قائمة الغياب أو التخلف مع التقارب
Table of Deviation or Absence in Proxemety . وفي هذه القائمة تجمع أمثلة مشابهة لتلك التي وردت في القائمة الأولى. ولكنها تتميز عنها بغياب الظاهرة المراد بحثها، أي الحرارة؛ ففي مقابل ضوء الشمس في القائمة الأولى، نجد ضوء القمر الذي يماثله في كل شيء ما عدا افتقاره إلى الحرارة. وهكذا الحال في بقية الأمثلة؛ ومن هنا كان اسم «التخلف مع التقارب»، أي تخلف الظاهرة رغم تقارب طبيعة الأمثلة، وتزيدنا هذه القائمة اقترابا من موضوع البحث في طبيعته المنفصلة. (3)
والقائمة الثالثة هي قائمة التدرج أو المقارنات
Table of Degrees or Comparisons ، وهي جمع الحالات التي تختلف فيها درجات الظاهرة المراد بحثها بين الشدة والخفوت، أي تتفاوت فيها درجة حرارة الموضوع الواحد في أوقات مختلفة، أو تختلف من موضوع لآخر كما في تفاوت درجات حرارة أشعة الشمس في الساعات المختلفة من النهار.
وبعد جمع هذه القوائم الثلاث، تبدأ عملية الرفض والاستبعاد؛ أي استبعاد النظريات والفروض التي تتنافى مع ما تضمنته القوائم من معلومات، مثال ذلك النظرية القائلة إن الحرارة تأتي من مصدر خارج عن الأرض، وهي تستبعد لأن القوائم تدلنا على أن الحرارة تتولد في أجسام أرضية أيضا، كذلك تستبعد النظرية اليونانية القديمة، القائلة إن الحرارة تتوقف على وجود عنصر معين في الجسم الحار كعنصر النار، أو أية نظرية تربط بين الحرارة وبين العناصر الأربعة؛ لأن أشعة الشمس حارة، وهي ليست من هذه العناصر، ولأن أي جسم يمكن أن يكتسب الحرارة بالاحتكاك، ولما كانت الأجسام لا يزيد وزنها أو ينقص بالحرارة، فإن بيكن يستبعد الرأي القائل إن الحرارة هي انتقال جسم من جوهر إلى آخر. وهكذا يمضي بيكن في استبعاد النظريات الباطلة واحدة تلو الأخرى، حتى يصل إلى التحديد الإيجابي للظاهرة المراد بحثها، فيعرف الحرارة بأنها نوع من الحركة، هي «حركة للجزئيات الصغيرة في الأجسام، يحال فيها دون الميل الطبيعي لهذه الأجسام إلى التباعد بعضها عن البعض». وهذا التعريف يمثل بطبيعة الحال تقدما كبيرا بالنسبة إلى النظريات القديمة ، وهو شاهد عملي على أن منهج بيكن الجديد يؤدي إلى نتائج أفضل كثيرا مما كانت المناهج القديمة تؤدي إليه.
على أن نظرية بيكن في الاستقراء كانت قائمة على الاعتقاد بأن في الكون عددا محدودا من «الطبائع
natures »، هي تلك التي تكون الأشياء كلها بتجمعها وتفرقها. وكان بيكن يعتقد أن بإمكاننا كشف سر الكون كله إذا عرفنا حقيقة هذه الطبائع وكشفنا قوانينها؛ ومن هنا كان العالم في نظره بسيطا إلى حد بعيد. وكان يؤمن بإمكان الوصول إلى مجموعة هائلة من الكشوف والاختراعات، ضمان السيطرة «الكاملة» للإنسان على الطبيعة، إذا قمنا بعدد معلوم من الأبحاث الطبيعية. وكان هدف بيكن من «دائرة المعارف» ومن بقية الخطط والمشروعات العلمية التي رسمها في كتاباته، هو الدعوة إلى إنجاز هذه الأبحاث لكشف أسرار الكون كلها، وهو أمر كان يعتقد بإمكان حدوثه في وقت قريب إذا توافرت الإمكانيات، وتلك ولا شك سذاجة مفرطة في التفكير، ولكنها تدل في الوقت ذاته على الإيمان بأن للعلم قدرة مطلقة.
ولقد كان بيكن يعتقد بأن الجزئيات اللامتناهية هي الموضوع الحقيقي للعلم، وإنما تمثل هذه الجزئيات عددا في الأشياء الجزئية. وهكذا تتمثل طبيعة كالحرارة في موضوعات متعددة كالنار وأشعة الشمس وجسم الإنسان والحيوان، ولهذه الطبيعة «صورة» تحكمها في كل مظاهرها؛ ومن هنا فإن العلم لا شأن له بالجواهر في صورتها الطبيعية، وإنما الأصح بحث هذه الجواهر من خلال ما فيها من طبائع أساسية، وكشف «الصور» التي تندرج تحتها طبائع الأشياء جميعا.
ولقد أثار استخدام بيكن للفظ «الصور
forms » مشكلات كثيرة بين الشراح: فرأى البعض أنه عاد إلى استخدام أسلوب الميتافيزيقا الأرسطية، وأنه قد عاد رغما عنه إلى الأخذ بالاتجاهات التي كان يعيبها على الفلسفات القديمة. وكان من أهم الأسباب التي أدت إلى إثارة هذه المشكلات، غموض معنى «الصور» في كتابات بيكن. وهكذا يشير «بروشار» إلى ثلاثة معان رئيسية لكلمة «الصورة» عند بيكن، أولها أنها هي «الفصل» الحقيقي ؛ أي إنها ما يتم به التعريف؛ فالصورة هي الجنس تعريف الحرارة الذي أشرنا إليه من قبل، والشروط التي تحدد هذا الجنس وتخصصه بحيث ينطبق على الحرارة وحدها هي الفصل. كذلك فإن الصورة هي الماهية أو ما يوجد كلما وجد الشيء، وما يوجد الشيء كلما وجد، والمعنى الثالث هو القانون، أو قانون الفعل المحض للظاهرة،
نامعلوم صفحہ