322

احکام قرآن

أحكام القرآن

تحقیق کنندہ

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

ناشر

دار إحياء التراث العربي

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

تفسیر
تَحْرِيمِ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ لِمَنْ لَمْ يَجْنِ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عُمُومُ الذَّمِّ لِلْقَاتِلِ فِي الْحَرَمِ وَالثَّانِي قَدْ ذَكَرَ مَعَهُ قَتْلَ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَتْلُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ قَتْلُ مَنْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلُ فَلَجَأَ وَأَنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْحَرَمَ يَحْظُرُ قَتْلَ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْآيُ الَّتِي تَلَوْنَاهَا فِي حظر قتل من لجأ إلى الحرم فإن دَلَالَتَهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى حَظْرِ الْقَتْلِ فَحَسْبُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى حُكْمِ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّ قَوْلَهُ [وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ] مَقْصُورٌ عَلَى حُكْمِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ [وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا] وقوله [مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا] ظاهره الا من من القتل وإنما يدخل ما سواه بدلالة لأن قوله [وَمَنْ دَخَلَهُ] اسم للإنسان وقوله [كانَ آمِنًا] رَاجِعٌ إلَيْهِ فَاَلَّذِي اقْتَضَتْ الْآيَةُ أَمَانَهُ هُوَ الْإِنْسَانُ لَا أَعْضَاؤُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ اللفظ مقتضيا للنفس فما دونها فأما ما خصصنا دُونَهَا بِدَلَالَةٍ وَحُكْمُ اللَّفْظِ بَاقٍ فِي النَّفْسِ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ وَأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمِ لَا يَعْصِمُهُ مِنْ الْحَبْسِ كَذَلِكَ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ نَفْسًا مِنْ الْحُقُوقِ فَإِنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُهُ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى الدُّيُونِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷿ [فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] يَعْنِي فَإِنْ انْتَهُوا عَنْ الْكُفْرِ فَإِنَّ اللَّهَ يغفر لهم لأن قوله [فَإِنِ انْتَهَوْا] شَرْطٌ يَقْتَضِي جَوَابًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَهُ تَوْبَةٌ إذْ كَانَ الْكُفْرُ أَعْظَمَ مَأْثَمًا مِنْ الْقَتْلِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْهُ وَيَغْفِرُ لَهُ
وقَوْله تَعَالَى [وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ] يُوجِبُ فَرْضَ قِتَالَ الْكُفَّارِ حَتَّى يَتْرُكُوا الْكُفْرَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أنس الفتنة هاهنا الشِّرْكُ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ الْكُفْرُ فِتْنَةً لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ كَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الْفِتْنَةُ وَقِيلَ إنَّ الْفِتْنَةَ هِيَ الِاخْتِبَارُ وَالْكُفْرُ عِنْدَ الِاخْتِبَارِ إظْهَارُ الْفَسَادِ وَأَمَّا الدِّينُ فَهُوَ الِانْقِيَادُ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ يَنْقَسِمُ إلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الِانْقِيَادُ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
هُوَ دَانَ الرباب اذكر هُوَ الدِّينُ ... دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ
ثُمَّ دَانَتْ بَعْدَ الرَّبَابِ وَكَانَتْ ... كَعَذَابِ عُقُوبَةِ الْأَقْوَالِ
وَالْآخَرُ الْعَادَةُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي ... أَهَذَا دِينُهُ أَبَدًا وَدِينِي
وَالدِّينُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الِانْقِيَادُ لِلَّهِ ﷿ وَالِاسْتِسْلَامُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَمَةِ وَالْعَادَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةٌ فِي الْمُشْرِكِينَ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ جَرَى بِذِكْرِهِمْ

1 / 324