وهذه المزية خاصة هي المزية التي شرحناها وكررناها وعدنا إليها خلال هذه السنوات في مقالات متفرقة، وتداولها القراء في كتب متوالية أعيد طبعها ثلاث مرات وأربع مرات. ومنها كتاب أعيد طبعه بعد أسبوع واحد وهو كتاب الديوان، ولم يسبق لكتاب عربي حديث مثل هذا الذيوع والانتشار.
الأدب للمجتمع قبل ربع قرن
وقبل ربع قرن - أي قبل أن يعرف الأدعياء كيف يتهجون كلمة المجتمع - كنا نكتب فنقول إن آفة الأدب المصري أنه يعيش بمعزل عن الأمة، ومن ذلك ما كتبناه بالبلاغ في سنة 1927 فقلنا: «إن العزلة بين الشعب والحكومة، والفوارق الدائمة بين الحياة القومية والحياة الرسمية هي علة الجدب الغريب الذي يلاحظ على آداب مصر الرسمية، أي الآداب التي تجري على تقاليد الحاكمين والرواة في العصرين القديم والحديث.»
كتبنا هذا ورددناه ولا نزال نردده ونعني به حين نذكر الشعب أنه مجموعة من النفوس والضمائر والأذواق والأخلاق وليس كما يريده الماديون الحيوانيون مجموعة من البطون والجلود وكفى.
وبعد تسجيل هذه الأعجوبة نستطيع أن نسجل معها بحمد الله أن أدب مصر برئ من لوثة المذاهب الدخيلة، لأن النقد الذي يستوحي تلك المذاهب لم يصدر قط من وحي بديهتها، ولم يعتمد قط على سند صحيح في موازين التقدير على نوعيه، من تقدير استحسان واقتداء أو تقدير استهجان وتفنيد.
ولن يضير الأدب المصري في لبابه أن يلصق به أناس يستوحون المذاهب الدخيلة ولعا بالغريب أو مجاراة للإغراء والترغيب، ونرجو ألا يضيره الأدب المصطنع عند أصحاب جرثومته الكبرى أو أصحاب مذاهبه الهدامة؛ لأنها تنهدم على قواعدها في صميم بلادها، وما تهدم منها ركن قائم إلا كان في انهدامه بشير بالعمار والسلام.
نامعلوم صفحہ