Vavilov
رئيس مجمع العلوم في موسكو، حيث يقول من بحثه عن العلم السوفيتي في صورته الجديدة: «إن العلم السوفيتي لم يكن قصاراه أنه فرع من العلم العالمي يتخذ مكانه في الجمهوريات الروسية المتحدة. كلا، بل هو علم منعزل مختلف بطبيعته ونطاقه. ومزيته الأولى، هي أنه دون غيره يقوم على أساس فلسفي واضح، وهو الأساس الذي لا غنى عنه للبحوث العلمية، وعلمنا نحن له أساس من المادية الثنائية التي قررها ماركس وأنجلز وزكاها لينين وستالين.»
وهذا هو البيان الصريح الذي يجهر به رئيس مجمع العلوم في البلاد الشيوعية، ولا يخلو كلام للعلماء الشيوعيين أمثاله من عبارات الحزبية العلمية كحديثهم عن روح الحزب في الرياضيات والنظريات الماركسية اللنينية في الجراحة، فكل فكرة علمية أو فلسفية أو أدبية تخالف الأصول التي وضعها ماركس ولنين وستالين فهي تهمة للعالم، أو الفيلسوف، أو الأديب الذي يهتدي إليها، وشبهة على إخلاصه للحزب والمذهب والدعوة كلها في جملتها، ولم يعرف التاريخ في أظلم عصور الظلام حجرا على العقل البشري، كهذا الحجر العنيف في منتصف القرن العشرين، الذي يقال عنه إنه عصر الحرية والنور. •••
إن الحياة الإنسانية كثيرة النقائص والعيوب، وإنها لفي حاجة دائمة إلى الإصلاح والعلاج، وإن المذاهب الاجتماعية التي تدعو إلى إصلاحها لكثيرة منوعة، ولكننا نهتدي إلى شيء نافع، حين نعرف منها المذاهب التي تعالج مشاكل الناس بحكمة وتؤده، وتتجنب المذاهب الهدامة، ولا سيما المذهب الوخيم الذي يشعوذ على الأمم المختلفة بعلاج واحد، ويسقط عن الإنسان مسئولية عمله، ويحجر على العقل البشري أن يمضي في طريقه المستقيم.
الدعوات الهدامة والناشئة (1)
يستحق أن يسمى مذهبا هداما كل مذهب يقضي على جهود الإنسانية في تاريخها القديم والحديث، ولا سيما الجهود التي بذلها الإنسان للارتفاع بنفسه من الإباحية الحيوانية إلى مرتبة المخلوق، الذي يعرف حرية الفكر، وحرية الضمير.
ومذهب كارل ماركس - صاحب الدعوة التي اشتهرت باسم الاشتراكية العلمية - في مقدمة المذاهب التي تهدم ما بنته الإنسانية في تاريخها الطويل؛ لأنه يبيح لكل طبقة أن تهدم ما بنته الطبقة التي تقدمتها، كأنه لم يكن من عمل بني الإنسان.
هذه المذاهب ينتقدها المنتقدون من الوجهة العلمية، كما ينتقدونها من الوجهة التاريخية، ولولا أنها مذاهب تختلط بالغرائز والشهوات، وتسري بين الأغرار والجهلاء، لما تحملت شيئا من النقد العلمي، ولا من النقد التاريخي، لأن بطلانها أظهر من أن يحتاج إلى عناء شديد في النقد والتفنيد.
فمهما يكن نصيب الإنسان من العلم قليلا، ومهما يكن نصيبه من استقلال الفكر محدودا، فهو - لولا الغرائز والشهوات - يستطيع أن يفهم أن العلم الإنساني لن ينتهي إلى إنسان واحد كائنا ما كان، ويستطيع أن يفهم أن الرأس الذي يدعي أنه أحاط بأسرار الكون كله، ونفذ إلى حقائق التاريخ كلها، ووصل إلى النتيجة التي لا تتغير من بعده ولا يطرأ عليها تعديل ولا تبديل إلى آخر الزمان - هذا الرأس يدعي ما لا يقبله عقل عاقل، ولا يصلح لهداية الإنسانية في طريق العمار والفلاح.
وكارل ماركس لا يدعي شيئا أقل من هذه الدعوى العريضة التي لم يجترئ على ادعائها أحد من قبله؛ لأنه يزعم أن فلسفته أحاطت بأسرار المادة والحياة، وأسرار التاريخ والاجتماع، ووجب أن يدين بها الناس فلا يغيروا منها كثيرا ولا قليلا، فيما يأتي من الدهور والأجيال؛ بل وجب أن يعتمد الناس على فلسفته هذه ليهدموا عالمهم بأيديهم، كأنه معصوم من كل خطأ يدعو إلى التردد قبل هذه المجازفة، وأي مجازفة؟ إنها المجازفة بتحطيم عالم كامل، لا بمجرد تحطيم بيت أو مدينة أو وطن واحد يجمع المدن والبيوت.
نامعلوم صفحہ