ويقول سباعي في دهشة: مصر! وأنت ما لك وما لمصر؟
ويقول خليل في حسم: طبعا هذا موضوع لا شأن لك أنت به. - أنا من مصر، ألست كذلك؟ - سباعي اعمل معروف، يا أخي، لكل منا طريق في الحياة لا يتوازى معه ولكن يتقاطع. ولا يمكن أن أفهمك وأنت أيضا لا يمكن أن تفهمني، فدع هذا وقل لي: هل عندك مانع أن تشتري أرضي؟ - مطلقا، كم تريد في الفدان؟ - أنت الذي تسألني؟ إنني لو كنت أبيعها لغريب لجعلتك أنت الذي تبيعها عني. - وهو كذلك، اشتريت. - ادفع الثمن ولن أناقشك فيه واكتب العقد الآن.
وكتب سباعي الشيك، وكتب خليل العقد، وتمت الصفقة.
وقال سباعي: أين مفتاح شقتك؟ - في جيبي. - نم أنت إذن، وسأترك لك المفتاح على هذه المنضدة حين أعود، حتى تخرج إلى عملك ولا توقظني. - إلى أين أنت ذاهب؟ - ألم تقل إن الطريقين متقاطعان؟ - فقط أردت أن أعلم. - وأنت تعلم، ولكنك تتخابث علي. - ظننت أنك ستقضي الليلة معي نسمر؛ فإنا لا نلتقي إلا نادرا. - أنت ستنام. - ما أخبار أمي؟ - قاطعتني. - ولهذا أسألك. - ولماذا؟ - إنها قادمة لتعيش معي. - أحسن. - أتظن ذلك؟ - أصبحت لا تحتمل البلد. - لا يخرج أمي نبوية من البلد إلا ما لا تطيق. - ما دمنا اتفقنا أن الطريقين متقاطعان، ألا يحسن بنا ألا يناقش أحدنا طريق الآخر؟ - على كل حال أشكرك. - العفو، علام؟ - أنك جعلت أمي تأتي لتعيش معي. - وسأرسل لك إيجار أرضها كل سنة. - بل أظنها ستوكلني في بيع أرضها هي أيضا. - وعلام توكلك؟ اكتب وخذ العقد وخذ الشيك، ولتوقع هي العقد عندما تحب. - وهو كذلك.
وتمت الصفقة، وقال سباعي: والآن أين المفتاح؟ - هل أنت مصمم؟ - لو شفت ما أشوفه أنا حين أجيء إلى مصر لما سألتني هذا السؤال، أتظن نفسك عائشا يا دكتور؟ - علم الله أن حياتي هي الحياة، ولكن فليتقاطع الطريقان ولا نقاطع نحن، وخذ المفتاح. - ولكن تقاطع الطريقين لن يمنعك من رعاية صلاح؛ فإني سأتركه تحت إشرافك، وسجلت اسمك في المدرسة وليا لأمره. - هل رأيتني عمرك أتخلى عن واجبي؟ أنا أعرف واجبي دائما، وصلاح ابني كما هو ابنك. - أعرف ذلك. سلام عليكم.
وخرج سباعي إلى سهراته التي بدأ تاريخه معها في صحبة شعبان، والتي أصبح مجيئه إلى مصر مرتبطا بها ارتباطا يوشك أن يكون هو الوحيد. •••
حين جاءت نبوية إلى بيت خليل وأعطاها ثمن أرضها سألته: ماذا أنت صانع بأموالك؟ - سأشتري بها كمية من الأسهم. - وماذا تصنع هذه الأسهم؟ - تدر دخلا أحسن من دخل الأرض على الأقل. - إذن فاسمع، اشتر بثمن أرضي أنا أيضا كمية من الأسهم باسم أختك فاطمة وأختك عابدة واسمك، للذكر مثل حظ الأنثيين. - أنا متنازل عن نصيبي لهما. - الله يفتح عليك ويعوضني فيك عما أصابني به من أخيك. فقط أريد الريع طول حياتي. - وأنا أدفع لك قيمة الريع، واتركي أنت الريع للبنات. - أطال الله عمرك، ولكن لا، أن أعيش على نفقتك لا مانع فهذا حقي عليك، لكن مصروف يدي لا بد أن يكون من دخل مالي أنا. حين أريد أن أعطي أحدا من أولاد أختيك هدية لا بد أن تكون من مالي أنا. أعط أنت لأختيك ما تشاء لتعينهما، أما أنا فريع الأسهم يكون لي طول حياتي. - أمرك. وسيكون كذلك.
الفصل الثاني عشر
حين اقتربت الإجازة الصيفية كان سباعي في بيته بالقاهرة في إلمامة سريعة، فإذا صلاح يقول له: بابا سنأخذ الإجازة الصيفية بعد أسبوعين.
ووجم سباعي فما كان يفكر في هذه الإجازة فطالعته من حيث لا يحتسب، ودون وعي سأل ابنه: وماذا تريد أن تفعل؟ - أذهب للبلد. - وماذا تصنع في البلد؟ - أركب الحمير وألعب الكرة. إنني أريدك أن تشتري لي كرة ألعب بها مع أصحابي في البلد. - أي بلد التي تذهب إليها؟ - بلدنا، أنا أحبها جدا يا بابا. - يا بني، البلد تراب وعفار. - ولكنك تعيش فيها مع التراب والعفار. - شغلي. - رفضت في العيد وإجازة نصف السنة أن تذهب بي إلى هناك، أرجوك يا بابا، والنبي. - ألم أجئ إليكم في العيد؟ - أنت جئت نعم، ولكن البلد لم تجئ. - وكيف تريد البلد أن تجيء؟ - أذهب إليها أنا.
نامعلوم صفحہ