خمسة أشياء: أحدها: الحكم بينهم فيما تنازعوه. الثاني: الولاية على أيتامهم فيما ملكوه. الثالث: إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه. الرابع: تزويج الأيامى اللائي لَا يَتَعَيَّنُ أَوْلِيَاؤُهُنَّ، أَوْ قَدْ تَعَيَّنُوا فَعَضَلُوهُنَّ. الخامس: إيقاع الحجر على من جن منهم أوسفه، وفكه إذا أفاق أو رشد. فيصير بهذه الخمسة عام النِّقَابَةِ، فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ فِي صِحَّةِ نِقَابَتِهِ وَعَقْدِ وِلَايَتِهِ. أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، ليصح حكمه، وينفذ قضاؤه. وإذا انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ صَرْفَ الْقَاضِي عَنْ النظر في أحكامهم، أو لا يتضمن. فإذا كَانَتْ وِلَايَتُهُ مُطْلَقَةَ الْعُمُومِ، لَا تَتَضَمَّنُ صَرْفَ الْقَاضِي عَنْ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ تَقْلِيدُ النَّقِيبِ لِلنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِمْ مُوجِبًا لِصَرْفِ الْقَاضِي عَنْهَا، جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقِيبِ والقاضي الظر في أحكامهم. أما النقيب فبخصوص ولايته التي عينوا فيها. وأما القاضي فبعموم ولايته التي أوجبت دخولهم فيها. فأيهما حكم بينهم فِي تَنَازُعِهِمْ وَتَشَاجُرِهِمْ، وَفِي تَزْوِيجِ أَيَامَاهُمْ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَجَرَى أَمْرُهُمَا فِي الْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ هَذَا النَّسَبِ مَجْرَى قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ. فَأَيُّهُمَا حكم بين متنازعيه نفذ حكمه ولم يكن للآخر نقضه. فإن اخْتَلَفَ مُتَنَازِعَانِ مِنْهُمْ، فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى حُكْمِ النَّقِيبِ وَدَعَا الْآخَرُ إلَى حُكْمِ الْقَاضِي.
فَقَدْ قيل: إن الداعي إلى حكم النَّقِيبِ أَوْلَى لِخُصُوصِ وِلَايَتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فَيَكُونَانِ كَالْمُتَنَازِعِينَ فِي التَّحَاكُمِ إلَى قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ، فَيُغَلَّبُ قَوْلُ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ. فإن تساويا كانا على ما قدمناه، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيُعْمَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَرَعَ منهما. فَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَةِ النَّقِيبِ صَرْفُ الْقَاضِي عَنْ النَّظَرِ بَيْنَ أَهْلِ هَذَا النَّسَبِ، لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهِمْ، سواء استدعى إليه منهم مستدع أو لم يستدع. وَخَالَفَ ذَلِكَ حَالَ الْقَاضِيَيْنِ فِي جَانِبَيْ بَلَدٍ، إذَا اسْتَعْدَى إلَيْهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ مُسْتَعْدٍ لزمه أن يعديه على خصمه، وذلك لأن وِلَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ مَحْصُورَةٌ بِمَكَانِهِ. فَاسْتَوَى حُكْمُ الطَّارِئِ إلَيْهِ وَالْقَاطِنِ فِيهِ، لِأَنَّهُمَا يَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِهِ، وَوِلَايَةُ النِّقَابَةِ مَحْصُورَةٌ بِالنَّسَبِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ.
1 / 92