فأطرق أبو حرملة عجبا، ثم قال: «حسنا، ومتى تصنعين هذا الدهان؟ ومتى نجربه؟»
قالت: «غدا - إن شاء الله .»
فنهض وهو لا يصدق ما يسمعه، وقال: «لنصبرن إلى الغد، إني منصرف الساعة، فاصنعي العقار وفي الغد نجربه، فإذا صح قولك فلك ما تريدين.»
قالت: «لا أريد غير إخلاء سبيلي، وإرجاعي إلى أهلي.»
قال: «حسنا.» وخرج توا إلى فسطاطه.
فلما خرج من عندها تنفست الصعداء، وأخذت في إعداد العقار، فجعلته مزيجا من الأطياب التي بين يديها وأضافت إليها أشياء أخرى حتى صار كالشحم ووضعته في قدح وباتت ليلها مضطربة لهول ما هي مقدمة عليه، ولكن إيمانها كان قويا.
وفي اليوم التالي جاءتها القهرمانة، فرأتها تصلي، فأتتها بالطعام فأكلت قليلا. ثم جاء سمعان النوبي الترجمان موفدا من أبي حرملة في طلب دميانة. فأرسلتها القهرمانة معه، فلما رأته ارتاحت إلى رؤيته وابتسمت ابتسامة حزين يائس، فأثر منظرها في نفسه، وقال لها: «أرجو أن تكوني قد غيرت رأيك في أميرنا.»
فتنهدت وأرسلت دمعتين انحدرتا على خديها وهي مطرقة تمشي وراءه، حتى بلغت خيمة الأمير وقد خبأت قدح الدهان في جيبها، فأمر أبو حرملة بإدخالها عليه وحدها، فدخلت وأراد سمعان أن يدخل معها فأشار إليه الحاجب أن يبقى خارجا، فمكث وهو يتعجب من تلك الخلوة مع حاجة الأمير إليه. •••
كان أبو حرملة حينما دخلت عليه دميانة جالسا على متكأ وقد مد رجليه، وهما حافيتان، ووضع على رأسه عمامة صغيرة وبيده خيزرانة يلهى بها، فمشت حتى توسطت الخيمة ووقفت، فأشار إليها أن تتقدم، فتقدمت حتى اقتربت منه، فأومأ إليها أن تقعد، فقعدت، فقال لها: «ذهبت بالأمس إلى خبائك، فأطمعك ذلك في وبعث على نفورك، فأردت أن آتي بك إلى فسطاطي، لعلك تثوبين إلى رشدك، ألا تزالين خائفة؟»
فقالت: «لست خائفة يا سيدي، ولكننا اتفقنا مساء أمس على أمر أراك نسيته؟»
نامعلوم صفحہ