وكان ابن طولون أثناء الانتظار مطرقا، يفكر فيما سمعه ويتمنى أن يصح قول النوبي في سعيد؛ لأنه كان شديد الحرص على تنفيذ مشروعه، وإذا بالحاجب يقول: «إن السجين النصراني بالباب.»
فقال الأمير: «أدخلوه.»
فدخل سعيد وقد تغيرت سحنته فطال شعره وتبعثر على وجهه وقد أضنته فرقة الشمس وملازمة السجن، فتأثر زكريا من حاله وصار يرتعش لشدة قلقه وخوفه أن يعجز عما يندب إليه . أما سعيد فدخل ولم ينتبه لزكريا، وإنما كان همه أن يجيب الدعوة، فوقف متأدبا فقال له ابن طولون: «كيف ترى نفسك؟»
قال: «أراني كما كنت.»
قال: «لا يسلم أحد من الخطأ.» فقال: «ولكنني لم أسأل عن خطأي لأتحققه أو أتبرأ منه، وإنما تعجل سيدي في عقابي بلا سؤال.»
قال: «ألا تعد قصرية الجير ووقوعي عن جوادي بسببها ذنبا؟ على أني لم أدعك لهذا، وإنما أردت أن أسألك في أمر، فإذا كنت مهندسا ماهرا وأخرجته لي اغتفرت لك ما سلف.»
قال: «ما هو يا سيدي؟»
قال: «عزمت على بناء جامع كبير على جبل يشكر في أطراف القطائع، وأشترط ألا يكون فيه أعمدة، فهل تستطيع بناءه على هذا الشرط؟»
فأطرق سعيد وأخذ يفكر وتناول خيزرانة كانت ملقاة بجانب الحائط، وأخذ يمررها على البساط كأنه يرسم بها خطوطا ومربعات وابن طولون يراعيه وقلب زكريا يخفق خوفا من الفشل. وأخيرا رفع سعيد رأسه وقال: «إني أفعل ما أمر به مولاي، ولكنني أستأذنه في أن يكون للجامع عمودان فقط هما عمودا القبلة.»
قال: «عمودان فقط؟»
نامعلوم صفحہ