والزنجبيل والعاقر قرحا وما شاكل ذلك مما هذا سبيله، وإن كان في ذاته حائدا عن الاعتدال لافراط حره ويبسه، فإنه معتدل محمود عند من كان مزاجه بلغمانيا لموافقته له وإصلاحه لشأنه. وكذلك حرارة ما كان منتنا، لأنها وان كانت خارجة عن الطباع المعتدل، فإنها فيما هي فيه إذ بها صلاحه وثبات ذاته، لان بها ما كان كذلك. ففيما أتينا به من الدلائل كفاية على أن الروائح لا تدل على طبائع الأشياء إلا دلائل جنسية عامية تنبئ عن أطراف الأشياء وحواشيها فقط. ولذلك لم تتميز الوسائط التي بين الحواشي والأطراف ولم توصل حقيقتها إلى الفعل فتوقع عليها اسما.
فإن عارضنا معترض بالألوان وقال: ما بال الألوان لا تدل على طبائع الأشياء، وحاسة البصر ألطف الحواس وأوصلها إلى محسوساتها على الحقيقة. والدليل على ذلك: أنا نجدها تميز حواشي الألوان وما بينها من الوسائط وتوصل حقيقتها إلى الفعل. ولذلك أوقع عليها الفعل اسما.
قلنا له: إن حاسة البصر، وإن كانت ألطف الحواس وأكثرها إدراكا لمحسوساتها على الحقيقة، فإن من خاصيتها ألا تدرك من الأشياء إلا ألوانها وأشكالها فقط، والألوان والاشكال فأعراض غريبة في الأشياء تزول عن حواملها من غير فسادها لأنها غير جوهرية ولا طبيعية. وما كان كذلك فغير ممكن فيه الدلالة على طبيعة ما هو فيه. والدليل على ذلك أنا نجد الشئ الواحد بألوان مختلفة وأشكال متغيرة، ولا يزيله اختلافه ذلك عن طبيعته وذاته مثل الورد فإنا نجده أبيض وأحمر وهو في طبيعته بارد يابس.
وكذلك الخيري نجده بألوان مختلفة لا تحصى، وهو في طبيعته واحدي الطبع. وكذلك الحكم في الاشكال فإنا نجد الشئ الواحد يتشكل بأشكال كثيرة، وهو واحدى الطبع مثل العنب، فإنا نجده مدورا ومستطيلا وصنوبريا، وهو في طبيعته حار رطب. فقد بان أن الألوان والاشكال أعراض غريبة فيما هي فيه. ولذلك ارتفع عنها الانباء عن طبيعة ما هي فيه.
وأما الطعوم فليست كذلك لأنها وإن كانت أعراضا، فإن كل واحد منها حافظ لطبيعة ما هو فيه، مقوم لنوعيته وذاته لحفظ الحرارة لطبيعة النار، والبرودة لطبيعة الماء، والرطوبة لطبيعة الهواء، واليبوسة لطبيعة الأرض على ما بينا وأوضحنا في كتابنا في الأسطقسات (1). ومما يدل على ذلك أنا لا نجد طعما واحدا لشيئين مختلفي (2) الطباع، ولا طبيعة واحدة لطعمين مختلفين. مثال ذلك: أنا لا نجد الحلاوة موجودة في حار وبارد، ولا برودة موجودة في عفص ومالح. وكذلك القياس جار في كل الطعوم على سبيل واحد. فإن قال قائل: فكيف أوجبت للطعوم الدلائل على طبائع ما هي فيه، ونحن نجد الحلاوة في الرمان والعسل وهما مختلفي الطباع، لان العسل في طبيعته حار يابس في الدرجة الثانية والرمان حار في الدرجة الأولى رطب في الثانية.
قلنا له: غاب عنك ما ذهبنا إليه لان في قوة كلامنا ما ظننت بنا أنا أوجبنا للطعوم تقويم ذات
صفحہ 51