Weitz, Morris: Philosophy of The Arts. Harward U. p. 1950.
Wellek, René: A History of Modern Cristicisme. Yale U. p. 1955 Vol. 1.
الخلق الفني بين العلم والتجربة الشخصية
لن نستطيع أن نفهم معنى تعبير «الخلق الفني» فهما دقيقا إلا إذا أجرينا مقارنة بين هذا النوع من الخلق وبين نوعين آخرين: أحدهما يفترض أنه أعلى منه مرتبة، والثاني أدنى منه، ومن خلال هذه المقارنة يمكن أن تتضح لنا مكانة الخلق الفني بين أنواع أخرى من النشاط يمكن أن تختلط به في الأذهان. (أ)
فلفظ الخلق مرتبط في الأذهان بالخلق الإلهي، حتى إن الكثيرين يتحرجون من استخدام هذا اللفظ في أي مجال سوى المجال الديني. ولكن الواقع أن هذا الحرج مبالغ فيه؛ إذ من المعترف به أن الإنسان ينتج أو يولد أشياء لم تكن موجودة من قبل؛ ومن ثم يمكن أن يعد فعله هذا «خلقا». ولكنا حين نقول: إن ما ينتجه الإنسان «لم يكن موجودا من قبل» ينبغي أن نتحفظ قليلا في استخدام هذا التعبير، فهل صحيح أن أي إنتاج إنساني لم يكن له وجود قبل أن يصنعه الإنسان؟ من الجائز أن هذا الإنتاج - بعد أن اكتمل - قد أصبحت له صورة لم يكن يعرفها الناس من قبل. ولكن الأمر المؤكد هو أن «مادة» هذا الإنتاج على الأقل كانت موجودة؛ ولذلك يستحيل القول بأن العمل قد خلق «من العدم »، وهنا يكمن الفارق بين تعبيري: «الخلق الإلهي» و«الخلق الفني»؛ فالمفروض أن الخلق الإلهي يتم من العدم، دون أن يمهد له شيء، فهو عملية مفاجئة، تحدث كاملة بلا مقدمات. أما الخلق الفني فمهما كانت درجة اكتماله، فإنه يظل مع ذلك مرتبطا بسوابق لا نهاية لها: منها التراث الفني السابق، والمجتمع الذي يظهر فيه هذا العمل، والتكوين الشخصي للفنان، وغير ذلك من الشروط الممهدة التي لا يمكن أن يكون للعمل بدونها معنى أو صدى، بل لا يمكن أن يظهر أصلا.
ومع ذلك فإن الشكل النهائي للعمل الفني بالذات يكون مختلفا عن الأصل المادي أو المعنوي الذي انبثق منه، إلى حد يقترب فيه هذا العمل من الخلق الإلهي اقترابا يدعو إلى العجب، وهذا ما عبر عنه الناس تعبيرا مباشرا - منذ أقدم العهود - حين نظروا إلى الفنان على أن فيه قبسا من الألوهية، وما عبر عنه بعض أنصار الفن المتحمسين في عصرنا الحديث بقولهم: إن الفن ينافس الخلق الإلهي أو يعيد تصوير العالم كما كان الفنان يريده أن يكون لا كما نتج أصلا بالخلق الإلهي، وأيا كانت التعبيرات التي تستخدم، فإن الأمر الذي يتفق عليه الكثيرون هو أن الإنسان يقترب من الألوهية إلى أقصى حد حين يبدع فنا. ومع ذلك فإن هذا التقارب لا ينبغي أن ينسينا حقيقتين أساسيتين، وهما أن الخلق الإلهي يوصف بأنه يحدث من العدم، على حين أن الخلق الفني يفترض مقدمات لا غناء عنها من أجل ظهور العمل الفني، وأن نتاج الخلق الإلهي هو الطبيعة، على حين أن نتاج الخلق الإنساني مستقل عن الطبيعة ومقابل لها؛ أعني عملا فنيا. (ب)
وهذه الحقيقة الأخيرة تقودنا إلى تفرقة ثانية بين الخلق الفني ونوع آخر من الخلق، هو ما نسميه عادة بالصنعة، وإذا كانت التفرقة السابقة قد حددت الصلة بين الفن وبين نوع آخر من الخلق يوصف بأنه أعلى منه مرتبة، فإن التفرقة الحالية تحدد علاقة الفن بما هو أدنى منه مكانة؛ أعني نتاج الصنعة الحرفية، فقد وصفنا الخلق الإنساني من قبل بأنه نتاج مستقل عن الطبيعة ومقابل لها. ولكن هذه في الواقع صفة يتسم بها كل جهد يبذله الإنسان لإعادة تشكيل الطبيعة وفقا لأغراضه أو لتصوراته الخاصة؛ فالكرسي الذي يصنعه النجار ليس قطعة من الطبيعة، وإنما هو تشكيل جديد لمادة تقدمها الطبيعة، من أجل تحقيق منفعة إنسانية معينة، فهل يعني ذلك أن الفن لا يزيد - بدوره - عن أن يكون نوعا من الصنعة؟
هناك - وفي واقع الأمر - اختلافات مؤكدة بين إنتاج الفنان وإنتاج الصانع؛ فالأول عمل فردي، والثاني عمل نمطي؛ ذلك لأن الصانع ينتج مجموعة متكررة من الأعمال، وإذا حدث أن أنتج عملا واحدا لا يتكرر، فإنا نمتدح مثل هذا العمل فنصفه بأنه «قطعة فنية»، ونعني بذلك أن نتاج الصنعة إذا كان فرديا فإن الحد الفاصل بينه وبين العمل الفني يكاد يختفي. وفضلا عن ذلك فإن للتعود الآلي دورا هاما في طريقة إنتاج الصانع، على حين أن الفنان ينتج بصورة تلقائية لا أثر فيها للعادات الآلية. وربما كان أهم هذه الفوارق جميعا هو الدور الكبير الذي يقوم به الخيال في عمل الفنان؛ فالعمل الفني - أيا كان شكله النهائي - هو في واقع الأمر خيال متجسد، على حين أن نتاج الصنعة واقعي مادي، ويترتب على ذلك أن العمل الفني لا يستهدف إلا إرضاء حاستنا الجمالية، بينما يستهدف عمل الصانع دائما تحقيق غرض علمي.
ولكن على الرغم من هذه الفوارق، فمن الواجب أن نتذكر أن الفن ليس منفصلا عن الصنعة انفصالا تاما، فهناك صلة تاريخية قوية بينهما؛ ذلك لأن الصانع هو السلف الأول للفنان، بل إن الحد الفاصل بين الفنان والصانع لم يكن واضحا في العصور القديمة، وما زالت كثير من اللغات تحمل آثار هذا التوحيد القديم بين الفنان والصانع، فلفظ
techné
نامعلوم صفحہ