[الأحكام-الأول]
الأحكام
الإمام يحيى بن الحسين ج 1 [ 26 ]
صفحہ 1
كتاب الأحكام في الحلال والحرام ج 1 [ 27 ]
صفحہ 26
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد واله (وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل) قال أبو الحسن على ابن الحسن بن احمد بن ابى حريصه: بعد حمد الله بمحامده كلها، والثناء عليه بمدائحه وفضلها، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وآله الاتقياء: هذا كتاب الاحكام الذى صنفه والفه الامام الهادى إلى الحق يحيى ابن الحسين عليه وعلى آبائه السلام حسب ما قال، إذ قال: فرأينا ان نضع كتابا مستقصى، فيه أصول ما يحتاج إليه من الحلال والحرام، مما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله ليعمل به ويتكل عليه من ذكرنا، قال أبو الحسن: وإنى وجدت في هذا الكتاب أبوابا متفرقة، وعن مواضعها نادة في خلال الابواب غير المشاكلة لها غير مرتبة، ولقد سألني غير واحد ما باله لم ينظمه نسقا واحدا، ويتبع كل فن منه فنا؟ فأجبته بأن امره رضى الله عنه كان أشهر وأدل من أن يغبى عذره في ذلك، إذ كان حلس فرسه، وضجيع سيفه ليلا ونهار الاحياء دين الله، وإنفاذ أمره جاهدا مجتهدا، لا يكاد تؤيه دار ولا يلزمه قرار، وكلما وجد فيقه أو اغتنم في أيامه فرصة أثبت الفصل من كتابه، ورسم الباب من أبوابه، إذ كان رحمة الله عليه إنما ألفه خشيك الذي ذكر في الفصل الذي يقول فيه: فنظرنا في أمورنا وأمور من نخلفه من بعدنا فإنه رضي الله عنه إنما جعله جزءا من دينه وبعض مفترضاته، ليهدي به حائرا أو يرد به عن البينات جائرا، سالكا في ذلك سبيل من أخذ الله عليه ميثاقه، لتبيننه للناس ولا [ 28 ]
صفحہ 27
تكتمونه، فكان لا يكاد يتم ذلك الفصل حتى ينجم منتهك لحرمات الله سبحانه، أو جاحد لكتابه، يروم إطفاء نوره ودرس آياته، فيخلي ما هو فيه من ذلك صارفا وجهه بل باذلا مهجته دون دين الله تعالى أن يبتك، وعن حرماته أن تنتهك، ومع ذلك لا ينفك من سائل متفهم ، أو باحث مسترشد، أو سائل متعنت. ولقد حدثنى من رحمه الله أنه شاهده في يوم من أيام حروبه بنجران وأن سائلا يسأله من لدن أن أمر بإسراج فرسه، إلى أن استوي في متنه، إلي أن زحف إلي عدوه، وهو يجيبه، فلما تراءي الجمعان وألح عليه ذلك الانسان، أنشد هذه الابيات من شعر الغروي: ويل الشجي من الخلي فانه نصب الفؤاد بشجوه مغموم وتري الخلى قرير عين لاهيا وعلى الشجي كآبة وهموم ويقول مالك لا تقول مقالتي ولسان ذا طلق وذا مكظوم فيجيبه عن المسألة بباب، ويفهمه ذلك بأوسع جواب، ليبالغ في هدايته، ويوسع في تعريفه، ثم يرسم عنه ذلك الجواب في غير موضعه، ويقرن بغير فنه، ناسقا ذلك على ما معه من الاصول المتقدمة في أول كتابه، فخشيت إذ ذاك أن يفزع إليه ذو النازلة، أو يرومه باغي الفائدة، فتغبى عنه فايدته إذا هو طلبها في كتابه، أو تأملها في فنها المعبر عنها، فيظن أن مؤلفها رضي الله عنه أغفلها تاركا، وأطرحها من تصنيفه جانبا، فألحقت كل فن ببابه، وأتبعت كل فرع بأصله، مع أني ما زدت في ذلك حرفا، ولا نقصت من معناه شيئا، وأني ذلك! وإنما به وبآبائه عليهم السلام اهتدينا، وبهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله اقتدينا، ومن بحور نتائجهم وبرائكهم ارتوينا، نسأل الله فوزا بمرافقة نبيه المصطفى وآله الاتقياء، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.
صفحہ 28
[ 29 ]
مبتدأ كتاب الاحكام [ 31 ]
صفحہ 29
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد (1) الضهري *، قال: حدثنا محمد بن الفتح بن يوسف قال: قرأت هذا الكتاب على محمد بن الهادي إلي الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وسألته أروي عنك ما قرأت عليك؟ قال: نعم. قال محمد بن يحيى: قال يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعلي آبائه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون ، ولا يجزي أنعمه العاملون (2)، المحمود على السراء والضراء والشدة والرخاء، الذي ليس له حدينال، ولا شبه تضرب له به الامثال، وهو ذو القوة والقدرة والمحال، الذي دنا فنأى، وأحاطبا لاشياء علما وخبرا، وفطرها كيف شاء فطرا، فلم يمتنع من مفطوراتها عليه سبحانه [ 32 ]
صفحہ 31
مفطور، ولم يستتر عنه من محجوبات سرائرها مستور، بل علمه بما سيكون من كل مكون كعلمه بما كان وظهر وتبين، لا يخفى عليه شئ مما تنطوي عليه الجوانح والقلوب، ولا يحتجب عنه شئ من خفيات الغيوب، الذي نبتت بأمره الاشجار، واستقلت بقدرته الاقطار، وزخرت بقوته البحار، وهطلت بمشيته الامطار. وأشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا، أقولها تعبدا لله سبحنه ورقا، مقالة مخلص من العباد قايل صدقا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله برسالاته فبلغ ما أمر بتبليغه، وجهد لربه ونصح لامته، وعبد إلهه حتى أتاه اليقين، جاهدا مجتهدا ناصحا صابرا محتسبا متعبدا، حتى أقام دعوة الحق، وأظهر كلمة الصدق، ووحد الله جهارا، وعبده ليلا ونهارا، ثم قبضه الله إليه وقد رضي عمله، وتقبل سعيه، وشكر أمره، فعليه أفضل صلوة المصلين، وعلى أهل بيته الطيبين. ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه، والصلوة والسلام على محمد وعلى آله: أما بعد فإنا نظرنا في أمورنا وأمور من نخلفه من بعدنا، من أولادنا واخواننا، وأهل مقالتنا، ممن يميل إلى آل الرسول صلى الله عليه وعليهم ويتعلق بحبلهم، ويتمسك بدينهم، وينتحل ولايتهم، ويقول بما أوجب الله عزوجل عليه من تفضيلهم، فلما أن نظرنا في ذلك علمنا أنا ميتون، والى الله صائرون، ومن دار الغرور خارجون، وإلى دار المجازات آيبون، وإلى المناقشة والحساب راجعون، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون، [ 33 ]
صفحہ 32
وعلمنا ما قد زخرفه بعض الجهلة المخالفين لآل الرسول عليهم السلام، المدعين للعلم والتمام، وقالوا فيه بأهوائهم، وتركوا الاقتداء بعلمائهم الذين أمرهم الله بالاقتداء بهم، من أهل بيت نبيهم، الذين أمروا بقصدهم وسؤالهم، وذلك قول الله سبحانه: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3) وأهل الذكر فهم آل محمد، الذين أنزل الله عليهم الكتاب، وهدوا به إلى القول بالصواب، فرفضوا آل الرسول ظلما وطغيانا، وأبدوا لله في ذلك خلافا وعصيانا، وقالوا في كل نازلة نزلت من حلال أو حرام بأهوائهم، اجتراء على ذي الجلال والاكرام وتعمدا في ذلك لخلاف آل محمد عليهم السلام، وجنبوا في كثير من أقاويلهم عن الكتاب والسنة والمعقول، فتبارك الله ذو الجلال والطول ثم لم يقتصروا على ذلك، حتى كفروا من لم يكن كذلك، فكلهم يدعوا الجهال إليه، ويزعم لهم أن الصواب في يديه، وهو مجنب عن الحق حاير عن طريق الصدق يعند عن الحق والهدى، ويتبع الغي والهوى، قد صدوا عن الله عباده وأظهر وجهارا عناده، وأزاحوا الحق عن مغرسه الذي اختاره الله له، فجعله سبحنه وركبه لعلمه به فيه، وبنى دعائم الدين عليه، وذلك قوله عزوجل: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (4) ويقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) (5) ويقول: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (6) فرأينا أن نضع كتابا مستقصى،، فيه أصول ما يحتاج إليه من الحلال والحرام، مما جاء به السول عليه السلام، ليعمل به ويتكل [ 34 ]
صفحہ 33
عليه من ذكرنا، ولا يلتفت إلى ما في ايدي الجهلة الضلال، أهل التكمه في المحال مذوي البغي والايغال. فكان أول ما ينبغي لنا أن نذكره، ونصفه وندل عليه ونشرحه، توحيد ربنا، والقول بالحق في خالقنا، فقلنا: إن أول ما ينبغي لمن أراد التخلص من الهلكة والدخول في باب النجاة، أن يعلم أن الله واحد أحد، ليس له ند ولا شبيه ولا نظير، وأنه سبحنه على خلاف ما يتوهم المتوهمون، أو يظن المتظننون (7)، فينفي عنه جل جلاله عن أن يحويه قول، أو يناله شبه خلقه، وكل ما كان فيهم ولهم من الادوات والآلات من الايدي والارجل والوجوه والشفاه، والالسن والاسماع والابعاض والاعين، حتى يخرج من قلبه، ويصح في عقله وعقده، أنه بخلاف ما ذكرنا من خلقه، ويعلم أن لكل ما ذكر الله من ذلك في نفسه معنى وتأويلا معروفا عند أهل التنزيل الذين أو تمنوا عليه، وأمروا بالقيام فيه والدعاء إليه، وقد فسرنا جميع ما يحتاج إليه من ذلك في كتاب التوحيد، الذي وضعناه لمن أراد معرفة الله من العبيد، فإذا علم ذلك، وصح عنده كذلك، ونفى عن الله تعالى شبه خلقه، ما عظم منه وما صغر وما دق منه وما كبر، وجب عليه أن يعلم ان ألله سبحانه وعزوجل عن كل شأن شأنه عدل في جميع أفعاله، وأنه برئ من مقالة الجاهلين، متقدس عن ظلم المظلومين، بعيد عن القضاء بالفساد للمفسدين، متعال عن الرضى بمعاصي العاصين، برئ من أفعال العباد، غير مدخل لعباده في الفساد، ولا مخرج لهم من الخير والرشاد، وكيف يجوز ذلك على حكيم، أو يكون من صفة رحيم، فتعالى الله عن ذلك وتقدس عن أن [ 35 ]
صفحہ 34
يكون كذلك، وكيف يقضي بالمعاصي، وهو ينهى عنها، ويذم العاصين ويأمر بالطاعة ويشكر المطيعين، ولو كان كذلك لما سمى ولا دعا أحدا ممن خلق بالعصيان، بل كانوا كلهم عنده في حد الطاعة والايمان، إذ قوله الصدق وفعله الحق، لانه كان لو قضى بالفجور والكفر على الكافرين، وبالتقى والايمان على المؤمنين، لكان كل عباده لامره سبحانه مطيعين، ولقضائه منفذين، وفي ارادته ساعين، ولما كان يوجد في الخلق ذو عصيان، بل كان كلهم ذا طاعة لله وايمان، فإذا علم أن الله سبحانه لا يقضي بالفواحش والمنكر، ولا يشاء غير ما به من الطاعة أمر، وفي ذلك ما يقول ذو الجلال والطول: (أن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) (8) ويقول (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (9) وجب عليه أن يعلم أن كل ما وعدو أوعد الواحد ذو الجلال الصمد حق لامرية فيه، ولا لبس من الحساب والحشر، وما أعد الله للمؤمنين من الثواب، وأعد للكافرين من العقاب، وأن من دخل الجنة أو النار، من الابرار والفجار، فأنه غير خارج من أيهما صار إليها، وحل بفعله فيها، أبد الابد، لا ما يقول الجاهلون: من خروج المعذبين من العذاب المهين، إلى دار المتقين، ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: (خالدين فيها أبدا) (10) ويقول عزوجل: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) (11) ففي كل ذلك يخبر أن كل من [ 36 ]
صفحہ 35
دخل النار فهو مقيم فيها غير خارج منها، من بعد مصيره إليها، فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله العون والهدى، فإنه ولي كل نعماء، ودافع كل الاسواء. فإذا عرف ذلك واعتقده، فقد صحت له معرفة خالقه، وصار بأذن الله بالله من العارفين، وله سبحانه من الموحدين، القائلين على الله بالحق واليقين. فحينئذ يجب عليه أن يعلم أن كل ما جاء به الرسول عليه السلام، وشرعه من حلال أو حرام، أو سنة وكدها، وعلى الامة فرضها - فرض من ذي الجلال والاكرام، لقوله الله سبحنه: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (12) وقوله عزوجل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (13) وأنه لم يفرض ولم يقل من الامور صغيرا ولا كبيرا إلا وهو الله رضا، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نصح لله في عباده، وأصلح جاهدا له في بلاده، حتى قبضه الله إليه راضيا عنه، قابلا لذلك منه وأنه لم يترك الامة في عميا من أمرها، بل قد أوضح لها جميع أسبابها، ودلها على أبواب نجاتها، وشرع لها ما تحتاج إليه من أمورها بالدلالات النيرات، والعلامات الواضحات، والاشارات الكافيات، والاقاويل الصادقات.
(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم) (14). فأذا فهم ذلك، وكان في ضمير قلبه كذلك، وجب عليه أن يعرف ويفهم، ويعتقد ويعلم، أن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه (15) واجبة على جميع المسلمين فرض من الله [ 37 ]
صفحہ 36
رب العالمين، ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الايمان، حتى يعتقد ذلك بايقن الايقان، لان الله سبحانه يقول : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) (16) فكان ذلك أمير المؤمنين رحمة الله عليه، (17) دون جميع المسلمين، إذ كان المتصدق في صلاته، المؤدي لما يقربه من ربه من زكاته، وفيه ما يقول الرحمن فيما نزل من واضح القرآن (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (18) فكان السابق إلى ربه غير مسبوق، وفيه ما يقول تبارك وتعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون) (19) فكان الهادي إلى الحق غير مهدى، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله، فهو أحق بالامامة، لان أسبقهم أهداهم، واهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولاهم، وما جاء له من الذكر الجميل في واضح التنزيل فكثير غير قليل، وفيه انزل الله على رسوله بغدير خم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس) (20) فوقف صلى الله عليه وآله وسلم وقطع سيره، ولم يستجز أن يتقدم خطوة واحدة، حتى ينفذ ما عزم به عليه في علي عليه السلام، فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثم قال: (يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا:
صفحہ 37
[ 38 ]
بلى يارسول الله فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)، وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ما كان يجب لهرون مع موسى ما خلا النبؤة. وهرون صلى الله عليه فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، وفى ذلك ما يقول موسى عليه السلام حين سأل ذاالجلال والاكرام فقال: (واجعل لى وزيرا من أهلى هرون اخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا) (21) فقال الله سبحانه قد أوتيت سؤلك يا موسى) (22) فاعطاه الله سؤله في إشراكه لهرون في أمر موسى، فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام الرسول صلى الله عليه وآله فقد رد كتاب الله ذي الجلال والاكرام والطول، وأبطل قول رب العالمين، وخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين، وأخرج هارون من أمر موسى كله، وأكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله، وأبطل ما حكم به في أمير المؤمنين، فلابد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجرا، وعند جميع المسلمين كافرا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أفرض هي من الله؟ فقال: كذلك نقول وكذلك يقول العلماء من آل الرسول عليه وعلى آله السلام، قولا واحدا لا يختلفون فيه. لسبقه إلى الايمان بالله، ولما كان عليه من العلم بأحكام الله، وأعلم العباد بالله [ 39 ]
صفحہ 38
أخشاهم الله. كما قال الله سبحنه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) (23) فأخشاهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وقد قال الله سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون) (24) وقال تبارك وتعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (25) فأسبق المؤمنين إلى ربه أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ربه أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ألاهم بالامامة في دين الله، وهذا بين والحمد لله لكل مرتاد طالب في علي بن أبي طالب رحمة الله عليه، لا يجهله ألا متجاهل جائر ولا ينكر الحق فيه إلا ألد مكابر. حدثنى أبى عن أبيه أنه سئل عن من حارب أمير المؤمنين؟ وعمن تخلف عنه في حربه فلم يكن معه ولا عليه؟ فقال: من حاربه فهو حرب لله ولرسوله، ومن قعد عنه بغير إذنه فضال هالك في دينه. وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن يشتم أمير المؤمنين، أو قذفه استخفافا بالفضل وأهله، وجهلا بما جعل الله لامير المؤمنين عليه السلام من فضله؟ فقال: يحكم عليه الامام بما يرى ويكون بشتمه إياه فاسقا كافرا، فأذا فهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدها، وقال في كل الامور سرا وعلانية بها، وجب عليه التفضيل والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين الامامين الطاهرين، سبطي الرسول المفضلين، اللذين أشار إليهما الرسول، ودل عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما من ذريتهما، حين [ 40 ]
صفحہ 39
يقول لرسوله صلى الله عليه وآله: (قل لا اسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى) (26) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (27) ويقول في جدهما وأبيهما وأمهما وفيهما: (أن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - ألى قوله - فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) (28)، وفيهما ما يقول الرسول عليه السلام: كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)، فهما ابناه وولداه بفرض الله وحكمه، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى في ابراهيم صلى الله عليه: (ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكرياء ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) (29) فذكر أن عيسى من ذرية ابراهيم، كما موسى وهرون من ذريته، وإنما جعله الله ولده وذريته بولادة مريم، وكان سواء عنده سبحانه في معنى الولادة والقرابة ولادة الابن وولادة البنت، إذ قد أجرى موسى وعيسى مجرى واحدا من أبراهيم صلى الله عليه، ويقول بالرسول صلى الله عليه وآله: " الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة "، ويقول الرسول عليه السلام: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن الطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ويقول صلى الله عليه وآله: " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبهانجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى "، ويقول صلى الله عليه وآله: " ما أحبنا أهل البيت أحد [ 41 ]
صفحہ 40
فزلت به قدم الا ثبتته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة " وفيهم يقول: ب " النجوم أمان لاهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لاهل الارض، فإذا ذهب أهل بيتي من الارض، أتى أهل الارض ما يوعدون ". قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أولئك الصالحون من آله صلى الله عليه وعليهم أجمعين وما جاء لهم من الذكر الجميل، في كتاب الله ذي الجلال والاكرام، وما قاله فيهم الرسول عليه السلام، مما يطول به الكتاب، وتتصل به الاقاويل في كل الاسباب، مما يجزي قليله عن كثيره، ويكتفي إهل الايمان عن كثيره بيسيره. فإذا أقام معرفة ولايتهما، وقال بتفضيلهما وإمامتهما، وجب عليه أن يعرف أولي الامر من ذريتهما، الذين أمر الخلق بطاعتهم، فيعلم أن الامر والنهي والحكمة والامامة من بعدهما في ذريتهما دون غيرهما، لا تجوز إلا فيهم ولا ترد إلا إليهم وأن الامام من بعدهما من ذريتهما من سار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذا بحذوهما فكان ورعا تقيا، صحيحا نقيا، وفي أمر الله سبحانه جاهدا، وفي حطام الدنيا زاهدا، وكان فهما بما يحتاج إليه، عالما بتفسير ما يرد عليه، شجاعا كميا، بذولا سخيا، رؤوفا بالرعية رحيما، متعطفا متحننا حليما، مواسيا لهم بنفسه، مشركالهم في أمره، غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم، قائما شاهر السيفه، داعيا إلى ربه، رافعا لرايته، مجتهدا في دعوته، مفرقا للدعاة في البلاد، غير مقصر في تألف العباد، مخيفا للظالمين، ومؤمنا للمؤمنين، لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه، بل يطلبهم ويطلبونه، قد باينهم وباينوه، وناصبهم وناصبوه، فهم له خائفون، وعلى إهلاكه جاهدون، يبغيهم الغوائل، ويدعو إلى جهادهم القبائل، [ 42 ]
صفحہ 41
متشردا عنهم، خائفا منهم، لا يردعه عن أمر الله رادع، ولا تهوله الاخواف، ولا يمنعه عن الجهاد عليهم كثرة الارجاف، شمري مشمر، مجتهد غير مقصر فمن كان كذلك من ذرية السبطين الحسن والحسين، فهو الامام المفترضة طاعته، الواجبة على الامة نصرته، ومن قصر عن ذلك ولم ينصب نفسه لله، ويشهر سيفه له، ويباين الظالمين ويباينوه، ويبين أمره، ويرفع رايته، ليكمل الحجة لربه على جميع بريته، بما يظهر لهم من حسن سيرته، وظاهر ما يبدو لهم من سريرته، فتجب طاعته على الامة والمهاجرة إليه والمصابرة معه ولديه، فمن فعل ذلك من الامة معه من بعد أن قد أبان لهم صاحبهم نفسه، وقصد ربه وشهر سيفه، وكشف بالمباينة للظالمين رأسه، فقد أدى إلى الله فرضه، ومن قصر في ذلك كانت الحجة عليه لله قائمة ساطعة منيرة بينه قاطعة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة أن الله لسميع عليم) (30) مثل من قام من ذريتهما من الائمة الطاهرين الصابرين لله المحتسبين. مثل زيد بن علي رضي الله عنه إمام المتقين، والقائم بحجة رب العالمين. ومثل يحيى ابنه المحتذي بفعله، ومثل محمد بن عبد الله، وابراهيم أخيه المجتهدين لله، المصممين في أمر الله، الذين لم تأخذهما في الله لومة لائم، الذين مضيا قدما قدما، صابرين محتسبين، وقد مثل بابائهما وعمومتها أقبح المثل، وقتلوا أفحش القتل، فما ردعهما ذلك عن إقامة أمر خالقهما والاجتهاد في رضا ربهما فصلوات الله على أرواح تلك المشايخ وبركاته، فلقد صبروا الله واحتسبوا وما وهنوا ولا [ 43 ]
صفحہ 42
جزعوا بل كانوا كما قال الله وذكر عمن مضى من آبائهم حين يقول: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) (31). ومثل الحسين بن علي الفخي، الشهيد المحرم المجرد لله سبحانه، المصمم الباذل نفسه لله في عصابة قليلة من المؤمنين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويضربون ويضربون، حتى لقوا الله على ذلك وقد رضي عنهم، وقبل فعلهم منهم، فرحمة الله وبركاته عليهم. ويحيي بن عبد الله ابن الحسن القائم لله، المحتسب الصابر لله على الشدة والغضب، ومحمد بن ابراهيم بن اسمعيل القائم بحجة الله الجليل الداعي إلى الحق، والناهي عن الفسق، المتفرد لله، الصابر له في كل أمره، الحاكم في كل الامور بحقه. ومثل القسم بن ابراهيم الفاضل العالم الكريم، المجرد لسيفه، المصمم الباذل لنفسه، المباين للظالمين، الداعي إلى الحق المبين صلوات الله عليهم أجمعين ورحمته وبركاته، فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين، فهو إمام لجميع المسلمين لا يسعهم عصيانه، ولا يحل لهم خذلانه، بل يجب عليهم طاعته وموالاته، ويعذب الله من خذله، ويثيب من نصره، ويتولى من تولاه، ويعادي من عاداه. فأما من عبث بنفسه وتمنى، وإقام في أهله وولده وتلهى، وساير الظالمين وداجاهم، وقضوا حوائجه، وقضى حوائجهم، وعاشروهم، وعاشرهم، وأمنوه وأمنهم، وكفوا عنه وكف عنهم، وغمد سيفه وطوى رايته، وستر منهم نفسه، وموه على الجهال، وأهل الغفلة من الظلال، [ 44 ]
صفحہ 43
وادعى الامامة، ووهمهم أنه يريد القيام، وهو عند الله من القاعدين النيام، ذوي الفترة والوناء، طلاب الراحة والرخاء، وهو يظهر للرعية ويعرض لهم، ويدخل قلوبهم أنه قائم غير قائد، وأنه مباين للظالمين مجاهد، يوهمهم ذلك ويعرض لهم أنه كذلك، ليحتلب من درهم حلبا وخيما دويا، ويأكل بذلك من أموالهم حراما دنيا، قد لبس عليهم أمورهم بتمويهه عليهم، وقعدلهم بطريق رشدهم، يصدهم بتمويهه عن ربهم، ويمنعهم بتلبيسه عليهم من أداء فرضهم، والقيام بما يجب لخالقهم فهو دائب في التحيل لاكل إموالهم بما يلبس عليهم من إحوالهم، وتمويهه لجاهلهم (32) أنه قائم غير قائد، وأنه أحد يوميه ناهض على الظالمين مجاهد، والله يعلم من سرائره وباطن أمره غير ما يوهم الجاهلين، ويكتبه بذلك عنده أنه من الصادين عن سبيله، الذين يبغونها عوجا، فهو يهلك نفسه عند ربه بفعله وفعل غيره، ويفرق عن الحق والمحقين الانام، ويجمع بذلك عليه الآثام، ويمكن بذلك دعوة الظالمين، ويقيم عمد ملك الفاسقين ويوهن دعوة الحق والمحقين بما يموه به على الجاهلين للترؤس عليهم، ولاكل أوساخ أيديهم، يأكل سحتا تافها حراما، ويجترم العظائم بالصد عن الله العظيم إجتراما، يفرق كلمة المؤمنين ويشتت رأي المسلمين، ولا يألوا الحق خبالا، يتأول في ذلك التأويلات ويتقحم على الله فيه بالقحمات ضميره إذا رجع إلى نفسه، وناقشها في كل فعله، وأوقفها على على خفي سره ، مخالف لظاهره وفعاله في باطنه فغير ما يبديه الناس في ظاهره، يخادع الله والذين آمنوا وما يخادع إلا نفسه، كما قال الله تعالى، (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا [ 45 ]
صفحہ 44
ولهم عذاب أليم) (33) كأن لم يسمع الله عزوجل يقول: (وأسروا قولكم أو جهروا به إنه عليم بذات الصدور) (34) فهو يمكر بالله وبالمؤمنين، والله يمكر به وهو خير الماكرين. فهو في بلية من نفسه، من تحيله لديناره ودرهمه، والاستدامة لما هو فيه من تافه نعمته، يلبس الحرير والديباج والقز، ويلتحف ويفترش السمور والفتك والخز، لا يرتمض في أمور الله، ولا يصلح شأن عباد الله، فأين من كان كذلك، فقط من الامامة. كلا لعمره أنه عنها لبعيد مجنب، ومنها غير دان ولا مقرب، وان لعب بنفسه، وخدع من كان من شكله بزخرف قوله وكذبه واجترائه على الله: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (35) فلعمري إن من كان كذلك فقط لبعيد عما يدعي وينتحل مما لم يجعله الله له أهلا، ولم يشرع له إليه سبيلا، فكيف لو ذكرنا بعض ما يذكر عن بعض من يدعي ذلك، من الغلو والمهالك، مما ينقله عنهم أشياعهم، ويذكره من قولهم في أنفسهم اتباعهم، مما نرجوا أن يكونوا عليهم فيه كاذبين وبغير الحق فيهم قائلين من ادعاء صفات الجبار، والمشاركة له في علم خفيات الاسرار، والاطلاع على ما أجنت بطون البحار، والقدرة على صرف ما يشاء صرفه وأثبات ما يشاء اثباته، ومن إباحه الفروج، وإظهار الفواحش والهروج وتناول الشهوات، وإرتكاب اللذات، من معاصي الرحمن وما تنهى عنه آيات القرآن، وترك الصلوات وغلول الزكوات، ورفض صيام شهر رمضان، وتعطيل كلما نطق به الفرقان، وترك الاغتسال من [ 46 ]
صفحہ 45