construct ؛ أعني ما يجمع في تكوينه بين انطباعات مباشرة وانطباعات قديمة مختزنة، ولا ينكر بيرسن أهمية دور الاستدلالات العقلية في تكوين ما نسميه بالموضوعات الخارجية: «فنحن عندما نذكر أن كل محتويات ذهننا مبنية آخر الأمر على انطباعات حسية، فإننا نحرص في الوقت نفسه على تأكيد أن الذهن قد انتقل - عن طريق التصنيف والعزل - إلى إدراكات عقلية بعيدة كل البعد عن الانطباعات الحسية التي يمكن تحقيقها مباشرة، فمحتويات الذهن في أية لحظة أبعد تماما عن أن تكون مطابقة لنطاق الانطباعات الحسية الواقعية أو الممكنة في تلك اللحظة، ونحن نستخلص على الدوام من انطباعاتنا المباشرة والمختزنة استدلالات بشأن الأشياء التي تتجاوز نطاق التحقيق المباشر بالحس؛ أي إننا نستدل على وجود أشياء لا تنتمي إلى العالم الموضوعي، أو لا يمكن على أية حال التحقق بانطباع حسي مباشر من أنها منتمية إليه في اللحظة الراهنة»،
2
ويرى بيرسن أن مهمة العلم الحقيقية هي تصنيف محتويات الذهن هذه وتحليلها، والقيام بمقارنات واستدلالات دقيقة من الانطباعات الحسية المختزنة. ومن الإدراكات العقلية المبنية عليها؛ أي إنه - مع اعترافه بأن الانطباع الحسي هو الحقيقة الأولى لكل إدراك - يؤكد أن هذا الانطباع لا يصبح موضوعا للعلم إلا بعد أن يصل إلى مرحلة الإدراك العقلي
conception ، أو الإدراك الحسي
على الأقل.
ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الموقف الذي اتخذه بيرسن منذ البداية إلى نتائج ذاتية مثالية واضحة: فليس في وسعي أن أدرك إلا وعيي الخاص. أما وعي الآخرين فيدرك نتيجة استدلال فحسب،
3
وأما العالم الخارجي فهو في نظره «فكرة مزعومة»؛ ذلك لأن أقصى ما يمكننا أن نقترب به من ذلك العالم المسمى بالخارجي هو أطراف أعصابنا الحسية، وهو يشبه موقفنا بموقف عامل «التليفون» الذي لا يتصل بالمتحدثين إلا من خلال الطرف المجاور له من أسلاك «التليفون». بل إننا في موقف أسوأ من موقف صاحبنا هذا؛ إذ إننا لم نخرج أبدا من مركز «التليفون» ولم نشاهد أبدا واحدا من أولئك المتحدثين الذين تصلنا أصواتهم من خلال الأسلاك؛ فالعالم الخارجي بالنسبة إلينا - كما هو بالنسبة إلى هذا العامل - هو مجموع الرسائل أو المكالمات التي تنقلها الأسلاك (أو الأعصاب) إلينا حيث نكون، «فالرسائل تتوالى علينا من ذلك العالم الخارجي المزعوم في صورة انطباعات حسية، ونقوم نحن بتحليل هذه الرسائل وتصنيفها واختزانها وإجراء الاستدلال عليها. غير أننا لا نعرف شيئا على الإطلاق عن طبيعة «الأشياء في ذاتها»، وما يمكن أن يوجد عند الطرف الآخر من نظام الأسلاك التليفونية الخاص بنا.»
4
وإذن فمعرفتنا تقتصر على ما تنقله إلينا الأعصاب من أطرافها القريبة منا. أما ما يقع في الطرف الآخر منها، فيظل غير معروف وغير قابل لأن يعرف، وعالم الانطباعات الحسية هذا مغلق علينا تماما، ولا أمل لنا في أن نبعد عنه خطوة واحدة، وإذن ففكرتنا عن العالم الخارجي ليست إلا «إسقاطا» منا لانطباعاتنا الحسية خارجنا، ولا يوجد أساس للتمييز بين ما يوجد داخلي وما يوجد خارجي سوى «كمية الانطباع المباشر»،
نامعلوم صفحہ