احادیث المازنی
أحاديث المازني
اصناف
أرجو أن تأذنوا لي قبل الدخول في الموضوع. في كلمة شكر وجيزة أتوجه بها إلى قسم الخدمة العامة بالجامعة الأمريكية على اختياري لهذا البحث. فإنه مظهر ثقة. ولأنا أولى في الحقيقة بلوم قسم الخدمة والعتب عليه لزجه بي في هذا المأزق الذي لا يعلم إلا الله كيف أخرج منه ولكن عادة هذا الورى جرت بتبادل الشكر لا اللوم على الملأ. وإن كانت النفوس محرجة.
وشكري بعد ذلك لحضراتكم على ما تجشمتم من عناء الحضور. وما تتجشمون من عناء الإصغاء إلى كلام قد لا يكون وراءه محصور. ولعل غير ذلك كان أجدى عليكم وأعود بالفائدة. أو على الأقل بالمتعة.
ولا مندوحة لي عن شكر محطة الإذاعة على ما أبدت من رغبة في إذاعة هذا البحث. وما أعرف لرغبتها هذه من داع. ولست بمغتبط لذلك. فإن إذاعة الحديث معناه زيادة الحرج الذي أنا فيه. وقد كان حسبي حضراتكم تسمعون. وتغضون وتتجاوزون فيما أرجو عن التقصير أو الإخفاق فالآن ماذا يبلغ من أملي في تسامح السامعين في الشرق والغرب والشمال والجنوب؟ على أني غير قانط من رحمة الله. فإن المألوف والمعهود أن ينصرف الناس أو معظمهم عن الراديو إذا كان ما يذيعه حديثا. والله المسئول أن يلهم الناس ذلك في ليلتنا هذه. •••
ولابد من تنبيه استهل به الكلام: هو أني أهملت الجانب السياسي في بحثي هذا. وأنا أول من يعترف أن هذا نقص. وأنه يضيق مجال الكلام. ويأخذ على الباحث متوجها رحيبا كان يستطيع أن يركض فيه ركضا طويلا. ولكنا في زمن الحرب. وللحرب مقتضياتها التي لا مفر منها، ولا حيلة فيها ولا فائدة من محاولة تجاهلها. والحرب عرض أو مرض إذا شئتم. يعتري الأمم ويقلب الأوضاع فيها. ويعكس الآيات كلها. فهي حالة لا يقاس عليها لأنها الشذوذ والاستثناء وفترات تمر. وتترك أثرها ولا شك. ولكن المعول على حياة الأمم في أزمنة السلام وحياة الأفراد في أوقات الصحة. وإن كان الحرب. أو العلة قد أورثتها ما لا يخفى ولا يتعذر رده إلى أسبابه. في الأغلب والعم. من الآراء والاتجاهات وغير ذلك.
والذي فهمته من العنوان الذي اختاره قسم الخدمة العامة بالجامعة الأمريكية. وهو «الرأي العام المصري» هو أن المراد بيان خصائص هذا الرأي العام. وما يتميز به.
وليس الجانب السياسي إلا مظهرا يتخذه الرأي العام. في حالات وأوقات معينة. والمظهر شيء والخصائص شيء آخر. والعبرة بالخصائص التي تجعل هذه المظاهر ممكنة. كالثمرة تخرجها الشجرة وتطرحها. ولا سبيل إلى ثمرة بغير شجرة. وقد تطيب الثمرة أو لا تطيب. والمرجع في ذلك إلى الشجرة. وإذا أردت أن تجعل الثمرة أطيب وأنضج وأحلى. فإن عليك أن تعالج الشجرة. لا الثمرة.
من أجل هذا لا أرى أن إهمالنا الجانب السياسي للرأي العام في مصر. وفي زمن الحرب. يضير البحث. وإن كان لا ريب في أنه يترك الحلبة أقل سعة. •••
وقد سبقني إلى الكلام عن الرأي العام وبيان حقيقته والعناصر التي يتكون منها أستاذان جليلان هما الدكتور إبراهيم بيومي مدكور. والدكتور محمد مظهر سعيد. ولكنه فاتني لسوء حظي أن أسمع محاضرتيهما لعوائق لم تكن لي في تخطيها أو تذليلها حيلة. وكان بحثهما خليقا أن يكون عونا كبيرا لي. ولكني حرمته فلم يبق لي إلا أن أتوكل على الله وأسأله أن يستر ضعفي وقصوري.
سئل بعضهم عن الرأي العام وما هو؟ فكان الجواب أنه الناس جميعا ما عدانا نحن - أي المتكلم والمخاطب.
وهذا الجواب يشي بالرغبة في التظاهر بالاستخفاف بما يسمى الرأي العام. وقد قلت «التظاهر بالاستخفاف» لأن الحقيقة - على قدر ما أعلم - هي أنه ما من أحد في أطواء ضميره يستخف أو يرى من حقه أن يستخف بقوة الرأي العام وإن تظاهر بخلاف ذلك. ولعل أصح التعبيرين أن نقول إن جواب صاحبنا مظهر للرغبة الطبيعية في التميز. أي الخروج من العموم. والدخول في الخصوص. فإن كل إنسان يشتهي أن يعد منفردا بمزية تبوئه مرتبة خاصة، وتسلكه مع القليلين المتفوقين وترفعه عن طبقة الأكثرين العاديين أي الأوساط.
نامعلوم صفحہ