احمد عرابی زعیم مفتری علیہ
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
اصناف
فانظر إلى رد هذا الجندي في هذا الموقف الذي تخف في مثله أحلام الرجال، والذي تزدهي القوة فيه القلوب فتسلب ذوي العقول اتزان عقولهم، انظر إلى عرابي في موقف الثورة يقول له: «أقول كلمة أخرى.» فقال القنصل: «وما هي؟» قال عرابي «لا أقولها إلا عند اليأس والقنوط!»
وأخذ كوكسن يروح ويغدو بين عرابي والخديو، حتى جاءه آخر الأمر ينبئه بقبول الخديو إسقاط الوزارة القائمة، وأن سموه سينظر في بقية المطالب؛ فلابد في بعضها من مشاورة السلطان. وعرض الخديو على الجيش اسم حيدر باشا لرئاسة الوزارة القادمة ولكنهم رفضوه، وجرى على الألسن اسم شريف بطل الدستور ونصيره، فعاد كوكسن بعد حين يعلن إلى عرابي قبول الخديو تعيين شريف؛ فقوبل ذلك بالهتاف بحياة الخديو، والتمس عرابي ونفر من زملائه الإذن على الخديو، فلما مثلوا بين يديه أخذ عرابي يعبر له عن ولائه وولاء الجيش. وذكر له الخديو: «أنه وافق على تلك الطلبات بنية صافية»، ثم انصرف الجيش بعد ذلك في هدوء كل فرقة إلى مقرها ... •••
هذا هو يوم عابدين الذي عده خصوم عرابي من أكبر سيئاته، والذي نعده في غير مغالاة أكبر حسناته، وكيف يستطيع هؤلاء مهما بلغ من اضطغانهم على عرابي ورغبتهم في الإساءة إليه أن ينكروا ما ينطوي عليه هذا الموقف من معان؟! ألا أنهم ليتغافلون ليطعنوا الرجل في أجمل مواقفه وأعظم خطواته، وهم إنما ينسالون بذلك من أنفسهم دون أن ينالوا منه شيئا ...
طالب عرابي بالدستور فكان في طلبه هذا زعيم ثورة تقوم على أجل المبادئ التي شاعت في أوربا في القرن التاسع عشر والتي عدها المؤرخون والناس من أعظم خطوات البشرية صوب الرقي والكمال، فكيف يكون مع ذلك داعية فوضى واضطراب؟ ولقد كثرت في أوربا المواقف التي يشبهها في معناها ومرماها هذا الموقف فسجلتها الشعوب في ثبت مفاخرها، وعدتها من أيامها المشهودة التي تمجد كل عام ذكراها.
وتم لعرابي وأنصاره ما أرادوا ، في غير عنف يشوه حركتهم أو ينقص من جلالها كما يحدث في أشباهها من الحركات ...
لقد كان القصر أمام الجيش خلوا من أية قوة، فروعيت حرمته أحسن مراعاة، وروعي كذلك مقام الخديو، فلم يخرج أمامه هذا الجندي الثائر عن طوره، بل لقد تمالك نفسه فترجل وأدي التحية العسكرية وأغمد سيفه، ثم ذهب بعد ذلك فأعرب له عن ولائه وشكره باسم الأمة إذ أجابها إلى ما طلبت على لسانه ...
ألا إنا لنعجب بذلك ونفخر به إذ نكتبه، وما نجد من الأدلة التي نسوقها على رجولة عرابي وشهامته وبعده عما يرميه به خصومه أقوى أو أجمل من هذا الذي نشير إليه ... •••
فإذا أضفت إلى ذلك ما كان يدبر في خبث من الدسائس في ذلك الموقف الرهيب، وذكرت كيف أحبطها عرابي بمزيج من الصبر والبسالة يدعو إلى الإعجاب حقا، ازددت لا ريب إكبارا لموقفه في ذلك اليوم، ولقد كانت أية كلمة نابية أو أية إشارة يساء فهمها كفيلة بأن تسيل الدماء في تلك الساحة، قال عرابي: «لو حاول الخديو قتلي لأطلقت النار عليه.»
5
وينبغي ألا ننسى ما اتخذه عرابي من الحيطة قبل ذهابه، وذلك باتصاله بالقناصل وبالخديو، فقد كان بذلك حكيما موفقا، لا يدع مسلكه محلا لغميزة أو يهيئ سببا لملامة ...
نامعلوم صفحہ