harmonie préétablie
بين الكائنات كلها في الكون، ومصدر هذا الانسجام هو الإرادة الإلهية، التي شاءت أن تتفق إدراكات النفس الواحدة مع إدراكات كل نفس أخرى، مع أن كلا من هذه النفوس مقفلة تماما على ذاتها، ولا سبيل إلى اطلاعها على ما يحدث في الأخريات. وهكذا يرى ليبنتس أن الأصل الإلهي المشترك لكل النفوس هو الذي يضمن منذ الأزل حدوث انسجام بين إدراكاتها؛ بحيث يكون قد قدر لها منذ البداية أن تكون صورة متوافقة متسقة لعالم واحد رغم اختلاف وجهات نظرها إليه.
وتؤدي فكرة الانسجام هذه إلى حل مشكلة العلاقة بين النفس والجسم على نحو يلائم اتجاه ليبنتس الفكري الخاص. ولعل أفضل وسيلة لعرض طريقة ليبنتس الخاصة في اتخاذ فكرة الانسجام سبيلا إلى فهم العلاقة بين النفس والجسم، هي أن نقدم مقتطفات من نصوصه التي يظهر فيها رأيه في هذه المشكلة بوضوح كامل.
يشرح ليبنتس في رسالة له أصبحت تعرف - ضمن مجموع مؤلفاته - باسم «الإيضاح الثاني»
deuxiéme éclaircissement ، رأيه في هذا الموضوع من خلال تشبيه طريف فيقول: «لنفرض أن هناك ساعتين متفقتين تماما كل مع الأخرى في الدلالة على الوقت، مثل هذا الاتفاق يمكن أن يحدث على واحد من أنحاء ثلاثة: أولها أن يكون هناك تأثير متبادل على الواحدة في الأخرى، والثاني أن يكون الاثنتان معا خاضعين لعناية مستمرة من مشرف يدأب على ضبطهما، والثالث أن تظل كل منهما بذاتها دقيقة تماما في ضبط الوقت، والطريقة الثالثة تقتضي صنع الساعتين منذ البداية بمهارة وفن يضمنان لنا اتفاقهما في المستقبل، وتلك هي الطريقة التي أطلق عليها اسم الاتفاق المقدر، فإذا وضعنا النفس والجسم محل الساعتين؛ لوجدنا أن اتفاقهما أو انسجامهما يمكن أن يحدث على واحدة من طرائق ثلاث: الأولى هي طريقة التأثير، وهي طريقة الفلسفة الشائعة. ولكن لما لم يكن ثمة وسيلة لتصور الطريقة التي يمكن بها أن تنتقل الدقائق المادية أو الصفات اللامادية أو الأنواع الحسية من أحد هذين الجوهرين إلى الآخر، فمن الواجب التخلي عن هذا الفرض. أما طريقة الاستعانة بمشرف فهي مذهب العلل الفرضية
causes occasionnelles ، ولكني أرى أن ذلك يعني إقحام الألوهية في حادث طبيعي مألوف ينبغي - وفقا للمبادئ العقلية - ألا يتدخل فيه شيء مضاد للمجرى العام للحوادث الطبيعية، فلا يتبقى إذن سوى فرضي - أعني طريقة الانسجام المقدر - التي نقول فيها إن القدرة الإلهية الأزلية قد صاغت الجوهرين منذ البداية ونظمتهما بدقة تبلغ من الكمال حدا يجعل كلا منهما، في سيره وفقا لقانونه الخاص الذي اكتسبه مع وجوده، يتفق تماما مع الآخر وكأن هناك تأثيرا متبادلا، أو كأن الله يتدخل بيده دائما ليحدث هذا الاتفاق العام»، ويزيد ليبنتس فكرته وضوحا حين يقول في «المونادولوجيا»:
ولقد أتاحت لي هذه المبادئ أن أهتدي إلى تفسير طبيعي للاتحاد أو الاتفاق بين النفس والجسم العضوي؛ فالنفس تتبع قوانينها الخاصة، والجسم كذلك يتبع قوانينه الخاصة، وهما يلتقيان بفضل الانسجام المقدر بين جميع الجواهر، ما دامت الجواهر كلها تمثل كونا واحدا، فالنفوس تسلك - وفقا لقوانين العلل الغائية - عن طريقة النزوع أو الرغبة
appétiton
والغايات والوسائل. أما الأجسام فتسلك وفقا لقوانين العلل الفاعلة أو الحركات، والعالمان - عالم العلل الفاعلة وعالم العلل الغائية - منسجمان فيما بينهما.
8
نامعلوم صفحہ