قال: «حديثي غريب، ولكنه قديم وقد كدت أنساه.»
قالت: «ألا تقصه علي، فيساعد على تقصير الطريق؟» •••
قال سمعان: «سأقص عليك حديثي؛ عسى أن يسليك. لقد نشأت مع أخ أصغر مني في بلاط ملك النوبة جد هذا الذي رأيته بالأمس، وكنا في رغد وهناء لا هم لنا غير الأكل والشرب واللعب، وجعلنا الملك من خاصة خصيانه. وكنا غلامين يافعين عندما أتي إلى هذه البلاد خليفة المسلمين الذي يسمونه عبد الله المأمون لأمر اقتضى ذلك، وتبودلت الرسائل بينه وبين ملكنا؛ فقد كان ملكنا يشكو من جور صاحب مصر في تحصيل الخراج، فاغتنم مجيء الخليفة وتقرب إليه بالهدايا من العاج والريش والرقيق، وأرسلني أنا وأخي في جملة الهدية، فجيء بنا إلى هذه المدينة «الفسطاط» فقبل المأمون الهدية، وفرق بعضها في رجاله وأطلق بعض الأرقاء وأنا منهم، وكنت أحسبه يطلق أخي معي أو يأخذنا جميعا؛ لأني كنت مولعا بأخي، لكنه لم يفعل، فبكيت كثيرا وبعد قليل علمت أن المأمون ذهب إلى الأرياف، وأنه أخذ أخي معه ثم علمت أنه عاد إلى بغداد، فشق علي ذلك ورجعت إلى الملك وأقمت في خدمته. وما زالت تنقبض نفسي كلما سمعت اسم الفسطاط، فما بالك إذا رأيتها؟»
فقالت: «يحق لك أن تحزن على فقد أخيك. ما اسمه يا سمعان؟»
قال: «اسمه إبراهيم؟»
وهمت بأن تستزيده إيضاحا فإذا به ينظر إلى الأهرام متفرسا وقد تغيرت سحنته، فرأت القافلة قد تبعثرت، وأحاط شرذمة من الفرسان علمت من ألبستهم أنهم من الجند، فقالت: «ويلاه ... سطا الجند على القافلة.»
فقال سمعان: «قبحهم الله، سطوا عليها وسلبوها، وهل جعل الجند لحماية الناس أو لسلبهم؟ إني أراهم يسوقون الرجال والأحمال جميعا، والأجدر بنا أن نلتجئ إلى مكان نختبئ فيه؛ لئلا يمسونا بسوء، ولو كنت وحدي لما تخلفت عن الرفاق، ولكنني أوثر حمايتك على كل شيء آخر.»
قال ذلك وتحول معها إلى أنقاض بناء قديم من آثار الفراعنة، فترجلا وأدخلا الجملين في مخبأ بالقرب منه، وجلسا على بعض الأحجار ودميانة ترتعد من الخوف، فأخذ سمعان يخفف عنها ويشجعها وقال: «لا تخافي إن الجند لا يأتون إلى هنا، وهم لم يرونا ولا أظنهم يتعرضون لأي عابر سبيل. وبعد قليل تغرب الشمس ويخيم الظلام، فنخرج خلسة إلى هنا وراء الأهرام، وننزل الجيزة فنبيت في خان هناك، ونذهب في الغد إلى الفسطاط.»
قالت: «أخاف أن يلقانا أحد من هؤلاء.»
قال: «لا تخافي، نتجسس الطريق قبل السير، فإذا رأينا أحدا اختبأنا.»
نامعلوم صفحہ