فنظر القسيس إليها خلسة فوجد سحنتها قد تغيرت ولونها امتقع وأبرقت عيناها. فأدرك أن ظنه لم يكن مخطئا، فأراد أن يشجعها على التصريح فقال: «وأنت ألا تعرفينه يا دميانة؟»
فلما سمعت سؤاله نزلت عن الكرسي وجثت بين يديه وأخذت تبكي وتهم بالكلام فيمنعها البكاء، فصبر حتى هدأ روعها وقال: «أظنك تحبينه. إنه شاب حميد الخصال بارع ماهر.»
فتنهدت دميانة ومسحت دموعها وقالت: «نعم يا أبتي إني أحبه. وهذا هو الأمر الذي جئت للاعتراف به وأستغفر لذنبي. لقد أحببته عفوا ومحض اتفاق يا سيدي وأنا لم أكلمه بعد وإنما كنت أراه داخلا إلى منزله أو خارجا منه وربما حياني بكلمة أو إشارة لا تتجاوز الكلمة وجوابها. ولكنني كنت أسمع بخصاله ومناقبه ومهارته في الهندسة. ولم يتفق لي أن اجتمعت به في مكان؛ لأن أبي يحجبنا عن أبي الحسن كما يحجب هذا نساءه عن رجالنا وحسنا فعل؛ فإن في ذلك دفعا للشر. وكثيرا ما حاولت البعد وغض الطرف لعلي أنسى فلم أقدر.» قالت ذلك وعادت إلى البكاء.
فقال القسيس: «أتبكين لأنك أحببت سعيدا؟ وهل الحب محرم؟»
قالت: «إنما أبكي لأني أحببت رجلا لا سبيل إليه، فإني وإن كنت لم أسع إلى حبه أحسبني أخطأت خطيئة كبيرة؛ لأني أحببته وهو مسلم.»
ففهم القسيس سر اضطرابها، فأنهضها وأجلسها على الكرسي بجانبه وهو يبتسم. فلما رأته يبتسم خف اضطرابها ولبثت تنتظر ما يقوله. فقال: «وما الذي جعلك تحسبينه مسلما؟»
قالت: «لأن اسمه سعيد ولم أعرف أحدا سمي بهذا من غير المسلمين، وقد سمعت أنه يلقب بالفرغاني، وهذا أيضا من ألقاب المسلمين وزد على ذلك أني لم أره في الكنيسة ورأيته مقيما مع أبي الحسن كأحد أولاده.»
قال: «أما اسمه فإن أبا الحسن سماه به، وليس ما يمنع تسميته سعيدا. وكذلك اللقب فإنه لقب به نسبة إلى أحد أساتذته المسلمين الذين أخذ الهندسة والرياضيات عنهم في بغداد مدينة العلم؛ لأنه سافر إليها مع أبي الحسن وتلقى العلم فيها. وقد يكون نسبة إلى قرية مصرية اسمها فرغانة. وأما الصلاة في ا لكنيسة فإنه لم يتخلف عنها إلا أثناء غيابه عن القرية في عمل أو سفر، ولعله كان يأتي متأخرا فلا ترينه».
قالت والدهشة بادية في محياها: «أليس سعيد مسلما؟»
قال: «كلا يا ابنتي إنه مسيحي مثلك.»
نامعلوم صفحہ