إذا كان أعجبهم فيما مضى أن يسموا ابن العميد والطغرائي ذا الوزارتين فكم تراه تعجبني، وأنت أديب وشاعر، مثلهما، أن تكون ذا وزارات: تلفون وبرق وبريد وزراعة. وليس من الغريب أن تفلح حيث تكون، فالذي رآك مثلي هلالا لا ينكرك بدرا كاملا.
وبعد فلا أسمع إلا تقرير اعتمادات بالملايين للتلفون الأوتوماتيكي، فهل فاتك أن القرية التي يتغنى بها شعراء العامية والفصحى فيها بشر ذوو أرواح!
إذا تحدثت يا معالي الوزير، عن الخبز والطعام أمام جوعان أخذ يبلع ريقه، وطفقت شفتاه تنطق بغير الكلام، فمشروع القانون المعجل لإنشاء 25 ألف خط تلفوني إلى الملحقات هو الذي اقتضى أن نوجه إليك الخطاب.
ونحن ماذا؟ أمن الملحقات أم من الذيول؟ راجع الملفات في مديرية الهاتف تعلم أنه قرر لنا إنشاء خط منذ سنوات، فإذا كان كل وزير لا يعمل إلا المهم (في نظره) فنحن لن نسمع صوت (هاتف) إلا في القبور يوم ينفخ في الصور؛ لأنني لن أصير وزيرا لأعمل لضيعتي ومنطقتي.
لقد أرتني الأيام، أن كل من يحل في الدست يحسب أنه ما جاء إلا ليركب (الدست) ويطبخ أطيب ما عنده لمن عنده أما نحن فبين حانا ومانا ضاعت لحانا، وعشنا ونعيش منتوفين.
لنا سنوات واقفون عند الحوض، والناس يردون ويصدرون ولا نفوز بنقطة ماء. كل وزير يقدم الأهم على المهم، ومن يكون الدفتر معه لا يقيد نفسه من الأشقياء.
إذا كان الاصطياف يا صاحب المعالي، هو المهم في نظر الدولة وهي لا تبالي إلا بالرجل الغريبة، فنحن نربع ونصيف في قرانا، ويشرفنا بزياراتهم أناس يهم الدولة أن يذكروها بالخير ويثنوا على تقدمها وعمرانها. فما لكم لا تذكرون إلا الاصطياف! ألا فاذكروا النفوس ولو مرة. أتهمل ثلاثة أرباع الدولة وأكثر لنري السياح أننا إلى الأمام سائرون.
إن حياتنا أعز من قروش تمهدون سبل اكتسابها لأناس على حساب آخرين. فلو أعطيتمونا نقطة ماء، وشرارة كهرباء وتلفونا لا يلبي إلا بعد ساعات لصارت ضياعنا مصيفا ومشتى ومربعا.
حقا لقد صرت أخاف الإقامة في بيتي، وهذا أقصى الذعر وأسوأ حالة يبلغها الإنسان. إن هذا القلب الذي كان يمشي بنظام أوتوماتيكي قد صار يحرن قليلا، وإني لأخشى أن يتعس وليس له من يشد به، فأقرب طبيب إليه يبعد عنه ثلاث ساعات. أعرفتم الآن لماذا نلج ونلح؟
أنا رايح بعد أسبوع إلى عين كفاع، وإذا كان ما أخشى أن يكون، فماذا تنفعني أو تنفعكم: إنا إلى الله وإنا إليه راجعون.
نامعلوم صفحہ