احمد عرابی زعیم مفتری علیہ
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
اصناف
وإذا بدا لتركيا أن تتدخل فلتستتر إنجلترا خلف فرنسا؛ لأن فرنسا هي التي تعلن أنها تمانع في تدخل الباب العالي، وأن إنجلترا لتمانع أكثر مما تمانع فرنسا حتى لا تعود مصر إلى حوزة السلطان فتضيع على إنجلترا كل آمالها، ولكنها تلقي هذه الممانعة في مهارة على عاتق فرنسا فتزداد نياتها خفاء، وتزداد في نفس الوقت قربا من غايتها.
وكان جمبتا يشير أبدا بالالتجاء إلى القوة ضد الوطنيين في مصر، ومن هنا جاءت المذكرة المشتركة، وكان يرى أن تتدخل الدولتان سريعا تدخلا عسكريا في مصر، ولكن جرانفل تباطأ وراح يبين له ما تنطوي عليه هذه السياسة من أخطار، وإنه ليخفي في نفسه ما يخفي. ولقد جاء كلام جرانفل هذا إلى جمبتا في رسالة وصلته قبل سقوط وزارته بيوم واحد، وجاء في خاتمة هذه الرسالة قوله: «إن حكومة جلالة الملكة توافق على أن للدولتين مركزا خاصا في مصر، وذلك بناء على الاتفاقات الدولية وعلى الظروف القائمة، وإنها كذلك تعتقد أنه قد تنجم بعض المتاعب من دعوة عدة دول في مسألة حكومية كهذه، ولكن حكومة جلالة الملكة تكل إلى الحكومة الفرنسية أن تنظر فيما إذا لم يكن الموقف يتطلب الاتصال بالدول الأخرى كخير وسيلة لتناول حالة من الحالات يتبين أنها ذات مساس بالفرمانات السلطانية وعلاقات مصر الدولية.»
وقد كانت السياسة الإنجليزية تدور منذ حملة بونابرت على مقاومة نفوذ فرنسا في وادي النيل، ثم الاستيلاء عليها متى أمكن ذلك، وبخاصة بعد فتح قناة السويس، دون مراعاة أي شيء في سبيل الوصول إلى هذا الغرض ...
واستفهم فرسنيه الحكومة الإنجليزية ماذا أرادته بذلك الاحتياط الذي أبلغته جمبتا بعد موافقتها على المذكرة المشتركة، فكان الجواب أن الحكومة البريطانية تحتفظ لنفسها بتعيين نوع العمل إذا لم يكن من العمل بد، وفي تقرير وجوب العمل أو عدم وجوبه على وجه العموم ...
ثم أراد جرانفل أن يخفف من وقع هذا الكلام في نفس فرسنيه، فذكر أنه ليس في مصر ما يدعو إلى القلق فإن الوزارة الجديدة تجهر برغبتها في المحافظة على تعهدات مصر الدولية، وإذا وقع ما يقتضي التدخل فإن الحكومة الإنجليزية تجعل أساس ذلك تضامن أوربا مع وجوب اشتراك السلطان في كل خطوة وفي كل مفاوضة يؤدي إليها هذا التدخل.
وفي تلك الأثناء كان كلفن ومالت يحكمان دسائسهما في البلاد ويباعدان بين الخديو ووزرائه، ولا يتوانيان في خلق الضرورة التي تقضي بالعمل!
وكانت الحكومة الإنجليزية التي تقف من فرنسا ذلك الموقف الذي أشرنا إليه تفكر في ذلك الوقت في إعداد حملتها على مصر! ففي اليوم الخامس عشر من شهر مارس، أي بعد استلام البارودي أزمة الحكم بأربعين يوما، زار مستر بلنت السير جارنت، ولسلي الذي سوف يكون عما قريب قائد الحملة على مصر، فدار بينهما الكلام عن هذا المشروع، يقول مستر بلنت: «ففي اليوم الخامس عشر من شهر مارس ذهبت لمقابلة سير جارنت ولسلي وجرت بيني وبينه محاورة تستحق أن تذكر في اهتمام، فبعد حديث قصير عن قبرص اتجه الكلام إلى مصر، وما عسى أن يكون لدى القوميين من مقاومة إذا وقع تدخل، وسألني رأيي في ذلك، فقلت إنهم بالضرورة سيحاربون، ولن يقتصر الأمر على الجند، بل سيشاركهم الناس جميعا، وربما لجأوا بعد ذلك إلى وسائل أخرى، فرفض أن يصدق أن الجيش سوف ينهض لحرب ما، فصممت على عكس ذلك وقلت له: إنهم إذا أرسلوه لقهر مصر فيجب عليه أن يسير في ستين ألفا على الأقل، وبهذا قد بالغت في تصوير المسألة بلا ريب لأني أردت أن أجعلها صعبة، بحيث إنه يجب على الحكومة أن تفكر مرتين قبل الإقدام عليها. ثم أخبرني من تلقاء نفسه أنهم شاوروه مرتين أو ثلاثا أثناء الشتاء في احتلال عاجل، وأكد لي مع ذلك أنه لا يحب التدخل، وأن القيام باحتلال مصر عمل لن يقابله الجيش بالاستحسان، وأنه هو نفسه سوف يؤسفه جدا أن يناط به هذا العمل، وأعرب لي أنه خير لمصر كثيرا أن تسرح جيشها وتعتمد على حماية أوربا، ولكني أخبرته بأني لا أستطيع أن أفصح للمصريين بذلك، وأن الأمة التي تنوي الحرب نية صادقة قلما هاجمها عدو، فقال: إنه ليس هناك ما يسمى بالشرف في الحرب، وإنه إذا كانت المسألة مسألة حرب فيجب ألا يثقوا بنا أكثر مما يثقوا بأية أمة أخرى ... ثم تكلم بعد ذلك عن الطرق الحربية المؤدية إلى القاهرة كطريق بونابرت على الضفة اليسرى للنيل، ثم طريق الصحراء بوجه خاص بين ترعة السويس والدلتا، ولقد شعرت أنه إذا ما أنزلت جنود إنجليزية في مصر فعلا فإنها ستسير في الطريق الثاني، ولكني كنت حريصا ألا أدلي إليه بما يكون فيه أقل فائدة له من المعلومات. ولم أبد إلا الضحك عندما سألني بين الجد والمزاح عما إذا كنت أرافقه لأدله على الطريق إذا ما بلغت الأمور حدا ترسل معه حملة.»
ويكفي هذا الحديث وحده للدلالة على ما كانت تبيته إنجلترا لمصر وما كانت تراوغ به فرنسا ...
وبينما كانت تدبر الدسائس لمصر في الداخل والخارج، لم يكن للوزارة المصرية من وسائل الدعاية شيء ما، فكان أعداؤها يتقولون عليها ما شاءوا وما شاءت لهم أطماعهم، حتى لقد صور زعيم الحركة الوطنية في مصر أحمد عرابي صورا بلغت أقصى حدود الغرابة، فهو تارة رئيس عصابة من المتمردين الخارجين على القانون والنظام، وهو طورا داعية إسماعيل اشتراه بالمال ليعمل على إعادته إلى مصر، وهو بالإضافة إلى هذا عند بعض الإنجليز أسباني أو فرنسي في زي مصري، إلى غير ذلك من الأقاويل التي لا ندري أنقابلها بالألم أم السخرية!
وانطلقت الصحف تذيع في الناس الأراجيف في غير حياء أو فتور، وليس لمصر لسان يدافع عنها إلا بلنت، فلقد سافر هذا الرجل الحر كيما يقابل كل من لهم صلة بالمسألة المصرية ليريهم وجه الحق في هذه القضية، وليصحح ما جاز على عقول بعض الساسة من خداع، وليكاشف الذين يدعون أنهم لا يعلمون الحق بما يعلم هو من الحق لعلهم يرجعون إليه.
نامعلوم صفحہ