فلم تفهم مراده، ولم تشأ أن تستوضحه، فسكتت فقال وهو يدنو منها: «ألا تزالين مستسلمة إلى الحياء مني؟ ألم تفهمي حقيقة أمري؟»
فلما كلمها عن قرب فاحت رائحة الخمر من فيه، فتباعدت عنه وأظهرت النفور فحسبها تداعبه فقال: «ما بالك تهربين مني وأنا لم أزد على التكلم معك، فكيف إذا فعلت غير ذلك؟»
فقالت: «إنما هربت من رائحة الخمر؛ فإني لا أطيقها.»
قال: «يا للعجب! هكذا تنفرين من رائحتها. ينبغي لك أن تعتادينها وإلا فيكون عيشنا منغصا.»
فلم تزد عن هز كتفيها وهي تنظر إلى النوتية وهم يشتغلون برفع المرساة وحل الشراع وإدارة الدهبية للإقلاع وسمع إسطفانوس خطوات مرقس فنهض لاستقباله وهو يقول: «أحس بالدهبية تدول بنا هل أقلع الربان؟»
قال: «نعم إننا ذاهبون إلى الفسطاط.» ثم وجه خطابه إلى دميانة فقال: «أرجو أن تكوني سررت بهذا الاحتفال والفضل في ذلك لصديقي إسطفانوس فإنه - والحق يقال - لم يدخر وسعا في سبيل راحتنا. فأقدرنا الله على مكافأته.»
فسكتت هنيهة، ثم قالت: «إلى أين نحن مقلعون يا أبتاه؟»
قال: «إننا ذاهبون إلى مدينة الفسطاط نقضي فيها أياما، أظنك لا تعرفينها.»
قالت: «كنت أحسبك راجعا بنا إلى بيتنا.»
قال: «أراك شديدة الحرص على غرفتك وكنبك وأيقوناتك. وأنت إلى هذا اليوم لم تخرجي من طاء النمل ولا شاهدت شيئا من مدائن مصر. إن الفسطاط مقر الوالي وأجناده المسلمين وفيها من الأبهة والزخارف ما لا تجدين مثله في القرى.»
نامعلوم صفحہ