احمد عرابی زعیم مفتری علیہ
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
اصناف
عارض شريف أول الأمر في قبول الوزارة، وكانت حجته في ذلك أنه بقبوله الحكم من غير قيد ولا شرط إنما يضع نفسه تحت سلطة الحزب العسكري، الأمر الذي لا يطيق أن يحمل نفسه على قبوله، ولذلك دارت بينه وبين عرابي وزملائه مفاوضات استمرت بضعة أيام تحرجت الأمور فيها حتى أوشك شريف أن يتنحى عن قبول الوزارة ...
ولكن بوارق الأمل ما لبثت أن لاحت، وكان جميلا أن تلوح من جانب ذلك الرجل الذي لا يزال نفر من المصريين حتى وقتنا هذا يرمونه بالفوضى، ويردون أسباب ما لحق مصر من ويلات إليه، فيقيمون الدليل بذلك على أنفسهم أنهم إما ذوو أغراض أو أولو جهل بحقائق الأمور معيب ...
كان جميلا أن يبرق الأمل من جانب عرابي فيخفض جناحه لشريف ويذعن لما اشترط من شروط في صدق إخلاص وعن طيب خاطر ...
دعا عرابي رجال الحزب الوطني وأعضاء مجلس شورى النواب المعطل، وعرض عليهم الأمر، وكان على رأسهم سلطان باشا، وذهب وفد من هؤلاء إلى شريف يرجون منه قبول الحكم، فعرفوا أنه يشترط ألا يتدخل الجند في شيء، وأن يرحل عرابي وعبد العال بفرقتيهما إلى مكانين يختاران لهما، وأن يترك حرا في اختيار وزرائه؛ لأن عرابيا كان يطلب إليه إعادة البارودي وإدخال مصطفى فهمي باشا في الوزارة، وكان شريف يرفض ذلك لأنهما لم يثبتا على عهدهما فدخلا وزارة رياض عقب إقالة وزارته ...
وتعهد سلطان ووفده أنهم يضمنون لشريف خضوع عرابي والحزب العسكري، وكان بين الوفد نفر من ذوي المنزلة في البلاد كأباظة والشريعي والمنشاوي والمويلحي والشمسي والوكيل، وهم أهل نفوذ وجاه يعرف شريف قيمة انضمامهم إليه ...
تسمع عرابي ما عرضه سلطان ومن معه فذهب بنفسه إلى شريف يستحثه على سرعة تأليف الوزارة ويظهر له ما يخشاه من الإبطاء، قال عرابي: «وفي يوم 14 سبتمبر سنة 1881 قابلته مرة أخرى وقلت إنه لا يمكن ترك البلاد بلا وزارة فأصر على الرفض فقلت له: إن لم تؤلف الوزارة اليوم فسنطلب غيرك ولا تظن أن ليس بالبلاد سواك ففيها بعون الله العلماء والحكماء، ولم يكن اختيارك لعدم وجود غيرك لهذا المركز ... فاغرورقت عيناه بالدموع ولم يحر جوابا، ثم خرجنا من عنده وبعد قليل جاءنا الشيخ بدراوي عاشور وكيل زراعته وقال: إن الباشا قبل ما عرضته عليه.»
وألف شريف وزارته الثالثة، وكانت هذه أولى ثمار الثورة، وقد قبل الوزيرين اللذين أشار بهما عرابي، كما قبل رجاء الحزب العسكري وهو النظر في القوانين الخاصة بالجيش، وذلك في مقابل أن يخضعوا لحكمه ويبتعدوا عن كل تدخل في شئونه.
ودعا وزير الحربية عرابيا، فأفهمه رغبة الحكومة في أن يسافر بفرقته إلى رأس الوادي، وأن يسافر عبد العال إلى دمياط، فقبل عرابي ذلك، ولكنه اشترط أن يصدر أمر الخديو بالانتخاب لمجلس شورى النواب قبل السفر، ولا ريب أن هذا الشرط من جانب عرابي خروج منه على ما أخذه على نفسه من عدم التدخل في شئون الحكومة، وهو أمر لا يسعنا إلا أن نحسبه عليه، بل نلومه عليه مهما كان ما ينطوي عليه طلبه من خير للبلاد، ومهما كان في هذا الطلب من معاني حرصه على الدستور والحياة النيابية، وبخاصة لأن على رأس الحكومة رجلا مثل شريف ...
أما عن امتثاله لأمر الحكومة بقبول السفر، فهو في ذاته على الرغم مما أحيط به من اشتراط يعد من محامد عرابي، إذ يدل على مرونة وكياسة ورغبة في التفاهم شتان بينها وبين ما يعزوه إليه خصومه وجاهلو أمره من حماقة ونزق وعنف في كل ما يطوف بهم من سيرته، كما أنه يقدم بطاعته دليلا على نبل غرضه وحسن طويته فيما سعى إليه ...
وخرج عرابي في اليوم الثامن من شهر أكتوبر بقصد السفر بفرقته إلى رأس الوادي، وذلك بعد مرور أربعة أيام على موافقة الخديو على دعوة مجلس شورى النواب، وكان قد سبقه عبد العال في السفر إلى دمياط ...
نامعلوم صفحہ