rypture
بالنسبة إلى كل ما سبقه. فما هي السمة المميزة لتفكير ماركس في هذه المرحلة الرئيسية، مرحلة الجدة والاستقلال عن التراث الفلسفي السابق؟
لكي يتسنى لنا الإجابة عن هذا السؤال، ينبغي علينا أن نلقي الضوء على لفظ محوري في لغة ألتوسير، استخدمناه منذ قليل دون إيضاح لمعناه، وهو لفظ
(مستخدما بوصفه اسما لا صفة)؛ ففي رأي ألتوسير أن كل مذهب فكري له إشكاله الخاص، أو على الأصح: إطاره الإشكالي المميز، الذي تدور في نطاقه كل تفاصيله وجزئياته. بل إن كل أيديولوجية ينبغي أن تفهم على أنها تؤلف كلا تجمعه وحدة باطنة، هي وحدة ذلك الإطار الإشكالي أو التساؤلي الذي تتصدى للإجابة عنه، والذي تنفرد به عن غيرها، ويشكل البؤرة المركزية المميزة لتكوينها النظري،
40
وسيان أن ننظر إلى هذا المحور الأساسي في ضوء تشبيه الإطار؛ بحيث يكون هو الهيكل الذي تندرج «في داخله» كل التفاصيل ولا تفهم إلا من خلاله، أو في ضوء تشبيه النواة المركزية؛ بحيث تكون هذه التفاصيل دائرة «حوله» ومتجهة نحوه، فإن المهم في الأمر أن فهم هذا المحور أساسي من أجل الوصول إلى معنى كل قضية من القضايا التي تثار في المذهب أو الأيديولوجية المعينة.
على أنه لا يتعين أن يكون المفكر على وعي بالإطار الإشكالي الذي يدور في داخله تفكيره، أو أن يصرح به في كتاباته بوضوح. بل إن هذه هي مهمة المفسر الذي ينبغي عليه أن يستخلصه من كتابات بطريقة ضمنية ، وأن يقرأ ما بين السطور، ولا يكفي بما هو مصرح به. وفي كثير من الأحيان لا يكون السؤال الأساسي أو المحوري هو ذلك الذي «يبدو» بارزا في كتابات الفيلسوف؛ ففي كتاب «رأس المال» يبدو أن الفكرة الرئيسية هي فكرة العمل وعلاقته برأس المال. ولكن التفسير الصحيح في رأي ألتوسير ينبغي أن يرتكز على التقابل بين القيمة والقيمة الاستعمالية
valeur d’usage
وعلى فكرة فائض القيمة، ومن هاتين الفكرتين يستخلص «البناء» الأساسي الذي أخذ ماركس يطوره وينميه طوال الأجزاء الثلاثة من كتابه الرئيسي، بغض النظر عن الترتيب الفعلي الذي سار عليه من جزء إلى آخر.
هذا «البناء» المميز للماركسية ذو طابع موضوعي، أصبحت بفضله الماركسية «علما» بالمعنى الصحيح. أما تفسير الماركسية من خلال كتابات الشباب التي كانت تنظر إلى الإنسان بوصفه الموضوع الأساسي للبحث، وتعده المحرك الوحيد للتاريخ، وتركز جهودها على تحقيق صورة مثلى للإنسانية، فأقل ما يقال عنه إنه يصبغ الماركسية بصبغة رومانتيكية تضيع معها علميتها وموضعيتها وانضباطها، فأصل البحث الماركسي ومحوره هو ذلك البناء الاجتماعي الاقتصادي الذي يحمل الإنسان في طياته، والذي يساعدنا - إذا شئنا - على أن نفهم الإنسان في داخله، وإن لم يكن مستمدا من المقولات الإنسانية؛ لأنه يتعلق بحقيقة مستقلة عنها، لها قوانينها الموضوعية، شأنها شأن أي بناء آخر. وكل تحليلات ماركس للصراع الطبقي من هذا النوع المرتكز على قوانين بنائية تنتمي إلى تركيب المجتمع ذاته، وتفرض نفسها على الإنسان.
نامعلوم صفحہ