Affect of Hadith Weakness on Jurisprudential Differences
أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء
ناشر
دار عمار للنشر
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
پبلشر کا مقام
عمان
اصناف
وأنزل الله عليك
الكتاب والحكمة
وعلمك ما لم تكن تعلم
وكان فضل الله عليك عظيما
صدق الله العظيم
النساء: ١١٣
الاهداء
أهدي ثمرة جهدي المتواضع هذا الى والديَّ وفاءًا لهما وبرًا وتكفيرًا عن تقصيري تجاههما، اللهم تقبله مني، واجعل - بفضلك - ثوابه في ميزان حسناتهما.
رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
جامعة صدام للعلوم الاسلامية
أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء
رسالة تقدم بها الطالب:
ماهر ياسين فحل المولى
الى مجلس قسم الفقه واصوله في جامعة صدام للعلوم الاسلامية
وهي جزء من متطلبات درجة الماجستير في العلوم الاسلامية
تخصص (فقه مقارن)
بإشراف
الاستاذ الدكتور هاشم جميل عبد الله
١٤٢٠هـ - ١٩٩٩م
نامعلوم صفحہ
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
فإن الحديث والفقه توأمان لا ينفكان؛ فإن جزءًا كبيرًا من الفقه إنما هو ثمرة للحديث؛ ذلك لأن الحديث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي؛ ومن هنا كان علم الحديث رواية ودراية من أشرف العلوم وأجلها، بل هو أجلها على الإطلاق بعد العلم بالقرآن الكريم الذي هو أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، فالحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعضه يستقل بالتشريع، وكثير منه شارح لكتاب الله تعالى مبين لما جاء فيه قال تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم (١» .
ومما لا خلاف فيه: ان الحديث النبوي الشريف لم يدون تدوينا رسميا في عهد الرسول ﷺ ولا في عهد الخلفاء الراشدين؛ لذا فقد لقي من السلف والخلف عناية كبيرة، وجهدا مميزا كي لا ينضاف الى قول رسول الله ﷺ ما ليس منه؛ لذلك نشأ بجانب علم الحديث رواية علم آخر يخدمه وهو ما أطلق عليه اسم: علم الحديث دراية، وهذا الأخير تندرج تحته علوم كثيرة، ومن تلك العلوم: علم العلل، وهذا الفرع
_________
(١) سورة النحل الآية ٤٤
1 / 5
من فروع علم الحديث جليل المقدار؛ لأنه كالميزان في رد أو قبول الأخبار والآثار، ومعرفة هذا النوع من أدق فنون علم الحديث، وأكثرها تشعبا.
ولم أقف على مصنف مستقل جمعت فيه جميع دقائق هذا الموضوع؛ وانما هي أبحاث في بعض جوانب الموضوع أو كتب لم تستوعب جميع موضوعات هذا العلم، ثم هي - في الغالب- قد اقتصرت على دراسة الموضوع من ناحية فن الحديث دون ربطه بعلم الفقه بواسطة نماذج لذلك.
وقد دفعني ذلك الى التفكير في اختيار هذا الموضوع الممتع النافع المليء بالعوائد والفوائد لطالب الحديث والفقه. وبعد أن شجعني من استشرتهم من الأساتذة وحصلت موافقة الجامعة الموقرة عليه كان عملي فيه على النحو الآتي:
حاولت حصر ما يعد علة عند المحدثين، وما يشبه ذلك عند الفقهاء مما يعد وجوده
مانعا من العمل به؛ لذلك حاولت ما وسعني الجهد استقراء كلام علماء الحديث المتعلق بهذا الشأن في كتب التخريج والشروح والعلل والرجال، فيسر لي ذلك الوقوف على العلل التي تعل بها الأحاديث عند المحدثين، ودرست كل علة بحد ذاتها من حيث اقوال العلماء فيها، مع بيان ما يبدو لي أنه الراجح منها.
ثم حاولت حصر ما يشبه ذلك عند الفقهاء، وهو ما يعده هذا الامام أو ذاك مانعًا من العمل بالحديث؛ وذلك لأن أثر اعلال الحديث عند المحدثين هو الامتناع عن استنباط الأحكام منه وبنائها عليه، فاذا وجد عند الفقهاء ما يمنع من العمل بالحديث وبناء الحكم عليه فان هذا يعد علة عندهم - لأن هذا أهم أثر لإعلال الحديث- وان كان ذلك لا يعد علة في اصطلاح المحدثين أو جمهورهم، وذلك كـ «اعلال الحديث لمخالفته القواعد العامة، واعلال الحديث لمخالفة عمل اهل المدينة، واعلال الحديث لمخالفته القياس، واعلال رواية الراوي اذا خالفت فتياه، ونحو ذلك» .
1 / 6
فهذه أعل بها بعض اهل العلم بعض الأحاديث، ولم يعتبرها آخرون عللا؛ لذلك ذكرتها على شكل علل وذكرت أقوال أهل العلم واتجاهاتهم فيها ومناقشاتهم لها.
ومن هنا جاء الربط بين علم الحديث وعلم الفقه وأكدت هذا الربط بأن ذكرت بتفصيل مناسب نموذجا أو أكثر أبين فيه أثر هذه العلة أو تلك في اختلاف الفقهاء.
هذا وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه بعد هذه المقدمة الى أربعة فصول:
خصصت الفصل الأول منها لبيان ماهية العلة وقضايا أخرى تتعلق بها، وقد تضمن هذا الفصل ستة مباحث:
المبحث الأول: عرفت فيه العلة في اللغة واصطلاح المحدثين.
والمبحث الثاني: ذكرت فيه نموذجا تطبيقيا للعلة.
والمبحث الثالث: تكلمت فيه عن أهم الأسباب التي تكون الأحاديث معلة بسببها.
وتكلمت في المبحث الرابع عن أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها.
وفي المبحث الخامس: تكلمت عن اهم الأمور التي ترفع العلة وتزيلها.
وتكلمت في المبحث السادس عن أهمية معرفة علم العلل.
أما الفصل الثاني: فقد خصصته لعلل السند.
وقد اشتمل على تمهيد وأربعة مباحث: -
تكلمت في التمهيد عن تعريف الإسناد وأهميته.
وفي المبحث الأول: تكلمت عن الإنقطاع بأنواعه.
وفي المبحث الثاني: ذكرت اعلال السند بتضعيف الراوي.
والمبحث الثالث: تكلمت فيه: عن تفرد الراوي.
1 / 7
وفي المبحث الرابع: تكلمت عن انكار الأصل رواية الفرع.
اما الفصل الثالث: فهو في علل المتن وقد تضمن سبعة مباحث: -
المبحث الأول: الاعلال بالتعارض وقد تكلمت فيه عما يبدو من تعارض ظاهر بين النصوص الشرعية.
والمبحث الثاني: الاعلال بالشك.
والمبحث الثالث: اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى، وذكرت فيه: أقوال اهل العلم ومناقشتها.
والمبحث الرابع: في اعلال خبر الآحاد بمخالفته فتيا الصحابي الذي يرويه.
والمبحث الخامس: في اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس.
والمبحث السادس: في اعلال خبر الآحاد بمخالفته اجماع أهل المدينة.
والمبحث السابع: اعلال خبر الآحاد بمخالفته القواعد العامة.
وقد ذكرت آراء الفقهاء في كون هذا الأمر أو ذاك علة أو ليس بعلة، وبينت ما يبدو لي أنه الراجح منها.
وأما الفصل الرابع: فقد خصصته للعلل المشتركة، التي تقع في الاسناد والمتن.
وضمنته خمسة مباحث:
المبحث الاول: الاعلال بالاضطراب والاختلاف. وتضمن هذا المبحث مطلبين:
المطلب الأول: الاضطراب في الاسناد.
والمطلب الثاني: الاضطراب في المتن.
المبحث الثاني: الاعلال بالزيادة، وتكلمت فيه عن زيادة الثقة وذكرت اهم أقوال أهل العلم في قبولها وردها ثم ذكرت الرأي المختار.
1 / 8
والمبحث الثالث: الاعلال بالشذوذ.
والمبحث الرابع: الاعلال بالادراج.
والمبحث الخامس: الاعلال بالخطأ وما أشبهه.
وقد مثلت لما ذكرته من علل وبينت أثر كل علة في اختلاف الفقهاء، وخرجت الأحاديث الواردة في الرسالة وذلك بالرجوع الى كتب الحديث المعتمدة عند المحدثين، وأطلت التخريج في كثير من المواضع؛ لأن موضوع العلل يستدعي ذلك؛ فان العلة لا تعرف الا بجمع طرق الحديث من مظانها.
وقد عزوت أحاديث صحيح البخاري في الجزء والصفحة لطبعة دار الفكر التي تقع في ثلاثة مجلدات بتسعة أجزاء، وهي الطبعة المصورة عن الطبعة الأميرية، ثم اعقبت الجزء والصفحة برقم الحديث من فتح الباري بترقيم الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وذلك لتداول هاتين الطبعتين في أيدي أهل العلم.
وكذلك صنعت عند العزو لصحيح مسلم فقد عزوت الى الجزء والصفحة من الطبعة الاستانبولية، ثم اعقبت ذلك بالرقم من طبعة الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي؛ وذلك لأن هاتين الطبعتين أكثر تداولا.
اما أحاديث سنن ابي داود وابن ماجه والترمذي فقد ذكرت الجزء والصفحة ورقم الحديث، وقد رتبت الكتب عند التخريج على وفيات المؤلفين.
وقد حاولت بيان درجة الأحاديث الواردة في الرسالة مهتديا بأقوال الأئمة السابقين ومستعينا بقواعد الحديث التي وضعها الائمة الاعلام.
وقد ترجمت للاعلام التي دار عليها الاسناد في هامش الرسالة ومن ذكر في الحديث زيادة أو اخطأ في الحديث أما بقية الاعلام فقد عملت لها تراجم وضمنتها ملحقا في آخر الرسالة.
1 / 9
أما الخاتمة فقد ضمنتها أهم النتائج.
بعد هذا العرض أرى من الواجب علي ان اعبر بالثناء الجميل عما يكنه صدري من عرفان بالفضل لكل من مد اليَّ يد العون أثناء اعداد هذه الرسالة سواء بارشاد او هداية لمصدر أو تشجيع أو دعاء. وأخص بالذكر استاذي الذي أشرف على اعداد هذه الرسالة شيخي العلامة المحقق الامام الدكتور هاشم جميل. فقد خصني بالكثير من الجهد والوقت، وأمدني بتوجيه متواصل، ولا أملك شيئا يوازي فضله هذا الا الدعاء له بالعافية والعمر المديد والعطاء الدائم في الخير وأن يكمل الله تعالى له طريق الوصول الى مرضاته، ويجزل له المثوبة.
كما أتوجه بالشكر الجزيل الى اساتذتي الأفاضل الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذه الرسالة وتقويمها، وشرفوني بالنظر فيها، فجزاهم الله تعالى عني خير الجزاء.
وختاما فإن هذا هو جهدي المتواضع الذي ارجو من الله تعالى له القبول، فقد بذلت فيه ما وسعني من جهد، فان وفقت فيه فلله تعالى الفضل والمنه، وان كان غير ذلك فحسبي أني حاولت الوصول الى خدمة هذا الدين عن طريق الربط بين الفقه الاسلامي وبين علم من أهم علوم الحديث النبوي الشريف، والرب ﷾ يثيب على القصد ويعفو عن الخطأ. فأسأله ﷾ ان يجنبنا الزلل ويرشدنا الى الصواب ويوفقنا الى ما يحبه ويرضاه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين.
1 / 10
Conclusion
A suitable lexical definition adopted by the narrators to identify the word "cause" or "reason" is ailment because any hadith being explicitly sound might be refuted.
Unimously the cause is considered as an implicit factor. The narrators refer to the cause and admit that no cause otherwise is observed can be considered as a clear-cut restriction to define the sound hadith (Al-sahih) . Thus they include the "cause" to refer to the idiomatic meaning. It is the actual، critical cause. In criticizing the hadith، they use the "cause" to refer to the reason of AL-hadith ailment،explicit or implicit، critical or not which has its counterpart by the narrators.
The cause is defined idiomatically by following all the methods and by comparing AL-hadith contents and its series of narrators.
To spot out any defect in weak hadith needs precise approach parallel to the efforts exerted in evaluating the geniune hadith.
Singularity is not a cause by itself but might be a cause of certain effect. it helps in outlining the cause and underline the mistakes.
The fake like the coordinators، the deserted and the charged don't need any follow-up procedures because their singularity is enough to convict them.
If a weak hadith is accepted by the scientists (Scholars)، it is a ccepted and followed without changing its identify، i. e.، into sound hadith.
This field of knowledge is like a scale to indicate the right from the wrong and the true from the fals.
Some hadiths can be crossed by acquentence.
Suspicion is not a cause in hadith but the scholars may check a word or term.
Enhancement of confidence is acceptable unless proved otherwise.
The causes in the content is the outcome of the scientists' conditions.Most of them are due to justification. It means that some of them depend on the cross reference basis rather than the singularity basis especially if the singularity depends on the problem or contradicts with a hadith narrated by a companion. Or،some scientists believe in depending on general rules or the behaviour of AL- Madina citizen on rather than singularity.
Thus،it is very important to encourage all studies which link different fields of AL- hadith sciences to jurisdication and its sources.Then، may Allah prays on his prophet Mohammed and on his relatives and companions.
الفصل الأول: ماهية العلة وقضايا أخرى تتعلق بها
وفيه ستة مباحث
المبحث الأول: تعريف العلة
المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة.
المبحث الثالث: أسباب العلة.
المبحث الرابع: أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها.
المبحث الخامس: ما تزول به العلة.
المبحث السادس: أهمية معرفة العلة.
المبحث الأول: تعريف العلة
وفيه مطلبان:
١- المطلب الأول: تعريف العلة لغة
٢- المطلب الثاني: تعريف العلة اصطلاحا.
المطلب الأول: تعريف العلة لغة
عل - بلام مشددة مفتوحة -: متعد ولازم، نقول فيهما: عل يعل - بضم العين وكسرها - ومصدرهما: علا.
وأعله الله: أي: أصابه بعلة.
والعلة: المرض، وحدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأن تلك العلة صارت شغلا ثانيا منعه من شغله الأول.
وعلله بالشي تعليلا، أي: لهاه به كما يعلل الصبي بشيء من الطعام عن اللبن (١)
قال ابن فارس: «عل: أصول ثلاثة صحيحة:
أحدها: تكرار أو تكرير، والثاني عائق يعوق، والثالث: ضعف في الشيء:
فالأول العلل وهو الشربة الثانية، ويقال علل بعد نهل ويقال أعل القوم اذا شربت ابلهم عللا.
قال ابن الأعرابي في المثل: ما زيارتك ايانا الا سوم عالة أي: مثل الابل التي تعل. وانما قيل هذا لأنها اذا كرر عليها الشرب كان أقل كشربها الثاني.
_________
(١) مختار الصحاح: ٤٥١
1 / 11
والثاني: العائق يعوق؛ قال الخليل: العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه، ويقال: اعتله كذا أي اعتاقه، قال: فأعتله الدهر وللدهر علل.
والثالث: العلة المرض، وصاحبها معتل، قال ابن الاعرابي: عل المريض يعل فهو عليل» (١)
والمعل: اسم مفعول من أعله: أنزل به علة فهو معل، يقولون: لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة، والحديث الذي اكتشفت فيه علة قادحة هو معل لأنه ظهر أنه مصاب بتلك العلة (٢) .
وبهذا يتضح أن أقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدثين هو: المرض؛ وذلك لأن الحديث الذي ظاهره الصحة اذا أكتشف الناقد فيه علة قادحة فان ذلك يمنع من الحكم بصحته.
وقد أطلق بعض العلماء على الحديث «المعل» اسم: الحديث «المعلول» وأطلق بعضهم عليه اسم الحديث: «المعلل» .
وقد أعترض النووي على تسميته بـ «المعلول» وقال: «هو لحن» . (٣)
وذلك لأنه مأخوذ من: أعله: يعله، فاسم المفعول منه: معل. مثل: أضره يضره، فاسم المفعول منه: مضر (٤) .
وقد اعترض السيوطي على التسميتين؛ فأيد النووي في قوله: ان التسمية بـ (المعلول» لحن، وقال: لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي على مفعول.
_________
(١) معجم مقاييس اللغة: ٤/١٣-١٥.
(٢) لسان العرب مادة «علل» .
(٣) التقريب مع التدريب ١/٢٥١.
(٤) شرح البيقونية في مصطلح الحديث لابن عثيمين ١١٥.
1 / 12
ثم اعترض على التسمية بـ «معلل» فقال: الأجود فيه «معل» بلام واحدة؛ لأنه مفعول أعله قياسا، واما «معلل» فمفعول علل؛ وهو لغة بمعنى: ألهاه بالشيء وشغله، وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم (١) .
المطلب الثاني: تعريف العلة اصطلاحا
عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله «هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه» (٢) .
وعرفها النووي بقوله: «عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه» (٣) .
وبهذا يتضح لنا أن العلة شيء خارج عن الجروح الموجهة الى رجال الاسناد؛ وذلك لأن ميدان التعليل انما هو الأحاديث التي ظاهرها الصحة، ولذلك يقول الحاكم: «وانما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل» (٤) .
ويقول ابن الصلاح: «المعلل، هو الذي أطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك الى الاسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر» . (٥)
وكل من جاء بعد ابن الصلاح وعرف المعل اشترط فيه خفاء العلة وكونها
_________
(١) تدريب الراوي ١/٢٥١، قال العراقي في شرح التبصرة ١/٢٢٥: «والأجود في تسمية المعل»
(٢) علوم الحديث ص٨١.
(٣) التقريب مع التدريب ١/٢٥٢.
(٤) معرفة علوم الحديث ص١١٢.
(٥) علوم الحديث ص٨١.
1 / 13
قادحة: كالطيبي (١) والعراقي (٢) والسيوطي (٣) وأبي الفيض محمد بن محمد بن علي بن فارس (٤) وغيرهم.
لكننا مع ذلك نجد بعض العلماء يطلق العلة ويريد بها ما هو أعم من ذلك؛ حيث يدخل فيها العلة الظاهرة، والعلة غير الظاهرة؛ فهذا الحافظ ابن الصلاح يقول: «ثم اعلم انه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة؛ وكذلك تجد في كتب العلل الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمى الترمذي النسخ علة (٥) من علل الحديث ثم ان بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو ارسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط» (٦) .
وقال الحافظ ابن حجر: «والعلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة خفية أو واضحة» (٧) .
_________
(١) الخلاصة ص٧٠.
(٢) شرح التبصرة ١/٢٢٦
(٣) التدريب ١/٢٥٢.
(٤) جواهر الأصول ص٤٨
(٥) وكذلك ابن أبي حاتم كما يعلم ذلك من صنيعه في علله. أنظر حديث رقم (١١٤) و(٢٤٦) ولم يرتض العراقي هذا الاطلاق؛ وذلك أن الترمذي ان أراد النسخ علة في العمل فهو كلام صحيح مقبول أما ان أراد انه علة تقدح في صحة الحديث أو في صحة نقله ذلك غير مقبول لأن في كتب الصحيح احاديث كثيرة صحيحة منسوخة. انظر شرح التبصرة والتذكرة ١/٢٣٩.
(٦) علوم الحديث ص٨٤.
(٧) النكت ٢/٧٧١.
1 / 14
وقد ذكر الصنعاني ما يدل على أن تقييد العلة بكونها خفية قادحة هو عنده قيد أغلبي، حيث قال: «وكأن هذا التعريف أغلبي للعلة، والا فانه سيأتي أنهم يعللون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة» (١) .
أقول:
ومن ينظر في كتب الشروح والتخريج والعلل يجد اطلاق لفظ العلة والمعلول والمعل على كثير من الأحاديث التي فيها جرح ظاهر وقد قمت باستقراء كتاب علل ابن ابي حاتم وأشرت على الأحاديث التي أعلت بالجرح الظاهر فوجدتها كثيرة العدد يزيد مجموعها عن مائتين وسبع وأربعين حديثا فقد أعل بالانقطاع سبعة وعشرين حديثا، هي الأحاديث التالية: «٢٣، ٢٤، ٢٦، ٥٧، ٧٤، ٨٧، ١٠٨، ١١٩، ١٢٧، ١٣٢، ١٤٠، ١٤٣، ١٦٤، ٢١٤، ٥٥٠، ٥٩٤، ٦٢٢، ٧٢٤، ٧٥٣، ٧٦٥، ٩٠٣، ٩٠٥، ١٢٢٠، ١٢٥٩، ١٣٥٢، ١٣٥٧، ١٣٧١) .
وقد أعل بضعف الراوي مائة وثلاثة وأربعين حديثا هي: (٣٦، ٥٣، ٧٣، ٩٧، ٩٨، ٩٩، ١٠٠، ١٠٢، ١٠٥، ١٠٦، ١٠٩، ١١٢، ١١٣، ١٢٥، ١٣٧، ١٤٦، ١٥١، ١٧٦، ٢٠٠، ٢٠٨، ٢١٧، ٢٥٠، ٢٨١، ٢٨٥، ٣٠٩، ٣٢١، ٣٢٤، ٣٣٦، ٣٦١، ٣٨٢، ٤٢١، ٤٤٩، ٥٠٠، ٥٠٧، ٥١٥، ٥٤٨، ٥٦١، ٥٦٥، ٦٠٩، ٦٤١، ٦٤٥، ٧٢٧، ٧٣٥، ٧٤٣، ٧٥٧، ٧٦٦، ٧٨٣، ٨٥٤، ٨٥٥، ٨٩٩، ٩٠٦، ٩١١، ٩٥٤، ٩٥٩، ٩٨٨، ١٠٥٣، ١٠٦١، ١٠٩٥، ١١٥٦، ١١٨٩، ١٢٠٨، ١٢٢٨، ١٢٣٥، ١٢٤١، ١٢٧٠، ١٢٨٥، ١٣٠٠، ١٤٤٦، ١٤٧٣، ١٤٩٦، ١٥٠٥، ١٥١٥، ١٥١٦، ١٥٢٩، ١٥٧٥، ١٦٢٩، ١٦٣٧، ١٦٥٧، ١٧٣٣، ١٧٣٨، ١٧٦٤، ١٨١٤، ١٨٤٨، ١٨٥٢، ١٨٥٩، ١٨٦٠، ١٨٩٢، ١٩٢٢، ١٩٢٤، ١٩٣٦، ١٩٧٨، ١٩٩٨،
_________
(١) توضيح الأفكار ٢/٢٧.
1 / 15
٢٠١٦، ٢٠١٧، ٢٠٣١، ٢٠٣٥، ٢٠٤٧، ٢٠٨٧، ٢١٠١، ٢١٠٨، ٢١٣٠، ٢١٤٢، ٢١٧٨، ٢٢١٣، ٢٢٣٥، ٢٢٤٧، ٢٢٥٠، ٢٢٥٩، ٢٢٧٠، ٢٢٧٩، ٢٢٩٢، ٢٢٩٣، ٢٣٠٨، ٢٣٤٦، ٢٣٥٢، ٢٣٦٤، ٢٣٦٧، ٢٣٨٥، ٢٤٠٠، ٢٤٠٥، ٢٤٣٥، ٢٤٤١، ٢٤٥٨، ٢٤٦٠، ٢٤٦٣، ٢٤٧٣، ٢٤٧٥، ٢٤٧٩، ٢٤٨٠، ٢٤٩٠، ٢٥٣٣، ٢٥٤١، ٢٥٥١، ٢٥٨١، ٢٦١٦، ٢٦٤٣، ٢٦٦٣، ٢٧٢٤، ٢٧٥٩، ٢٧٦٣، ٢٨٠٠، ٢٨١١، ٢٨١٨» .
وقد أعل بالجهالة ثمانية وستين حديثا هي: (٨٩، ١٢٩، ١٤٩، ١٨٠، ٣١٤، ٣٤٢، ٣٤٥، ٣٥٦، ٤١٧، ٤٤١، ٤٥٩، ٤٧٦، ٧٠١، ٨٣٩، ١٠٥٩، ١٠٧٠، ١٠٧١، ١٠٨٨، ١١٠٨، ١١٢٤، ١١٥٢، ١٢٥٧، ١٢٦٢، ١٣١١، ١٣٤٦، ١٤٨٤، ١٤٨٥، ١٤٨٧، ١٥٥٦، ١٥٧٩، ١٥٨١، ١٦٣٨، ١٦٨٩، ١٧١١، ١٧١٤، ١٧٦٠، ١٧٩٨، ١٨١٢، ١٨٢٩، ١٨٣١، ١٨٣٢، ١٨٣٨، ١٨٦٦، ١٨٧٨، ١٨٨٢، ١٨٨٩، ١٩٦٦، ٢٠٠٩، ٢٠١٤، ٢١٥١، ٢١٧٩، ٢٢٠٧، ٢٢٨٦، ٢٣٢١، ٢٣٣٣، ٢٣٤٩، ٢٣٥٤، ٢٣٨٢، ٢٣٨٣، ٢٤٤٣، ٢٤٥١، ٢٤٧٧، ٢٥٩١، ٢٥٩٧، ٢٦١٨، ٢٦٧٠، ٢٦٧٨، ٢٧٣٥) .
وقد أعل بالاختلاط خمسة أحاديث هي: (٢٧٩، ٤٦٥، ٥٦٩، ١٢٣٣، ٢٢٢٠) .
وقد أعل بالتدليس أربعة أحاديث هي: (٢١١٩، ٢٢٥٥، ٢٢٧٥، ٢٥٧٩) .
وكذلك نجد في كلام كثير من جهابذة العلم اطلاق العلة على الجرح الظاهر كما في نصب الراية للزيلعي، الجزء الثالث ص ٨٥ و٢٣٩ و٣٥٨ و٣٧٠ و٢٨٧ و٤٣١. والجزء الرابع ص ٤٧.
وفي كلام ابن القيم كما في زاد المعاد ١ /١٧٧ و٢٤٤.
1 / 16
وكذلك وقع في كلام الحافظ ابن حجر: اعلال بعض الأحاديث بالعلة الظاهرة كما في التلخيص الحبير ج١/٢٥ و٦٢ و٦٧ و٨٨ وج٢/٤٧، وفتح الباري ج١ /٨٣ وج٢/٤٤٦ وأنظر سبل السلام ١/٦٩ و٧٢ و٧٥.
وقد أشرت فيما سبق الى أن الصنعاني قد عد تقييد العلة في التعريف بكونها خفية قادحة قيدا أغلبيا.. وقد قال الحافظ ابن حجر (١) «ان الضعف في الراوي علة في الخبر والانقطاع في الاستاد علة في الخبر، وعنعنة المدلس علة في الخبر وجهالة حال الراوي علة في الخبر» . وفي حوار مع استاذي العلامة الدكتور هاشم جميل قد تنبهت الى امر آخر، وهو: ان المحدثين اذا تكلموا عن العلة باعتبار ان خلو الحديث منها يعد قيدا لا بد منه لتعريف الحديث الصحيح. فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص، وهو: السبب الخفي القادح. واذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها: السبب الذي يعل الحديث به: سواء كان خفيا أو ظاهرا قادحا أو غير قادح.
وهذا توجد له نظائر عند المحدثين، منها: المنقطع (٢): فهو بالمعنى الخاص: ما حصل في اسناده انقطاع في موضع أو في أكثر من موضع لا على التوالي.
هذا المصطلح نفسه يستعمله المحدثون أيضا استعمالا عاما فيريدون: كل ما حصل فيه انقطاع في أي موضع في السند كان، فيشمل:
المعلق (٣)، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في اول السند.
_________
(١) النكت ١/٤٠٧
(٢) أنظر تعريفه علوم الحديث ص٥١ وما بعدها.
(٣) أنظر تعريفه علوم الحديث ص٢٠.
1 / 17
والمرسل (١)، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في آخر السند.
والمعضل (٢)، وهو: الذي حصل فيه انقطاع في أثناء السند باثنين فأكثر على التوالي. ويشمل أيضا المنقطع بالمعنى الخاص الذي ذكرناه (٣) .
وهكذا نرى أن مصطلح المنقطع يستعمله المحدثون استعمالا خاصا في المنقطع الاصطلاحي، ويستعملونه استعمالا عاما في كل ما حصل فيه انقطاع فيشمل المنقطع الاصطلاحي، والمعلق، والمرسل، والمعضل. وعلى هذا المنوال جرى استعمالهم لمصطلح العلة؛ فهم يستعملونه بالمعنى الاصطلاحي الخاص، وهو: السبب الخفي القادح، ويستعملونه استعمالا عاما، ويريدون به: كل ما يعل الحديث به فيشمل العلة بالمعنى الاصطلاحي، والعلة الظاهرة، والعلة غير القادحة.
المبحث الثاني: نموذج تطبيقي للعلة
قد أشرت فيما سبق: الى أن المعنى الاصطلاحي الخاص للعلة انما يشمل العلة القادحة الخفية التي يكون الظاهر السلامة منها. وهذه تختص برواية الثقات. أما العلة بالمعنى الأعم فانها تتعلق بالرواية عموما، سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفا وسواء كذلك أكان الوهم بالاسناد أو بالمتن ومن الملاحظ: أن الخطأ في رواية الثقة أشد غموضا من الخطأ في رواية الضعيف لأن الأصل في رواية الثقة الصواب والخطأ طاريء -
_________
(١) أنظر تعريفه علوم الحديث ص٤٧.
(٢) أنظر تعريفه علوم الحديث ص٥٤.
(٣) أنظر التدريب ١/٢٠٧ وما بعدها، شرح البيقونية في مصطلح الحديث ٩٨. وكذلك المرسل يستعملونه استعمالا عاما في كل انقطاع في السند ويستعملونه استعمالا خاصا ويريدون به ما أضافه التابعي الى النبي ﷺ.
1 / 18
فالقلب من حيث الأساس - مطمئن الى رواية الثقة. وليس كذلك رواية الضعيف، فالقلب غير مطمئن اساسا اليها فالأصل الحكم عليها بالخطأ والصواب طاريء: ومع ذلك فان معرفة الخطأ في رواية الضعيف ليس بالأمر السهل وذلك لأن الحكم عليه بالضعف أساسا يحتاج الى متابعة روايته ومقارنتها برواية الثقات، فان كثرت مخالفته لهم حكم بضعفه. وأيضا فان الضعف درجات؛ والضعف في الراوي اذا لم يكن شديدا فان بالامكان الاستفادة من بعض أحاديثه، وذلك لأن خطأ الضعيف غير مقطوع به، وانما قد يصيب وقد يخطيء؛ كذلك من الضروري أن نعرف: بأن معنى قولهم فلان ضعيف أنه اذا تفرد بشيء عن شيخه لا يحتج به لغلبة احتمال الخطأ عليه وعدم اطمئنان القلب اليه وليس معنى هذا أن كل ما يرويه ضعيف وأنه مخطيء في كل ما يرويه؛ لذلك فان من أحاديثه ما يصح وما يضعف ويعرف الخطأ والصواب بالبحث والموازنة.
وهذا يفهم من صنيع الشيخين حيث رويا عن جماعة ممن خف ضبطهم لأنهما علما أن هذه الأحاديث قد صحت (١)، وذلك بالموازنة والمقارنة مع أحاديث غيرهم من الثقات، فلما توبعوا على أحاديثهم، وتبين لصاحب الصحيح صحتها أخرجها في المتابعات مقرونة باحاديث الثقات.
وقد يخرج له صاحب الصحيح اذا قامت قرينة أو أحاط روايته ظرف يرجح صحتها: كعناية الراوي الخفيف الضبط برواية شيخ معين أو ملازمته له، فيخرج صاحب الصحيح روايته عن ذلك الشيخ في الأصول وليس في المتابعات فقط. وهذا
_________
(١) أنظر كلام الحافظ ابن حجر في هدي الساري حول انتقاء الشيخين الصفحات التالية «٣٣٨ و٤٠٦ و٤١٤ و٤٢٤ و٤٤٢ و٤٤٤ و٤٤٩» . وأنظر نصب الراية ١/٣٤١، وصيانة صحيح مسلم ص٩٤، والعواصم والقواصم ج٣/٩٦ وما بعدها وشرح صحيح مسلم للنووي ١/١٨، والتنكيل ج١/٧٧.
1 / 19
يحتاج الى جهد كبير، وتمييز دقيق بين الأحاديث ليستفاد مما يصح منها.
ومن أبرز النماذج الدالة على ذلك كله: حماد بن سلمة:
فهو حماد بن سلمة بن دينار البصري؛ ثقة له أوهام.
قال أحمد: هو أعلم الناس بحديث خاله حميد الطويل. وقال ابن معين: هو أعلم الناس بثابت - يعني ثابت البناني (١) .
وقال الحافظ في التقريب: ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت - تغير حفظه بأخرة (٢) .
اذن فحماد بن سلمة في أول أمره ثقة له أوهام؛ وهذا التعبير يشير الى خفة في الضبط لكن خفة الضبط تنجبر بطول الملازمة للشيخ وشدة العناية بحديثه. وحماد كما ذكرنا - كثير الملازمة لثابت البناني، شديد العناية بحديثه، اذن فما حدث به حماد قبل - اختلاطه- عن ثابت يعد من الحديث الصحيح. وحديثه عن غيره من قبيل الحسن. ثم تغير حماد لما كبر فساء حفظه. فكان حديثه في هذه المرحلة ضعيفا.
اذا عرفنا هذا لننظر ماذا فعل الشيخان بحديث حماد بن سلمة:
أما البخاري فقد أخرج له في التأريخ، لكن ترك الحديث عنه في الصحيح.
وأما مسلم فقد غربل حديثه، وميز منه أحاديث حدث بها قبل الاختلاط،
ثم قسم هذه الأحاديث الى قسمين:
القسم الأول: الأحاديث التي حدث بها حماد عن ثابت، وهذه أخرجها مسلم في الصحيح أصولا محتجًا بها.
_________
(١) تهذيب التهذيب ٣/١١ وما بعدها، الميزان ١/٥٩٠ وما بعدها.
(٢) التقريب ١/١٩٧.
1 / 20
القسم الثاني: الأحاديث التي حدث بها عن غير ثابت - وهذه لم يخرجها مسلم في الأصول. وانما أخرجها في الشواهد.
يقول الذهبي: احتج مسلم بحماد بن سلمة في أحاديث عدة في الأصول. وتحايده البخاري.
ويوضح ما أجمله الذهبي هنا كلام نقله الحافظ ابن حجر عن البيهقي يتحدث فيه عن حماد بن سلمة، قال البيهقي: «أحد أئمة المسلمين الا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد واخرج من حديثه عن ثابت ما سمع قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت - لا يبلغ اثني عشر حديثا- أخرجها في الشواهد» (١)
وكذلك اسماعيل بن أبي أويس فهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه (٢)، فقد روى عنه الشيخان مما علما أنه لم يخطيء فيه واحتجا به الا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ولم يخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين مما علم أنه قد حفظه، وأما مسلم فقد أخرج عنه أقل مما أخرج البخاري، وغالب رواية البخاري عنه في أحاديث موطأ مالك فهو عالم بأمره اذ أنه ابن أخت الامام مالك وهو متابع فيما رواه عن مالك حيث أن رواة الموطأ كثيرون (٣) وموطأ مالك عند البخاري عن جماعة من الرواة. وقال الحافظ ابن حجر: «وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن
_________
(١) ميزان الاعتدال ١/٥٩٠ وما بعدها، تقريب التهذيب ١/١٩٧، تهذيب التهذيب ٣/١١، الكواكب النيرات ٤٦٠.
(٢) تقريب التهذيب ١/٧١
(٣) وقد عد الاستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته لموطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني ص ١٦-١٩ النسخ المشهورة للموطأ فبلغت ستة عشر نسخة
1 / 21
اسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منهاو أن يعلم له ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله» (١)
بعد هذا نذكر نموذجا لما أعل بوهم الثقة فيه؛ وهو النموذج الآتي:
روى شعبة بن الحجاج، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل أن النبي ﷺ قرأ: «غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، وخفض بها صوته» (٢)
قال أبو عيسى الترمذي: «وسمعت محمدًا يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا؛ وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث: فقال: عن حجر أبي العنبس وانما هو حجر بن عنبس ويكنى أبا السكن. وزاد فيه: عن علقمة بن وائل وليس فيه عن علقمة، وانما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر. وقال: وخفض بها صوته، وانما
_________
(١) هدي الساري ٣٩٠ وانظر تهذيب التهذيب ١/٣١٠ وما بعدها ونصب الراية ١/٣٤١ وما بعدها.
(٢) هذه الراوية ذكرها الترمذي ٢/٢٨ تعليقا، ورواه موصولا من حديث سفيان عن سلمة برقم «٢٤٨»، وقد أخرجه الدارقطني ١/٣٣٤ وقال: «كذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال أنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: رفع صوته بآمين وهو الصواب» . وقال الحافظ في التلخيص ١/٢٥٢ «وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح» وقد أخرجه أحمد ٤/٣١٦، والدار مي ١/٢٨٤، وأبو داود (٩٣٢)، والنسائي ٢/٢٤٥، والبيهقي ٢/٥٧، والدارقطني ١/٣٣٤ من طريق سفيان. وأخرجه ابن أبي شيبة ١/٢٩٩، وأبو داود (٩٣٣)، والترمذي (٢٤٩) من طريق العلاء بن صالح، والطبراني ٢٢/١١٣ من طريق محمد بن سلمة؛ ثلاثتهم عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل ولفظ رواية سفيان «يمد بها صوته» وعند أبي داود والطبراني «يرفع بها صوته» ولفظ العلاء بن صالح «فجهر بآمين» . وقد صححه ابن حجر في التلخيص ١/٢٥٢.
1 / 22
هو: ومد بها صوته» .
قال أبو عيسى: «وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة قال وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان» . ثم ساق الترمذي متابعة العلاء لسفيان (١) فهذا مثال الحديث المعل بالمعنى الاصطلاحي الخاص، وذلك لأن الذي ينظر الى رواية شعبة بن الحجاج ﵀ لا يظن أن فيها علة لأنها رواية جاءت بسند متصل برواية الثقات المعروفين لا سيما وهو من رواية شعبة المعروف بالتشدد في رواية الأحاديث النبوية لكن عرفت علته بجمع الطرق والموازنة والنظر الدقيق في أسانيده ومتونه.
بعد هذا أذكر نموذجا آخر للحديث المعل بخطأ الراوي الضعيف، وهذا بناء على المعنى العام للعلة وهو النموذج الآتي:
روى ابن أبي ليلى (٢)، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي، عن علي أنه سمع النبي ﷺ يقول: «آمين حين يفرغ من قراءة فاتحة الكتاب» .
قال أبو حاتم الرازي: «هذا خطأ عندي انما هو سلمة عن حجر أبي العنبس عن وائل بن حجر عن النبي ﷺ) (٣) .
فقد روى ابن أبي ليلى هذا الحديث ومحمد بن أبي ليلى ضعيف لسوء حفظه، وقد أخطأ في الاسناد وبين ابن أبي حاتم هذا الخطأ.
_________
(١) برقم (٢٤٩) .
(٢) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن، صدوق سيء الحفظ جدا. تقريب التهذيب ٢/١٨٤، تهذيب التهذيب ٩/٣٠١.
(٣) علل الحديث ج١/٩٣ رقم ٢٥١.
1 / 23