الضرب الثاني من المغصوب: ما تغلب عليه ذوو الأيدي القوية، وتصرفوا فيه تصرف المالكين بالقهر والغلبة، فهو مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَرْبَابِهِ، وَلَا يُنْتَزَعُ مِنْ أحدهم إلَّا بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ. إمَّا بِاعْتِرَافِ الْغَاصِبِ. وإما بِعِلْمِ وَالِي الْمَظَالِمِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عليه بعلمه، على اختلاف فيه. وإما ببينة الأخبار التي ينتفي عنها التواطؤ. لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا فِي الْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ كَانَ حُكْمُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بذلك أحق. السَّادِسُ: مُشَارَفَةُ الْوُقُوفِ. وَهِيَ ضَرْبَانِ: عَامَّةٌ، وَخَاصَّةٌ. أما الْعَامَّةُ فَيَبْدَأُ بِتَصَفُّحِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا متظلم، ليجريها على سبلها، ويمضيها على شروط واقفيها، إذَا عَرَفَهَا مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. إمَّا مِنْ دَوَاوِينِ الْحُكَّامِ الْمَنْدُوبِينَ لِحِرَاسَةِ الْأَحْكَامِ. وَإِمَّا مِنْ دَوَاوِينِ السَّلْطَنَةِ، عَلَى مَا جَرَى فِيهَا مِنْ مُعَامَلَةٍ، أَوْ ثَبَتَ لَهَا مِنْ ذِكْرٍ وتسمية. وإما من كتب فيها قديمة يقع في النفس صحتها، وإن لم يشهد بِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَتَعَيَّنُ الْخَصْمُ فِيهَا، فَكَانَ الحكم فيها أوسع منه من الْوُقُوفِ الْخَاصَّةِ. وَأَمَّا الْوُقُوفُ الْخَاصَّةُ، فَإِنَّ نَظَرَهُ فِيهَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَهْلِهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ فيها، لوقوفها عَلَى خُصُومٍ مُتَعَيِّنِينَ، فَيَعْمَلُ عِنْدَ التَّشَاجُرِ فِيهَا على ما تثبت به الحقوق عند الحكام.
ولا يجوز أن يرجع فيها إلَى دِيوَانِ السَّلْطَنَةِ، وَلَا إلَى مَا يَثْبُتُ مِنْ ذِكْرِهَا فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ إذَا لَمْ يشهد بها شهود معدّلون. السابع: تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة، لضعفهم عن إنفاذه، وَعَجْزِهِمْ عَنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِتَعَزُّزِهِ، وَقُوَّةِ يَدِهِ، أَوْ لِعُلُوِّ قَدْرِهِ، وَعِظَمِ خَطَرِهِ، فَيَكُونُ نَاظِرُ المظالم أقوى يد، وَأَنْفَذَ أَمْرًا، فَيُنَفِّذُ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ عليه، بِانْتِزَاعِ مَا فِي يَدِهِ، أَوْ بِإِلْزَامِهِ الْخُرُوجَ مما في ذمته. الثامن: النظر فيما عجز عنه الناظرون في الحسبة، من الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، كَالْمُجَاهَرَةِ بِمُنْكَرٍ ضَعُفَ عَنْ دَفْعِهِ، وَالتَّعَدِّي فِي طَرِيقٍ عَجَزَ عَنْ مَنْعِهِ. وَالتَّحَيُّفِ في حق لم يقدر على ردعه، فَيَأْخُذُهُمْ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِهِ. وَيَأْمُرُ بحملهم على موجبه. التَّاسِعُ: مُرَاعَاةُ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ. كَالْجُمَعِ، وَالْأَعْيَادِ، وَالْحَجِّ، والجهاد، من تقصير فيها، أو إخلال بشروطها، فإن حقوق الله تعالى أَوْلَى أَنْ تُسْتَوْفَى، وَفُرُوضَهُ أَحَقُّ أَنْ تُؤَدَّى. الْعَاشِرُ: النَّظَرُ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَالْحُكْمُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ، فَلَا يَخْرُجُ فِي النَّظَرِ بَيْنَهُمْ عَنْ
1 / 78