الاهداء
أي ولدي العزيز مصطفى (1) كانت سعادتي في وجودك ، وحياتي تستضئ بنورك ، فلما أفل بدرك ، وغاب عن عيني شخصك ، أطبقت على الدنيا بأحزانها وبأسائها ، وأصبحت غريبا فيها وإن كنت من أبنائها . فإليك يا ولدي العزيز أهدي هذا الكتاب الذي ما قصدت بتأليفه إلا وجه الحق الذي فطرك الله عليه ، وكنت دائما تؤثره وتسكن إليه ، وخدمة العلم الذي أخلصت له نفسك ، وأفنيت فيه عمرك ، وجاهدت حق الجهاد في تحصيله ، وقضيت نحبك في سبيله . وإني والله يا بني لعلى ما عهدت من حب عميق لك لم يظفر بمثله أحد غيرك ، ومكانك من قلبي لا تدنو منه نفس سواك . لئن غبت عن عيني وشط بك النوى * فأنت بقلبي حاضر وقريب خيالك في وهمي ، وذكرك في فمي * ومثواك في قلبي فأين تغيب ؟ أما الاسى لك ، والحزن عليك ، فلا ينال منهما مرور الايام ، ولا يخففهما تطاول الاعوام ، إذ لا صبر عليك ولا سلوان عنك . كيف أرجو شفاء ما بي ، وما بي * دون سكناي في ثراك شفاء شطر نفسي دفنت ، والشطر باق * يتمنى ! ومن مناه الفناء القاهرة - الجيزة محمود أبوريه
---
(1) هو ولدي العزيز مصطفى صادق ، ترقبه القضاء وهو يتهيأ للخروج إلى الحياة بعد إتمام دراسته الهندسية الكهربائية بجامعة القاهرة فعاجله بسهم مسوم نفذ إلى (صدره) فتلقته مصحة حلوان ليعاني فيها برحاء المرض ، ويتلوى من غرز الابر ثلاث سنين سويا ، ثم فاضت روحه إل بارئها ، وكان ذلك في فجر يوم الخميس غرة رمضان سنة 1359 - 3 أكتوبر سنة 1940 ولما يتجاوز الثانية والعشرين من عمره ، ولم يدعني القضاء أتجرع الفجيعة التي قصمت ظهري فثنى بسهم آخر أصاب (كبد) أمه بعد أن ابيضت من الحزن عليه إحدى عينيها ، فخرت صريعة بيني وبين أولادها . وقد أضرحت لها مع عزيزها لتأنس به ويأنس بها . وغادراني بعدهما في حزن مقيم وعذاب أليم ، إلى أن يلحقني الله بهما . (*)
--- [ 7 ]
صفحہ 6