لَبْلَة أحدُ الثوار على الموحدين، ثم أستردها منه والي الموحدين على قرطبة وإشبيلية، واعتبر أهل ليلة كلهم عصاةً، فأوقع فيهم بالسيف، وباع نساءهم وأولادهم، وقدرت القتلى بثمانية آلاف من بينهم أعيان العلماء (١)، كالفقيه المحدث أبي جعفر بن أبي مروان.
وامتمت من نجا من القتل كالعلامة الفقيه أبي بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد الفِهري اللبلي، ثم الإِشبيلي المالكي، قال الذهبي: كان كبير الشأن، انتهت إليه رئاسة الحفظ في الفتيا، -إلى أن قال- امتحن في كائنة ليلة، وقيِّد وسجن، وكان فقيه عصره، تخرَّج به أئمة (٢).
أما عبد الحق فقد امتُحن في كتبه، فنُهب منه الكتابان المذكوران، وكانت هذه الفتنة في (١٤/ ٨/ ٥٤٩) هـ، فارتحل إلى بجاية، ويبدو أن رحيله إليها لم يكن مقصودا بادي الأمر، إذ يقول ابو جعفر بن الزبير: "وكان قد رحل عن الأندلس بنية الحج، فلم يقدر له ذلك، فأقام ببجاية (٣) " التي كانت وقتذاك قابعة في أيدي الموحدين الذين أنهوا دولة الحماديين بها سنة (٥٤٧) هـ.
وكانت بجاية في هذا الوقت تعيش أزهى عصورها العلمية، فأضحت مثابة للعلماء، ومنارة لأنواع من العلوم والمعارف، وكانت طريقًا للحجيج بسبب موقعها الفريد، فكان طلحة العلم يمرون بأبي محمد، ويأخذون عنه، بل هو نفسه كان يسعى للقاء الطلبة الوافدين إلى بجاية، فقد كان حريصًا على تبليغ
العلم، جادًا فِى نشره.
قال أبو جعفر بن الزبير: "وكان ﵀ من أهل العلم والعمل، زاهدًا فاضلًا عاكفًا على الإشتغال بالعلم جادًا في نشره، وإذاعته، حسن النية
_________
(١) انظر عصر الرابطين والموحدين: (١/ ٣٤٠) وعدَّ مؤلفه ممن قتل من العلماء أبو الحكم بن بطال وأبو عمار بن الجد، وتبعه الشيخ أبو محمد الرحمن فى الشروح والتعليقات: (١/ ٢٨)، والحق أن ابن الجد، قد توفي بعد ذلك في شوال شة (٥٨٦) هـ، انظر ما يأتي من مصادر.
(٢) التكملة لوفيات النقلة: (١/ ١٤٥) وسير أعلام البلاء: (٢١/ ١٧٧).
(٣) صلة الصلة: (٥).
1 / 24