حسب* ولم نتكلف ممالك (4) الكفار لأنها لم ندخلها ولم نر فائدة في ذكرها بلى قد ذكرنا مواضع المسلمين منها (5)، وقد قسمناها اربعة عشر إقليما وأفردنا أقاليم العجم (6) عن أقاليم العرب ثم فصلنا كور كل إقليم* ونصبنا امصارها (7) وذكرنا قصباتها ورتبنا مدنها واجنادها بعد ما مثلناها ورسمنا حدودها وخططها وحررنا طرقها المعروفة (8) بالحمرة وجعلنا رمالها الذهبية (9) بالصفرة وبحارها المالحة بالخضرة وأنهارها المعروفة بالزرقة وجبالها المشهورة بالغبرة (10) ليقرب الوصف الى الافهام، ويقف عليه الخاص والعام (11)،، والأقاليم العربية جزيرة العرب ثم العراق ثم اقور (12) ثم الشام ثم مصر ثم المغرب وأقاليم العجم أولها المشرق ثم الديلم ثم الرحاب (13) ثم الجبال ثم
صفحہ 9
خوزستان ثم فارس ثم كرمان ثم السند،* وبين أقاليم (1) العرب بادية ووسط أقاليم الأعاجم (2) مفازة لا بد من افرادهما والاستقصاء في وصفهما لشدة الحاجة اليهما وكثرة الطرق فيهما، واما البحار والأنهار فقد أفردنا لهما* بابا كافيا لشدة الحاجة اليه والأشكال فيه (3)*
ذكر البحار والأنهار
اعلم انا لم نر في الإسلام الا بحرين حسب (4) أحدهما يخرج من نحو مشارق الشتاء بين بلد الصين وبلد (5) السودان فإذا بلغ مملكة الإسلام (6) دار على جزيرة العرب* كما مثلناه (7) وله خلجان كثيرة وشعب عدة وقد اختلف الناس في وصفه والمصورون (8) في تمثيله فمنهم من جعله* شبه طيلسان يدور ببلد الصين والحبشة وطرف بالقلزم وطرف بعبادان وابو زيد جعله شبه طير منقاره بالقلزم ولم يذكر شعبة ويلة وعنقه بالعراق وذنبه بين حبشة والصين ورايته ممثلا على ورقة في خزانة أمير خراسان وعلى كرباسة عند ابى القاسم ابن الانماطى بنيسابور وفي خزانة عضد الدولة والصاحب وإذا كل مثال يخالف الآخر وإذا في بعضهن خلجان وشعب لا أعرفها (9) واما انا فسرت فيه نحو ألفي (10) فرسخ ودرت على الجزيرة كلها من (11) القلزم الى عبادان سوى ما توهت (12) بنا المراكب الى جزائره ولججه وصاحبت مشايخ (13) فيه ولدوا ونشؤا من ربانيين واشاتمة (14) ورياضيين ووكلاء وتجار ورايتهم من أبصر الناس به وبمراسيه وارياحه وجزائره فسألتهم عنه وعن أسبابه وحدوده ورأيت معهم دفاتر في ذلك يتدارسونها ويعولون عليها ويعملون بما فيها فعلقت من
صفحہ 10
ذلك* صدرا صالحا (1) بعد ما ميزت وتدبرت ثم قابلته بالصور التي ذكرت وبينا انا يوما (2) جالس مع ابى علي بن حازم* انظر في البحر ونحن (3) بساحل عدن إذ قال لي ما لي أراك متفكرا قلت أيد الله الشيخ قد* حار عقلي (4) في هذا البحر لكثرة الاختلاف فيه والشيخ اليوم من اعلم الناس به لانه امام التجار ومراكبه ابدا تسافر الى اقاصيه فان رأى ان يصفه لي صفة اعتمد عليها (5) وارجع من الشك اليها فعل (3) فقال على* الخبير بها سقطت (6) ثم مسح الرمل بكفه ورسم* البحر عليه (7) لا طيلسان ولا طير* وجعل له معارج (8) متلسنة وشعبا عدة (9) ثم قال هذه (10) صفة هذا البحر (11) لا صورة له غيرها، وانا أصوره ساذجا وأدع الشعب والخلجان الا شعبة ويلة لشهرتها وشدة الحاجة الى معرفتها وكثرة الاسفار فيها وأدع ما اختلفوا فيه وارسم ما اتفقوا عليه وعلى الأحوال كلها لا شك انه يدور على ثلاثة أرباع جزيرة العرب وان له لسانين كما ذكرنا (12) من نحو مصر يفترقان على طرف الحجاز بموضع يسمى فاران (13) وعظم هذا البحر وامتناعه بين عدن وعمان حتى يصير اتساعه نحو ستمائة فرسخ ثم يصير لسان الى عبادان، ومواضع (14) الخوف في المملكة جبيلان (15) موضع غرق فرعون وهي لجة القلزم وفيها تسير المراكب في العراض لترجع من البر الغامر الى البر العامر ثم فاران وهو موضع تهب فيه الرياح من مصر والشام فتتحاذيان (16) وفيه هلاك المراكب ومن رسمهم ان يبعثوا رجالا يرقبون الريح فإذا سكنت الرياح أو غلبت التي هم من نحوها ساروا والا
صفحہ 11
أقاموا المدة الطويلة الى وقت الفرج ثم مرسى الحوراء (1) كثير العرى تغتر (2) فيه المراكب عند دخوله، ومن القلزم الى الجار عرى صعبة من أجلها لا يسيرون الا بالنهار والربان على الجخوار (3) منكب يطلع في البحر فإذا ظهرت عراة صلح يمينا وشمالا وقد رتب صبيان يصرخان بذلك وصاحب السكان بيده حبلان يجذبهما يمينا وشمالا إذا سمع النداء وان غفلوا عن ذلك صدم العرى المركب فاعطبته (4) ثم عن جزيرة الصلاب مضيق يتقى فيه للمراكب ويوجل (5) فمن أخذ ذات الشمال كان في سعة (6) البحر ثم جابر (7) وهو موضع سوء يرى (8) فيه قعر البحر وذلك القصير كثيرا ما يعطب فيه (9) المراكب وعند دخول كمران خوف وشدة والمندم (10) مضيق صعب لا يسلك الا في شباب الريح وقوتها ثم يتلجلج البحر الى عمان وترى ما ذكر الله امواجا كالجبال الراسيات (11) الا انه سليم في الذهاب مخوف في الرجعة من العطب والغرق جميعا ولا بد في كل مركب من مقاتلة ونفاطين ثم مرسى عمان ردى مهلك ثم فم السبع (12) مصيق مخوف ثم الخشبات* التي تنسب الى (13) البصرة وهي الطامة الكبرى مضيق وبحر رقيق وقد نصب في البحر جذوع عليها بيوت ورتب فيها قوم يوقدون بالليل حتى يتباعد (14) عنهم المراكب من رقة تلك المواضع وسمعت شيخا يقول وقد لحقتنا ثم شدة وضرب المركب الأرض عشر مرات هذا موضع يسافر فيه أربعون مركبا فيرجع واحد، ولا أحب ان أطول هذا الأصل والا ذكرت مراسى هذا البحر والطرق فيه (15)* ولهذا البحر الصينى زيادات في وسط الشهر واطرافه (16) وفي كل يوم
صفحہ 12
وليلة (1) مرتين ومنه جزر البصرة ومدها إذا زاد دفع* دجلة فانقلبت (2) في أفواه الأنهار وسقت (3) الضياع* فإذا نقص جزر (4) الماء، وقد اختلف الناس في سببه (5) فقال قوم ملك يغمس فيه إصبعه كل يوم* فيمد فإذا رفع إصبعه جزر (6) وقال كعب الأحبار لقي الخضر ملكا فقال أخبرني عن المد والجزر فقال الملك ان الحوت يتنفس (7) فينساب الماء الى منخريه فذلك الجزر ثم* يتنفس فيخرجه من منخريه (8) فذلك المد،* وروى لنا فيه وجه آخر اذكره في إقليم العراق (9)* وفيه ضيق وعمق أحرجه (10) راس الجمجمة الى (11) الديبل ثم بعده بحر لا يدرك عمقه وفيه من الجزائر ما لا يحصى كثرة فيها (12) ملك من العرب يقال ان بها الفا وسبعمائة جزيرة تملكهن امرأة وزعم من دخل مملكتها انها تجلس لرعيتها على سرير عريانة وعليها تاج وعلى رأسها اربعة آلاف وصيفة قياما عراة (13) ثم بحر هركند وهو قاموس فيه مرنديب تكون ثمانين (14) فرسخا في مثلها فيها جبل آدم الذي اهبط فيه اسمه الرهن (15) يرى من مسيرة أيام عليه اثر قدم قد غرقت (16) نحو سبعين ذراعا والأخرى على مسيرة يوم وليلة في البحر يرى عليه كل ليلة نور وثم يوجد الياقوت (17) أجوده ما أحدره الريح (18) وفيه ريحان شبه المسك وفيها ثلاثة ملوك وثم شجر كافور لا يرى
صفحہ 13
أطول من شجرته بيضاء (1) تظل أكثر من مائتي رجل ينقر أسفلها فينساب عليه الكافور كالصمغ ثم تبطل الشجرة، تليها جزيرة الكلب فيها معادن الذهب طعامهم النارجيل بيض عراة حسان يتصل بها جزيرة الرمى (2) فيها أشجار البقم تغرس غرسا ثمرها يشبه الخرنوب مر وعروقها شفاء من سم ساعة، وجزيرة أسقوطرة كأنها صومعة في البحر المظلم وهي سد البوارج (3) ومنهم تخاف المراكب ولم تزل في هلع حتى جاوزنها (4)، وهو ابرك البحرين واحمدهما عاقبة (5)* والبحر الآخر (6) خروجه من أقصى المغرب* بين السوس الأقصى (7) والأندلس يخرج من (8) المحيط عريضا (9) ثم ينخرط ثم يعود فيعظم الى تخوم الشام وسمعت بعض مشايخ المغرب يفسر هذه الآية (10) رب المشرقين ورب المغربين قال المغربان هذان الوجهان من هذا البحر مغرب الصيف عن يمينه ومغرب الشتاء عن يساره (11) وسمعت جماعة منهم يذكرون انه يضيق في حدود طنجة حتى يكون ......... (12) واتفقوا على انه عند معابر الأندلس إذا عاينت هذا البر تراءى (13) لك البر الآخر، وذكر ابن الفقيه ان طول بحر الروم الدبورى ألفان وخمسمائة فرسخ من انطاكية الى جزائر السعادة وعرضه في مكان خمسمائة فرسخ وفي مكان مائتا (14) فرسخ، فما كان من ناحية (15) القبلة من طرسوس الى
صفحہ 14
دمياط ثم الى* السوس كلهم مسلمون (1) وما كان من الجهة الأخرى* يعنى يسار البحر فنصارى (2)، وفيه ثلاث جزائر عامرة آهلة اصقلية تقابل المغرب واقريطش تقابل مصر وقبرص تقابل الشام وله خلجان (3) معروفة وعلى حافته بلدان كثيرة وثغور جليلة ورباطات فاضلة وجهة منه على تخوم الروم الى حدود الأندلس والغالب عليه الروم وهو مخوف منهم جدا وهم وأهل اصقلية (4) والأندلس أخبر الناس به وحدوده وخلجانه لانهم يسافرون فيه ويغزون من هو يليهم (5) وفيه طرقهم الى مصر والشام وقد ركبت معهم المدة الطويلة ابدا أسائلهم عنه وعن أسبابه واعرض عليهم ما سمعت فيه فقل ما رايتهم يختلفون فيه وهو بحر صعب هائج تسمع له ابدا جلبة خاصة (6) ليالي الجمع، أخبرنا الفقيه ابو الطيب* عبد الله بن محمد الجلال (7) بالري قال حدثنا احمد بن محمد بن يزيد (8) الأستراباذي قال حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا ابو سلمة قال حدثنا سعيد بن زيد (8) قال حدثنا ابن يسار (8) عن عبد الله بن عمرو قال ان الله لما (9) خلق بحر الشام اوحى اليه انى خلقتك وانى حامل فيك. عبادا لي (10) يبتغون من فضلي يسبحوننى ويقدسوننى ويكبروننى ويهللوننى (11) فكيف أنت صانع بهم قال رب إذا أغرقهم قال اذهب فقد لعنتك وسأقل حليتك وصيدك واوحى الى بحر العراق مثل ذلك فقال رب إذا احملهم
صفحہ 15
على ظهري فإذا سبحوك سبحتك معهم* وإذا قدسوك قدستك معهم (1) وإذا كبروك كبرتك معهم قال اذهب فقد باركت فيك سأكثر حليتك (2) وصيدك، وهذا دليل على ان ليس الا بحران (3)* ولا أدرى هذان البحران* يقلبان في المحيط أم يخرجان منه (4) وقرأت في بعض الكتب انهما يخرجان منه وهما الى القلب فيه أقرب (5) لانك إذا خرجت من فرغانة لا تزال تنحدر الى مصر ثم الى أقصى المغرب وأهل العراق يسمون العجم أهل فوق وأهل الغرب (6) أهل أسفل فهذا يؤيد ما ذهبنا اليه ويدل على انها انهار اجتمعت فصبت في المحيط والله اعلم، وجعل ابو زيد البحار ثلاثة زاد المحيط ولم ندخله نحن في الجملة لانه كما يقال مستدير بالعالم كالحلقة لا يعرف له غاية ولا نهاية، واما الجيهانى فإنه جعلها خمسة زاد بحر الخزر وخليج القسطنطينية ونحن اقتصرنا على ما انبأ الله في كتابه حيث يقول (7) مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان والبرزخ من الفرما الى القلزم مسيرة ثلاثة أيام، فان قيل انما أراد الله تعالى بالبحرين العذب والمالح لأنهما (8) لا يختلطان كما قال (9) وهو الذي مرج البحرين الآية فالجواب ان اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان من الحلو والله (9) يقول منهما ولا خلاف بين* أهل العلم (10) ان اللؤلؤ يخرج من الصينى (11) والمرجان من الرومى* فعرفنا انه انما أراد (12) هذين البحرين، فان قيل البحار سبعة لان الله* قال عز وجل (13) ولو أن ما في
صفحہ 16
الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر (1) وزاد المقلوبة والخوارزمية فالجواب لم يقل الله* تعالى ان (2) البحار سبعة وانما ذكر بحر العرب (3) وقال ولو ان سبعة مثله جعلت أيضا مدادا كما قال (4) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه مع (5) انه يجب بهذا الدعوى ان تكون ثمانية وأيضا فانا نلتزم هذا السؤال* وننتصب فيه (6) فنقول ان البحر هو بحر الحجاز والسبعة بحر القلزم وبحر اليمن وبحر عمان وبحر مكران وبحر كرمان وبحر فارس وبحر هجر فهذه ثمانية كما نطقت الآية فان قيل يلزمك بهذا التأويل ان تكون أكثر من عشرة لأنك تركت بحر الصين وبحر الهند وبحر الزنج فالجواب من وجهين أحدهما ان الله تعالى خاطب العرب بما يعرفونه ويعاينونه ليوكد (7) عليهم الحجة وما كانت أسفارهم الا في هذه البحار الا ترى ان هذا (8) البحر بهذه الأسامي يدور على دبار العرب من القلزم الى عبادان والوجه الآخر لا ننكر ان يكون البحار كثيرة وذكر الله تعالى منها (8) في هذه الآية ثمانية فان قيل هذا يرجع عليك ويلزمك* ان البحار تجوز (9) ان تكون سبعة وانما ذكر الله منها* في تلك الآية (8) بحرين فالجواب هذا لا يشبه ذلك لان الله تعالى قال في تلك مرج البحرين يلتقيان فاشار الى بحرين معهودين والالف واللام إذا لم يكونا للجنس فانما هما للتعريف وقال في هذه يمده من بعده سبعة أبحر ولم يدخل فيه حرف (10) التعريف فيجوز ان يكون أراد به سبعة من جماعة كما قال (11) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما (8) وأيام الله كثيرة وقال في آية اخرى (12) وعلى الثلاثة الذين خلفوا فلا يجوز بان (13) يقال انهم كانوا أكثر فان قيل لما (14) وقع الاختلاف في تفسير هذه الآية ورأينا بحر الصين لا يلقى (15) الرومى سقط الاحتجاج بها وسلمت لنا الآية الأخرى* فوجب ان تكون البحار سبعة (16) فالجواب
صفحہ 17
قد ارتفع الاختلاف بقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان واما الالتقاء فحدثني جماعة من مشايخ مصر ان النيل كان يفيض في بحر الصين الى قريب (1) فان قيل تأويلك يوجب التناقض لان فيه انهما يلتقيان وان بينهما على ما ذكرت ثلاثة أيام وحاشى كتاب الله من التناقض وما تأولناه مستقيم لان التقاءهما جريان الحلو فوق المالح والبرزخ المنع من اختلاطهما فالجواب تأويلنا أيضا مستقيم لان أعطينا كل معنى حقه فقلنا الالتقاء ما ذكرناه من صب النيل في الصينى وطرف النيل اليوم يفيض في الرومى فبالنيل التقيا ويقال ان ام موسى عم انما طرحت تابوته في بحر القلزم فخرج في النيل الى مصر مع ان الالتقاء غير الاجتماع لان الملتقيين يكون بينهما فصل (2) ومسافة وما ذهبوا اليه يسمى اختلاء لا التقاء، فان قيل لم جعلت بحار الأعاجم من السبعة بعد ما قلت ان الله خاطبهم بما يعرفونه فالجواب فيه من وجهين أحدهما ان العرب قد كانت تسافر الى فارس الا ترى ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال انى تعلمت العدل من كسرى وذكر خشيته وسيرته والآخر ان من سار الى هجر وعبادان لا بد له من بحر فارس وكرمان وتيز (3) مكران أولا ترى الى كثير من الناس يسمونه الى حدود اليمن بحر فارس وان أكثر صناع المراكب وملاحيها فرس وهو من عمان الى عبادان قليل العرض لا يجهل المسافر فيه جهته فان قيل فهلا قلت هذا في بحر القلزم الى موضع الاتساع فالجواب قد قلنا ان من القلزم الى عيذاب وما وراءها مفاوز خالية لم يسمع ان
صفحہ 18
هذا البحر ينسب الى شيء منها مع انا قد انفصلنا عن هذا في بعض الجوابات، فان قيل كيف يجوز ان تجعل بحرا واحدا ثمانية أبحر فالجواب ان هذا مشهور عند كل من ركب البحر الا ترى كيف سمى الله بحر الروم بحرين حيث يقول (1) وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا فلما بلغا مجمع بينهما الآية وكان هذا كله بسواحل الشام واعلام ذلك ظاهرة وصخرة موسى ثم بينة، فان قيل فلم لا قلت ان معنى قوله مرج البحرين هو بحر واحد أيضا فالجواب هذا لا يجوز لان الله تعالى قال بينهما برزخ والبرزخ حاجر مع انا نقول لهذا المخالف ان كان الأمر على ما تزعم فأرنا ثمانية بحار في الإسلام فان ذكر المحيط قيل له ذلك على تخوم العالم بغير نهاية تعرف وان ذكر القسطنطيني قيل ذاك خليج من الرومى يخرج خلف اصقلية الا ترى انهم ابدا يغزون فيه فان ذكر الخزرى قيل له تلك بحيرة الا ترى ان أكثر الناس يسمونها بحيرة طبرستان أو لم تر الى قرب اطرافها فان قال المقلوبة والخوارزمية قيل له من جعل هاتين من هذه الجملة لزمه ان يجعل بحيرات الرحاب وفارس وتركستان فيجاوز العشرين فان أنصف رجع الى قولنا والله اعلم* واما الأنهار الفائضة في المملكة (2) فالمشهور منها فيها رأيت وميزت اثنا عشر دجلة والفرات والنيل وجيحون ونهر الشاش وسيحان وجيحان وبردان ومهران ونهر الرس (3) ونهر الملك ونهر الأهواز يجرى فيها (4) السفن ودونها خمسة عشر اخرى نهر المروين ونهر هراة ونهر سجستان ونهر بلخ ونهر الصغد (5) وطيفورى وزندرود ونهر العباس وبردي (6) ونهر الاردن والمقلوب (7) ونهر انطاكية ونهر ارجان
صفحہ 19
ونهر شيرين (1) ونهر سمندر (2) ثم ما بعدهن صغار نذكر بعضهن في الأقاليم مثل نهر طاب والنهروان والزاب (3) ونظائرهن* فاما دجلة فإنها عين تخرج من تحت رباط ذي القرنين عند باب الظلمات* باقليم أقور (4) فوق الموصل ثم يلقاها عدة انهار* منها الزاب الى ان يلقاها الفرات وشعب النهروان ببغداد (5) واما الفرات فإنه يخرج (6) من بلد الروم (7) ثم يتقوس (8) على إقليم اقور* ويتشعب اليه الخابور ثم يدخل العراق ويتبطح خلف الكوفة ويلقى دجلة منه اربع شعب (9)* واما النيل فمخرجه من بلد النوبة* ثم يشق إقليم مصر فيتشعب خلف الفسطاط فنهر يفيض بالإسكندرية ونهر بدمياط، وذكر الجيهانى انه يخرج من جبل القمر ثم ينصب في بحيرتين خلف خط الاستواء ويطيف بأرض النوبة وقال غيره لا يعرف له أول ولا يدرى أحد من اين يقبل (10)،
صفحہ 20