Ahkam Ru'yat al-Hilal

Adnan Al-Arur d. Unknown

Ahkam Ru'yat al-Hilal

أحكام رؤية الهلال

اصناف

بسم الله الرحمن الرحيم من عدنان العرعور إلى جميع الأخوة الذين سألوا عن مسائل في أحكام هلال الصيام والإفطار في بلدان كثيرة، وبخاصة في الدول الغربية، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد: فالحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، فقد كثر السؤال عن موضوع هلال رمضان وأحكامه، فأردت أن أحرر جوابًا عن هذه المسألة فحوى الأسئلة: ما هو المعتمد في الصيام .. هل اعتبار الرؤية البصرية أو الحسابية؟ وماذا يفعل المسلم إذا تعارضت الرؤية مع الحساب؟ إذا اختلف أهل البلد الواحد في الصوم، فصام بعضهم وأفطر بعضهم، فمع من يصوم المسلم!؟ هل يجب توحيد صيام المسلمين، أم أن لكل بلد مطلعه؟؟ إذا ثبتت الرؤية في بلد ما، ولم تثبت في بلده، فهل يصوم من في بلد آخر معهم مخالفًا أهل بلده؟؟ ثم إذا كان الرجل في بلد، ويريد أن يسافر إلى بلد آخر، فمع من يصوم؟ وكيف يكون صومه إذا زاد شهر رمضان عليه أو نقص؟؟ قلت: إنه لمن المؤسف أن يستمر هذا الخلافات بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منذ قرون، حتى أصبح أشد من فتنة بقرة بني إسرائيل، فمن متعصب لا يسمح بسماع الرأي الآخر، ومن متساهل لا يبالي بسنة، ولا

1 / 1

يراعي قواعد فقه، وقد أجبت على ذلك بذكر قواعد واضحة كلية، لا تتعلق بمذهبية ولا بلدية، لتكون عونًا على فهم هذه المسألة وضبطها، والعمل بها في كل زمان ومكان. (١) المسألة الأولى: إثبات الإهلال بين الرؤية البصرية، والنظرة الحسابية الأصل في تحديد الشهور القمرية هو: الرؤية البصرية ... فإن رُئيَ هلال رمضان صام المسلمون، وإن رُئيَ هلال شوال أفطر المسلمون، وإن غمّ عليهم أتموا شهرهم، دون تنطع ولا جدال، وكفى الله المؤمنين شر القيل والقال، وبقرة بني إسرائيل. قال ﷺ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» (٢)، وفي رواية لمسلم: «فإن غُمّي عليكم فأكملوا العَدَد»، دون تكلّف من مراصد علمية، أو أقمار صناعية، أو حسابات معقدة. فإن رد البصرية والتكلف في المراصد والحسابات من التكلف المنهي عنه، وديننا أبسط من هذا كله. قال تعالى آمرًا رسوله ﷺ أن يقول: "وما أنا من المتكلفين" وقال ﷺ: "هلك المتنطعون" - أي المتشدون - الذين يتركون ما سهل الله إلى التشديد والتكلف. الثانية: وجوب توحيد الصيام والإفطار للأمة كلها في جميع أقطارها . وذلك؛ لأن الهلال واحد، والأرض واحدة، والمسلمون كلهم أمة واحدة. وأمرُ رسول ﷺ: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» هو خطاب للمسلمين جميعًا، دون تفريق بينهم بحدود مصطنعة، أو تقسيمات مخترعة.

(١) - وقد أعرضت عن التفصيل وذكر الأدلة طلبًا للاختصار، فقد فصلتها في مباحث خاصة بها. (٢) ٢ - أخرجه البخاري (١٩٠٩)، ومسلم (١٠٨١).

1 / 2

الثالثة: إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد ما شرعًا؛ وجب على المسلمين كافة الأخذ بذلك، دون النظر إلى حساب أو تشكيك، فإن هذا من التنطع، والتفريق للأمة المنهي عنه. الرابعة: إنّ دعوى «اختلاف المطالع» بمعنى أنه يطلع على بلد دون بلد، وهم على خط طول واحد ..، أو أنه يطلع على بلد غربي، ثم بلد شرقي، ثم بلد شمالي؛ هي دعوى غير صحيحة؛ من حيث الشرع، ومن حيث الواقع الفلكي، فإن للقمر إهلالة واحدة على الأرض، ثم تتابع هذه الإهلالة على الأرض وتكبر حسب خطوط الطول خطًا خطًا .. أي كلما اتجهنا نحو الغرب، حتى يهل على العالم كله في ليلة واحدة. ولا يقال يتتابع إهلاله على الأرض دولة دولة، لأن الدول تتداخل مع خطوط الطول، ولا تنضبط لتفاوت مساحاتها، وتعرج حدودها. فأما إذا كان المقصود بـ «اختلاف المطالع»: أن القمر يهل على خطِّ طولٍ معين، ثم يتتابع ظهوره على خطوط الطول خطا خطًا، أو بلدًا بلدًا .. من الشرق إلى الغرب؛ فصحيح، ولكن دون نظر إلى الحدود السياسية. وأما إن كان المقصود بـ «اختلاف المطالع»: أن لكل دولة مطلعها، وأن الهلال يطلع على الشام ولا يطلع على العراق، ويطلع على السعودية ولا يطلع على البحرين، ويطلع على مصر ولا يطلع على السودان، فهذا من أبطل الباطل، وهي مقولة تخالف الشرع ولا تتفق مع واقع حقيقة الفلك. وإذا سلّمنا جدلًا؛ أنّ لكل بلد مطلعه فيقال: ما معنى البلد؟ وما تعريفه؟ هل هو حسب الحدود السياسية التي رُسمت للأمة وفرقتها؟ ! أم حسب الاصطلاح الجغرافي؟ وهل القمر يعترف بهذا؟ ! أو حتى يعرف هذا؟ ! ثم ما هي مساحة البلد المقصود بقولهم: «لكل بلد مطلع»؟ فهناك بلد مساحته ملايين الأميال المربعة، وهناك بلد لا يتجاوز مساحته العشرات. ثم إن البلد الكبير (الدولة) فيه بُلدان (مدن) صغيرة كثيرة، فهل تكون الرؤية للبلد الكبير كله؟؟ أم لكل بلد صغير رؤيته؟؟

1 / 3

كل هذا يشير إلى تناقض أصحاب «اختلاف المطالع»، ويدل على بطلانه، بل على عدم وجوده أصلًا .. إلاّ في أذهان قائليه. وأما حديث كريب الذي يحتجون به، فخلاصته: وهو أن كريبًا طلب من ابن عباس وهو في المدينة، أن يفطروا على رؤية أهل الشام، فأبى ابن عباس ذلك؛ فليس فيه أن لكل بلد مطلعه وإنما فيه طلب أن يصوم أهل المدينة على رؤية أهل الشام .. وهذا هو الأصل فأبى ابن عباس ذلك .. وهذا هو الصواب وقتئذ، فإذا صاموا على رؤية أهل الشام فلا يمكنهم معرفة رؤية أهل الشام لهلال شوال؛ لانعدام الاتصالات المباشرة، لذلك كان لزامًا أن يصوم أهل كل بلد يومئذ حسب رؤيتهم، وهذا ما يفيده رأي ابن عباس، وذلك لتعذر بلاغ الرؤية للجميع - يومئذ - وليس في حديث كريب أن لكل بلد سياسي مطلعه، ولكل قطر جغرافي هلاله. ثم لو كان الأمر أن لكل بلد مطلعهم، لقيل: ما هي حدود هذا البلد في عهد الصحابة حتى يصوم أهله ..؟ ما هي المساحة التي يصوم فيها المسلمون ولا يصومون بعدها ..؟ ولو أمعن الناس النظر في هذه المسألة، لأدركوا خطأ بل فساد القول بأنَّ «لكل بلد مطلعه». وأما الجواب الصحيح عن حدود البلد التي يصوم المسلمون فيها، فهو حدود علمهم أن الهلال قد هلّ ... فمن بلغه الخبر صام، أو أفطر، ومن لم يبلغه لم يصم، ولم يفطر، وذلك لأن الشرع أناط الأحكام بعلم الإنسان بها، ولم ينطها ببلد، أو حدود، أو ما شابه ذلك. فإن قال قائل: "لكل بلد مطلعه"، حسب إمام البلد حتى لا يتفرق المسلمون فيه. قلت: لا شك بوجوب صوم البلد السياسي جميعًا وطاعة الإمام في ذلك .. وذلك حتى لا يتفرقوا .. لكن لا يُقال "لكل بلد مطلع"، وإنما يُقال: على أهل البلد اتباع أمامهم في الصوم خشية التفرق، فهذا حكم .. والقول بأن: "لكل بلد مطلع قمري" خاص به حكم آخر، فإن الأول صحيح والآخر باطل. الخامسة: بناء على ما سبق فيجب على المسلمين أن يصوموا عند علمهم بالرؤية الشرعية، دون النظر إلى حدود، ولا بلدان، ولا جوازات سفر.

1 / 4

السادسة: إذا حصل خلاف بين الناس بسبب البلدان، أو المذاهب، فيجب على المسلم أن يصوم مع البلد الذي هو فيه، دون النظر إلى اعتبارات أخرى، وذلك طلبًا لوحدة المسلمين، وعدم شق الصف وإثارة الفتن، فإنه إذا فاتت الوحدة الكبرى في الصيام والإفطار، فلا يجوز أن تفوت الوحدة الصغرى في البلد الواحد. فإن تعذَّر صيام المسلمين في بلد واحدٍ - كما هي الحال في بعض الدول الغربية - صام مع أهل حيِّه ومسجده. فإن تعذر ذلك صام مع أغلبية المسلمين - إن كانوا مجتهدين - فإن تعذر ذلك صام مع من يرى أنهم على الحق، والحق هو الرؤية الشرعية. ودليل ذلك؛ أن الخلاف إذا كان معتبرًا، والحق محتملًا، قُدِّمت المصلحة الكبرى في وحدة المسلمين على الاختلاف الاجتهادي .. والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب السنة ليس هاهنا محل إيرادها. وخلاصها «الخلاف شر» كما قال ابن مسعود. ﵁ السابعة: إذا كان ثمَّة قوم من أهل الضلال والابتداع يتعمدون مخالفة الشرع، فإنه لا يوافقهم في الصيام والإفطار. وإذا كانوا يفرضون على الناس ذلك، وخشي من مفسدة على نفسه، فيوافقهم ظاهرًا، ويصوم ويفطر سرًا. الثامنة: مسألة الحساب: إذا كان الأخذ بالحساب لا يتعارض والرؤية الشرعية، وكان الآخذون به يقرون بالرؤية الشرعية، وأن الحساب - عندهم - نوع من أنواع الرؤية، فيكون الخلاف في هذه المسألة - والحال هذه - خلافًا اجتهاديًا، وفي إطار الخلاف المعتبر، كأن لا يُرى الهلال، أحد ويثبت إهلاله بالحساب، أو يُشَكُ في رؤية الرائين، والحساب القطعي اليقيني يرجح أحد الوجهين. وأما إذا كان الآخذون بالحساب لا يقرون بالرؤية الشرعية، ولا الأخذ بها حين معارضتها للحساب، فهو خلاف الحق، لا يجوز العمل به ولا موافقتهم عليه.

1 / 5

والمقصود؛ إذا كان الحساب عندهم بمنزلة الشاهد، وليس بمنزلة المرجع القطعي الملغي للرؤية الشرعية، فيدخل هذا في الخلاف المعتبر وإلا فلا. التاسعة: إن أمر تحديد دخول الشهر القمري وعدمه: مناطٌ برؤية الهلال وعدمها؛ وهو من شأن أولي الأمر، وأولي الحل والعقد. وأما أمر عامة المسلمين فمناط بولي أمرهم، أو أمر جماعتهم أو غالبتها، وليس بالهلال .. وعليهم طاعته في ذلك، لأن من الناس من يرى الهلال، ومنهم من لا يراه، ومنهم من يهتم به، ومنهم من لا يهتم به. ولو أنيط صوم كل مسلم برؤية نفسه، أو رؤية بعضهم، لحصل من الفساد والفوضى ما لا يقره الشرع. ودليل ذلك قول النبي ﷺ: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» (١) أي: أن الصوم - عند الله - يوم يصوم الناس ولو أخطأوا الهلال،، وأن الفطر - عند الله - هو يوم يفطر الناس ولو أخطأوا الهلال ولذلك؛ وجب على المسلمين أن يصوموا جميعًا، وأن يفطروا جميعًا. العاشرة: لا يلتفت إلى الهلال بعد صوم الناس سواء أخطأوا في الصيام والإفطار أو أصابوا . فإن كان ما صاموه تسعًا وعشرين يومًا أجزأهم ذلك ولو أخطأوا، فإن نقص عن ذلك قضوا حتى يكملوا تسعًا وعشرين يومًا. فعن أبي البختري قال: خرجنا للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة، قال: تراءينا الهلال، فقال بعض القوم، هو بن ثلاث، وقال بعض القوم: هو بن ليلتين، قال: فلقينا بن عباس فقلنا: إنا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو بن ثلاث، وقال بعض القوم: هو بن ليلتين، فقال: أي ليلة رأيتموه؟ قال: فقلنا: ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله صلى الله

(١) - أخرجه الترمذي (٦٩٧).

1 / 6

عليه وسلم قال: «إن الله مدّه للرؤية فهو لليلة رأيتموه». وفي رواية «إن الله قد أمدّه لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة» (١) قلت: وللعلماء في العبارة (أمدّه) تفسيرات عديدة، والذي يفهم من الحديث أن لا أثر للرؤية بعد الصوم أو الإفطار، وما يفعله بعض الناس من النظر إلى الهلال بعد الصوم، وإحداث فتنة بدعوى الخطأ في الصيام ليس من الشرع في شيء. الحادية عشرة: يجب على المسلم أن يوافق أهل البلد الذي هو فيه في الصوم والإفطار وإن كان ناويًا السفر إلى بلد خالفوا في صيامهم البلد الذي هو فيه، كأن يكون المسلم في مصر، ويصوم أهل مصر ولا يصوم أهل الجزيرة، وهو يريد السفر إليها، فعليه أن يصوم مع أهل مصر، فإذا سافر إلى البلد الثاني التزم معهم في الصيام والإفطار في تعيين شوال، فإن نقص عليه يوم عن التسع وعشرين قضاه، وإن زاد عن الثلاثين صام معهم وجوبًا، وجعله نفلًا، وصلى معهم العيد، وللمسألة أدلة واضحة ليس هاهنا محل سردها. الثانية عشرة: تعيين يوم عرفة، وعيد الأضحى: إن الواجب على الأمة جميعًا الاقتداء بالحجيج في تحديد يوم عرفة والعيد، فيوم عرفة هو يومٌ للأمة جمعاء، ومن خالف فإنما يخالف حقًا، وواقعًا، ويفرق أمته. فهل يعقل دينًا وعقلًا وفي السنن الكونية فلكًا؛ أن يكون هناك عرفة في أكثر من بلد؟ وهل يترك الله ملايين من الحجيج يخطئون، ويرد حجهم ودعائهم ..؟ إنّنا نحتاج إلى قليل من التفكر، وقليل من الواقعية، وإذا تأملنا هذا الأمر في عرفة كان الأمر نفسه في شهر الصيام، وفي عيد الفطر.

(١) - أخرجه مسلم (١٠٨٨).

1 / 7

فالذين يقولون بتوحيد عرفة يلزمهم القول بتوحيد الصيام والإفطار، والذين يقولون بتوحيد الصيام والإفطار يلزمهم القول بتوحيد عرفة. المسألة الثالثة عشرة: إذا كان المسلم في بلد غير مسلم . أو كان في بلد مسلم ولكن الحاكم فاجر لا يعتد بشرع الله، فكيف يصوم؟ يصوم المسلمون كلهم - في هذه الحالة - مع أول رؤية يعلنها المسلمون في أي بلد آخر، ولا يعتد بجنسية ولا تابعية ولا جواز ولا مولد ... فبهذا تتوحد الكلمة، ويزول التفرق وينتهي القيل والقال، وإضاعة الأوقات، وليتق الله الذين يخالفون في هذا حتى لا يكونوا سببًا في تفريق الأمة، بأي دعوى كانت، ولئن يوحد صيام المسلمين وإفطارهم على خطأ غير متعمد، خير من أن يفترقوا ظانين من نفسهم أنهم على الصواب، فليس على التفرق شر على جماعة المسلمين مثله. المسألة الرابعة عشرة: خلاصة ما سبق أن على المسلم أن يصوموا جميعًا مع أول رؤية تكون في العالم، فإن أبى أهل البلد المسلم ذلك صام معهم طاعة لولي الأمر وتحقيقًا للوحدة، مالم يتعمدوا مخالفة الشرع، فإن كانوا ممن يتعمد المخالفة كذلك صام مع أهل الحق سرًا، ووافقهم جهرًا. فإن اختلفوا في البلد نفسه صام مع أهل منطقته، فإن اختلفوا صام مع أهل مسجده وإن خالفوا الحق اجتهادًا لا تعمدًا. هذا ما اجتهدت في إعداده، فإن أصبت فمن الله وحده كرمًا وفضلًا، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين. وكتبه عدنان بن محمد العرعور

1 / 8