[أضواء على الصحيحين للشيخ محمد صادق النجمي]
كتاب أضواء على الصحيحين
المؤلف: للشيخ محمد صادق النجمي كلمة الناشر
صفحہ 1
لقد منيت السنة النبوية الشريفة منذ بد تاريخ الاسلام بالمنع والتحريف والوضع والدس، بل كان الوضع مما منيت به في عهد الرسالة، ولقد ورد عن الرسول الاكرم (ص): «لقد كثرت القالة علي».
ومما زاد الوضع ازمة منع تدوين الحديث زها قرن او اكثر ومن هنا فقد حاول جمع كثير من المؤلفين تنقيح الحديث من الموضوعات والمدسوسات، وممن ادعى ذلك البخاري ومسلم، وقد سمي كتاباهما بالصحيحين، وحظي الكتابان بالقبول من عامة علماء اهل السنة وعامتهم حتى عدا تلو القرآن العظيم، ولم يجترئ احد على رمي حديث مما وردفيهما بالضعف، ولكن حدثت اخيرا محاولات لتحطيم هذه الاسطورة فكتب في ذلك المؤلفات ونشرت المقالات في الصحف والمناشير لاثبات ان ما كل ما في البخاري ومسلم صحيح.
ومما كتب في هذا المضمار كتاب اضوا على الصحيحين الذي الف اصله باللغة الفارسية العلامة البحاثة الفذ الشيخ محمد صادق النجمي حفظه الله، وقد بحث فيه عن موارد التناقض وما لا يمكن قبوله من احاديثهما لمخالفته الكتاب او السنة القطعية او العقل القطعي وهو كتاب جليل في موضوعه، وترجمه صاحب الفضيلة الشيخ يحيى كمالي البحراني.
ومؤسسة المعارف الاسلامية اذ تنشر هذا السفر الجليل تشكر المؤلف والمترجم وتتمنى لهما دوام التوفيق والعز والتاييد.
كما تشكر المؤسسة الاخوة الذين ساهموا في انجاز هذا الكتاب وتخص بالذكر الافاضل: محمود البدري وفارس حسون كريم لما بذلاه من جهد في اصدار الكتاب.
والحمد لله اولا وآخرا، والصلاة على رسوله والائمة الميامين من آله.
صفحہ 5
--- ... الصفحة 6 ... --- --- ... الصفحة 7 ... ---
صفحہ 6
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على خاتم رسله وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
فان كل متتبع يعلم ضرورة ان من الطاف الله جل شانه على البشرية ان ارسل اليهم الانبياء والمرسلين هداة للناس، وخص هذه الامة المرحومة باشرف انبيائه وخاتم سفرائه سيدنا محمد (ص)، اذ ارسله برسالة خالدة وبكتاب مجيد فيه تبيان كل شي ، فمن تمسك به هدى ومن ضل عنه غوى وهوى.
ولما كان هذا الكتاب المعجزة النبوية الخالدة يحتوي على الكليات والعمومات والاطلاقات والمحكمات والمتشابهات ما لا يفهمه ولا يدرك مغزاه الا النبي (ص) ومن غره النبي بالعلم غرا وعنده علم الكتاب، فقام النبي (ص) بتفسيره وبيانه وتخصيص عموماته وتقييد محكماته عملا وقولا.
فكان عمل النبي وقوله وتقريره السنة النبوية ركيزة ودعامة ثانية اعتمد عليها المسلمون في فهم دينهم، ومعرفة الاسلام الذي اتى به النبي (ص).
وعندما افترقت الامة علنا بعد النبي (ص) كما كانوا فئات مختلفة في حياته راى زعماكل فرقة اهمية الحديث النبوي ودوره في استمرارية الدين وديمومته ومكانته الاجتماعية والثقافية والتوعوية، فمنهم من اخظر التحديث عن النبي رواية وكتابة حتى آل الامر الى ضرب رواة الحديث واقصائهم ومنعوا تدوينه، ومنهم من اكد على ضرورة روايته وكتابته، واعتبر ان اقوال النبي (ص) كالقرآن، وانه قال: انما اوتيت القرآن ومثله --- ... الصفحة 8 ... ---
صفحہ 7
معه، واقواله بل اعماله وتقريراته كلها مبتنية على اساس الوحي الالهي (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى)(1).
وبعد فتور زمني طويل يزيد على قرن واحد احس بعض اتباع المانعين من التدوين والرواية بضرورة حفظ سنة النبي (ص) القولية والعملية، فامروا شيعتهم بذلك، فظهرت من بعد هذا الامر الخليفي مدونات ومصنفات صغيرة وكبيرة ملات الدنيا ودورها، فيهامرويات واحاديث عن رسول الله (ص) واصحابه رواها الناس على فئاتهم.
ولما كانت الغايات في رواية احاديث النبي (ص) مختلفة سطع نجم هوى الخليفة وكسب عطاياه في صدارة الغايات بعد ان افلت الغايات الاخرى وخاصة الخالصة لوجه الله عز وجل، فظهر المكذبون والمزورون والمدلسون والوضاعون ولبسوا لباس راوية الحديث والمحدث والمفسر وغيرهم، ودونت كلمات في الكتب والمجاميع والسنن مما اتعبت فيما بعد علماء الرجال والتراجم وائمة الحديث.
ومن المدونات التي فاق صيتها واسمها الافاق، ونالت من المديح والاطرا الكثير: الجامع الصحيح لابي عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري 194 256 ه، والجامع الصحيح لابي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري 206 261 ه.
وقد اعتبر علماء اهل السنة هذين الكتابين اصح الكتب واتقنها واضبطها بعد القرآن، واعتمدوا عليهما تمام الاعتماد، واهتموا بهما غاية الاهتمام، حتى غالوافي اطرائهم عليهما وصححوا جميع ما ورد فيهما والبعض انزل صحيح البخاري منزلة العصمة، كالقرآن لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا يجوز نقده متناوسندا.
فاما المتن قالوا: انه خرج من شفتي النبي.
واما سنده فقالوا: من اخرج له البخاري فقد جاز القنطرة.
ولكن بعض الحفاظ لما امعنوا النظر ودققوا البصر في الصحيحين راوا ما هو مبائن --- ... الصفحة 9 ... ---
صفحہ 8
لهذه الاطراءات والمدائح، فكتبوا كتبا مستقلة او ضمنا في النقد والرد على صحيح البخاري ومسلم، كالدارقطني(1) وابن حجر(2) وغيرهما.
وما احوجنا نحن المسلمون في هذا العصر الى الخروج عن الانطباع على حالة التعبدية والصنمية، والانفتاح الصحيح على القيم والموازين الدينية الاصيلة التي تسوقنا الى معرفة السنة النبوية الصحيحة الصافية عن الترهات، والمهذبة من الشطحات، وتنقيحهاحتى لا تتسنى الفرص لاعدا الدين الالدا بالنيل من الاسلام والرسول ورسالته.
وهذا الكتاب على اجماله واختصاره قد تكفل مؤلفه العلامة الشيخ محمد صادق النجمي بيان نقاط الضعف والسقم في الصحيحين باسلوب علمي مبسط، وقد حاولنافي تعريبه رعاية هذا الاسلوب المبسط ليقراه العالم وغيره وارجو من العلي القدير ان يكون هذا الكتاب نافذة تطل على تنقيح السنة النبوية الشريفة من ادران الوضاعين والكذابين.
ولا يسعني هنا الا ان امد يد الشكر والامتنان الى اخي وصديقي الاستاذ الفاضل السيدمحمد جواد المهري الذي شوقني بامره بترجمة الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ وله الفضل والمنة، واقدم كذلك فائق تقديري للاخوة المسؤولين في مؤسسة المعارف الاسلامية حيث كانوا هم المشوقين لي في هذا العمل المتواضع.
واخيرا اليك يا زهرة المصطفى، ويا بضعة النبي المجتبى، يا سيدتي يا فاطمة، يا ايتها العزيزة، قد مسنا واهلنا الضر وجئناك ببضاعة مزجاة فاوفي لنا الكيل من الولاية، وتصدقي علينا بالشفاعة، ان الله يجزي المتصدقين، واجعلي يا مولاتي سقاية ودك ومحبتك في رحل قلبي وفؤادي، ثم خذيني اليك عبدا قنا.
واليكم يا قادتي وائمتي وشفعائي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، الا من اتى الله بقلب سليم، بولاية ابيكم امير المؤمنين وسيد الاوصيا، وصي رسول الله حقا، وخليفته --- ... الصفحة 10 ... ---
صفحہ 9
نصا، ووارثه وحيا، علي بن ابي طالب (ع) وولاية ابنائه الاحد عشر الائمة الهداة المعصومين (ع).
واليك يا سليل الاطهار، ووارث الابرار، وصي الاوصيا، وصفي الاصفيا، قامع اهل الضلالة والعتاة المردة، ومنجي البشرية من براثن النفاق والكفرة، بقية الله الاعظم الحجة ابن الحسن روحي وارواح العالمين له الفدا.
اهدي اليكم جميعا هذا العمل المتواضع فتقبلوه مني باحسن القبول.
واهدي ايضا الى جدي المرحومين المغفورين الحاج زاير علي كمالي والحاج غلام عباس درويش اللذين زرعا حب الولا لعلي (ع) في قلوب احفادهما فاسكنهما الله فسيح جنانه في زمرة اوليائه وبجوار النبي وآله.
ومن الله سبحانه وتعالى استمد العون واساله ان يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وان يمن علي وعلى والدي بالمغفرة والرحمة وشفاعة محمد وآله الطاهرين في يوم الدين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
يحيى كمالي البحراني
مولد الزهراء (س)
20 جمادى الثانية 1419 ه.
قم المقدسة --- ... الصفحة 11 ... ---
صفحہ 10
بسم الله الرحمن الرحيم
تأمل في مجرى الحديث
(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاوسيجزي الله الشاكرين)(1).
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(2).
(وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى)(3).
توفي رسول الله (ص) وقد ترك في امته واصحابه ثقلين كبيرين(4)، وهما: القرآن والعترة، وامرهم بالتمسك بهما ولا يتركوهما ابدا.
فقد كان الرسول (ص) قبل وفاته هو المتكفل لبيان الحقائق القرآنية، ونشرالتعاليم الاسلامية بين امته من العقائد والاحكام على نحو الحديث، وقال (ص) عن اهمية رواية الحديث ونقله: «نظر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فكم من حامل فقه الى من هو افقه منه»(5).
صفحہ 11
--- ... الصفحة 12 ... ---
وهنا يجدر بنا ان ننظر الى المجتمع الديني كيف واجه القرآن وعترة رسول الله بعد وفاة النبي (ص)؟ وماذا كان دور المجتمع في قبال احاديث رسول الله (ص)؟
تراهم انهم قد عزلوا اهل البيت (ع) عن المجتمع، وفرضوا عليهم الاقامة الجبرية في الدار، وعاملوهم معاملة بحيث لا يمكن ان يحدها قلم وبيان(1)، وعندما فلحواونجحوا في مؤامراتهم من اقصا حماة الدين الواقعيين عن المجتمع استطاعوا بعدها ان يفرقوا بين القرآن والاحاديث التي هي بمثابة تفسير للمفاهيم القرآنية ومن ثم فسروا القرآن واولوه حسب ما اقتضته اهواؤهم وسياساتهم.
ولما كانت اقوال رسول الله وسيرته التي تسمى بالسنة، سدا منيعا امام سياسة الخلفا، وسلاحا قويا بايدي مخالفي الخلفا، ولهذا فلم يكن للخلفاء واعوانهم سبيل سوى تجريد مخالفيهم من هذا السلاح.
فاول عمل بدا به الخليفة ابو بكر حاول ان يحتكر هذا السلاح في حيازته، فجمع خمسمائة حديث من احاديث رسول الله (ص) ودونها ولكن بعد برهة من الزمان علم ان هذا العمل لم يكن في صالحه لان حصر هذا الامر من المستحيلات، ولذلك صمم ان يحرق الاحاديث التي جمعها(2).
ولا شك ان من المستحيلات في ذاك العصر ان يتمكن الخليفة ابو بكر من ان يمنع --- ... الصفحة 13 ... ---
صفحہ 12
المسلمين من رواية الحديث وتدوينه، ويلزمهم رواية الاحاديث التي جمعهاودونها هو بنفسه فقط، ولهذا السبب اتخذ سياسة حظر نشر الاحاديث مطلقا لكي يخلي سواعد المسلمين من حملهم لهذا السلاح القوي الحديث فاعلن للمسلمين قائلا: فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سالكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله(1).
لان القرآن على عكس احاديث رسول الله (ص)، يمكن تاويل آياته وتفسيرهاحسب ما تقتضيه المصالح والاهوا(2).
عندما ادركت المنية ابابكر ادلى بالخلافة الى عمر(3)، ولا يخفى ان اكثرالمسلمين لما ابتعدوا عن التعايش مع اقوال النبي (ص)، فقدوا وعيهم الديني، فانقادواطائعين لاوامر الخليفة.
وخطا عمر في خلافته نفس السياسة التي ساسها ابوبكر فمنع نقل الحديث بكل جهد، واعلن متظاهرا باعطا الناس حر يتهم وشاورهم في رواية حديث رسول الله (ص) وتدوينه فاشاروا عليه بضرورة هذا الامر، فاحتال بعد شهر واحد قضاه في التفكير في هذه المهمة ، فظهر انه قد حصل على النتيجة المطلوبة بزعمه، فجا الى الناس واعلن قائلا: اني كنت اردت ان اكتب السنن واني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبواكتبا فاكبوا عليها فتركوا كتاب الله تعالى، واني والله لا البس كتاب الله بشي ابدا(4).
وتراه انه عندما كان يبعث احدا لمهمة ما، يامره بان لا يحدث الناس باحاديث --- ... الصفحة 14 ... ---
صفحہ 13
رسول الله (ص) حتى لا يصدهم بذلك عن القرآن، واذا علم بان احدا منهم لم يتجاوب معه في هذا الامر، يامره بالشخوص الى المدينة ويفرض عليه الرقابة الشديدة(1) هذابالاضافة الى انه اباد حرقا بالنار جميع الاحاديث التي دونها هو والناس.
وعندما توفي عمر والوضع ما زال على ما كان عليه من التحريم نقلا وتدوينا، وتولى الخلافة بعده عثمان بن عفان وذلك ضمن خطة مدروسة(2).
وفي عهد الخليفة عثمان اشتد الوطيس على الحديث، فلو كان الخليفة عمريؤذي رواة حديث النبي (ص) ويصيرهم تحت الرقابة الشديدة، ويحرق ما كتبوه من الاحاديث، ولكن عثمان اتخذ اسلوبا آخر للمنع من رواية احاديث الرسول وتدوين سيرة النبي (ص)، فانه كان يعذب الرواة، ويقصيهم عن المدينة، كما حصل ذلك لابي ذرالغفاري، حيث انه اقصي من المدينة الى الشام، ثم الى المدينة ثانيا، وثم الى صحرا ربذة، فمات هذا الصحابي الجليل في تلك البقعة الحارقة غريبا وهكذا عاش وحيدا وكذلك ضرب عثمان عمار بن ياسر صحابي رسول الله حتى وقع على الارض مغشيا عليه(3).
وهكذا عاش اصحاب رسول الله والتابعين المخلصين خمسة وعشرين سنة تحت وطاة ضغوطات الخلفاء حتى ثارت ثائرتهم ونهضوا جميعهم واطاحوا بعثمان وقتلوه، وبعد ذلك اجبروا الامام علي (ع) على القيام بالامر واصروا عليه بقبول الخلافة فلما نهض الامام علي (ع) بالامر كان المسلمون قد انسوا سيرة الخلفاء وذابوافيها مدة ربع قرن.
ويصف الامام علي (ع) الظروف التي عاشها فيقول:(4).
صفحہ 14
--- ... الصفحة 15 ... ---
«قد عملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول الله (ص) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحولتها الى مواضعها والى ما كانت في عهد رسول الله (ص) لتفرق عني جندي حتى ابقى وحدي او قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض امامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله (ص).
ارايتم لو امرت بمقام ابراهيم (ع) فرددته الى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (ص)(1)، ورددت فدك الى ورثة فاطمة (س)، ورددت صاع رسول الله (ص) كما كان، وامضيت قطائع اقطعها رسول الله (ص) لاقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفرالى ورثته وهدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قضي بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن الى ازواجهن واستقبلت بهن الحكم في الفروج والاحكام، وسبيت ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من ارض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، واعطيت كما كان رسول الله (ص) يعطي بالسوية ولم اجعلها دولة بين الاغنيا(2) والقيت المساحة(3)، وسويت بين المناكح(4)، وانفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل --- ... الصفحة 16 ... ---
صفحہ 15
وفرضه(1)، ورددت مسجد رسول الله (ص) الى ما كان عليه(2)، وسددت ما فتح فيه من الابواب وفتحت ما سد منه، وحرمت المسح على الخفين(3)، وحددت على النبيذ(4)، وامرت باحلال المتعتين(5)، وامرت بالتكبير على الجنائزخمس تكبيرات(6)، والزمت الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(7)، واخرجت من ادخل مع رسول الله (ص) في مسجده ممن كان رسول الله (ص) اخرجه، وادخلت من اخرج بعدرسول الله ممن كان رسول الله (ص) ادخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة(8)، واخذت الصدقات على اصنافها وحدودها، ورددت الوضؤوالغسل والصلاة الى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت اهل نجران الى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر --- ... الصفحة 17 ... ---
صفحہ 16
الامم الى كتاب الله وسنة نبيه (ص)(1)، اذا لتفرقوا عني، والله لقد امرت الناس ان لا يجتمعوا في شهر رمضان الا في فريضة، واعلمتهم ان اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض اهل عسكري ممن يقاتل معي: يا اهل الاسلام غيرت سنة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا لقيت من هذه الامة من الفرقة وطاعة ائمة الضلال والدعاة الى النار(2).
فقد وصف الامام برامجه العملية بانه يسير بسيرة النبي (ص) ولا يعمل بما اتاه الخلفا، خاصة بالنسبة الى مسالة رواية الحديث، وعمل جاهدا ومتواصلا لمحو ما ابتدعه الخلفا(3).
ولما رات قريش نهج الامام علي (ع) في العمل بانه مضاد لمصالحها الدنيوية اعلنوا مخالفتهم له (ع)، واشعلوا ضده حرب الجمل وصفين اللتين راحت ضحيتهمادما كثيرة حتى وقع هو ايضا شهيدا وهو في المحراب يصلي، وكان ذلك بعد اربع سنوات واشهر من خلافته (ع).
وبعد ذلك استولى معاوية الذي عرف بعدائه لله ورسوله (ص) بشتى انواع الحيل والخداع على اريكة الحكم، وتراه يكشف في حواره مع المغيرة بن شعبة ويبين عن سياسته الاصلية «فقال له المغيرة: انك قد بلغت سنا يا امير المؤمنين! فلو أظهرت عدلا --- ... الصفحة 18 ... ---
صفحہ 17
وبسطت خيرا فإنك قد كبرت، ولو نظرت الى اخوتك من بني هاشم فوصلت ارحامهم فوالله ما عندهم اليوم شي تخافه فقال لي: هيهات هيهات ثم ملك اخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل:
عمر، ثم ملك اخونا عثمان فملك رجل لم يكن احد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به، فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به وان اخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات اشهد ان محمدا رسول الله فاي عمل يبقى مع هذا؟ لا ام لك والله الا دفنا دفنا»(1).
وهكذا جمع معاوية جميع قواه لابادة شخصية النبي وآله (ع) ومحو سيرته، فاسس جهازا اعلاميا لوضع الحديث، واستعمل لهذا الهدف بعض الصحابة نحو: اباهريرة الذي روى اكثر من خمسة الاف وثلاثمائة حديث ملفق على النبي (ص)، وعبدالله بن عمر الراوي لما يزيد على الفي رواية، وهكذا ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكروانس بن مالك اللذين حدث كل منهما باكثر من الفي وثلاثمائة حديث مفتر على رسول الله (ص)(2).
فقد كان هؤلاء واعوانهم يتسابقون فيما بينهم في وضع الحديث طمعا في رضا الحكام، فوضعوا احاديث لا يعلم عددها الا الله ونسبوها الى الرسول (ص) حتى ان --- ... الصفحة 19 ... ---
صفحہ 18
مسخ كل ما يتعلق بالاسلام الحقيقي، ولبس الدين لبس الفرو مقلوبا، ومن ثم احتل الاسلام المزيف والممسوخ الملبي لهوى الخلفاء سدة الحكم بدلا عن الاسلام المحمدي الحقيقي.
ولم يقبل الخلفاء بعد ذلك دينا سوى هذا الاسلام المقلوب والمزيف الذي بني صرحه في عهد معاوية وعرف فيما بعد والى عصرنا هذا بالاسلام الحقيقي، بحيث لو ان احدا اراد اليوم ان يقوم بتبيين الاسلام الحقيقي الذي جاء به النبي (ص) لم يتقبلوه، وذلك لانهم اعتادوا الدين الخليفي الذي ابتدعه معاوية، وفهموا الدين من خلال كتب تتضمن احاديث دست على الرسول فالتوحيد الاسلامي عندهم مثلا هو ما عرفوه من خلال هذا الحديث الذي وضعه ابو هريرة:
«ان اناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمرليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله.
قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا.
قال: فانكم ترونه، كذلك يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئافليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الامة فيها منافقوها فياتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: انا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى ياتينا ربنا، فاذا اتانا ربنا عرفناه فياتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول: انا ربكم، فيقولون: انت ربنا فيتبعونه»(1).
وكما تلاحظ ايها القارئ ان في هذا الحديث ما يقوض اساس التوحيدوالمعاد الصحيح النابع من منظار الاسلام الحقيقي، وتراهم يروون احاديث اخرى --- ... الصفحة 20 ... ---
صفحہ 19
يخدشون بها شخصية النبي الكريم ويشوهونها، كما رووا عنه انه قال(1): «اللهم اني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فايما مؤمن سببته او جلدته فاجعل ذلك كفارة له».
وفي رواية اخرى: آذيته فاجعلها كفارة وقربة تقربه بها اليك، وفي اخرى: سببته او شتمته ان يكون ذلك له زكاة واجرا.
ورووا ايضا انه (ص) قال لاناس يلقحون النخل: لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه فنفضت او فنقصت وخرج شيصا، فذكروا ذلك له فقال: ان كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فاني انما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني، او قال: انتم اعلم بامر دنياكم(2).
ورووا ايضا: قرا رسول الله (ص) بمكة النجم، فلما بلغ هذا الموضع: (افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الا خرى)(3) القى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى قالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا ثم جاه جبرئيل بعد ذلك قال: اعرض علي ما جئتك به، فلما بلغ تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى قال له جبرئيل: لم آتك بهذا، هذا من الشيطان، فانزل الله: (وما --- ... الصفحة 21 ... ---
صفحہ 20
ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي)(1)(2).
وردت هذه الاحاديث في كتب التفاسير المعروفة والمعتبرة عند اهل السنة، مثل: الطبري وابن كثير والسيوطي وسيد قطب، حيث رووا احاديث موضوعة ومدسوسة على النبي (ص) بشكل مكثف حتى غابت الصورة الواقعية لرسول الله (ص) ورا الحجب المكذوبة والمزورة(3).
وعلى العكس من هذا، تراهم قد زينوا صور امرا قريش وقادتهم وخلفائهم فوضعوا لهم فضائل مزيفة، واتهموا مخالفي هؤلاء بتهم مفتراة فوصفوا رجالا مثل: ابي ذر ومالك الاشتر وعمار بن ياسر وغيرهم بانهم اناس لا علم لهم بالدين وانهم مخدعون(4).
ولم يكتفوا بهذه فحسب، بل مدوا يد الزور والزيف الى التوحيد وصفات الباري، كيفية الحشر والقيامة، الثواب والعقاب، الجنة والنار، تاريخ الانبيا، بدالخلق، الاحكام والعقائد الاسلامية، فاختلقوا لكل منها احاديث مختلفة ومقتبسة من عقائد اهل الكتاب الخرافية وما صنعته ثقافتهم الجاهلية وعقولهم البالية وما هي من الدين بشي.
وقد كثرت هذه الاحاديث المزورة وتوسعت دائرة تناقلها حتى غطت الحقائق الدينية ومسختها وكانت نتيجتها ان ابتدع اسلام آخر صار المذهب القانوني لحكام بني امية وبني العباس حتى نهاية الخلافة العثمانية.
وفي مقابل هؤلاء المزورين والمختلقين للاحاديث على مر التاريخ الاسلامي --- ... الصفحة 22 ... ---
صفحہ 21
صمد رجال مخلصون، جاهدوا لنشر السنة الحقيقية التي تبين اقوال النبي (ص) وسيرة الرسول مع المسلمين حتى ان ضحوا بانفسهم في هذا السبيل.
ومن زعما هذه الفئة الصحابي الجليل ابوذر الغفاري فانه كان جالسا ذات يوم عند الجمرة الوسطى في منى فاجتمع حوله اناس مسلمون كثيرون يسالونه عن دينهم، واذا باحد مرتزقة بني امية يشهد المنظر فتخلل الناس حتى وقف على ابي ذر فقال: الم ينهك امير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال ابوذر: أأنت رقيب علي ثم اشار الى حلقه وقال: والله لو وضعتم الصمصامة على هذه على ان اترك كلمة سمعتها من رسول الله (ص)، لانفذتها قبل ان يكون ذلك(1).
ومن هذه الفئة ايضا رشيد الهجري، فانه لما تولى ابن زياد الكوفة قطع يده ورجله، فلما حمل الى اهله عاده الناس وهم باكون، فقال لهم: ايها الناس، ائتوني بصحيفة ودواة اكتب لكم ما يكون الى يوم القيامة، فاخبر ابن زياد فامر بقلع لسانه(2).
وعلى هذا النهج خطا ميثم التمار، فانه لما تولى ابن زياد الكوفة القى القبض عليه فصلبه وقطع يده ورجله، فكان ينادي باعلى صوته وهو مصلوب: ايها الناس من اراد ان يسمع الحديث المكنون عن علي بن ابي طالب؟ قال: فاجتمع الناس واقبل يحدثهم بالعجائب، فاخبر ابن زياد بذلك، فامر بقطع لسانه، وتشحط ميثم (ره) ساعة في دمه ثم مات(3).
وهكذا آل الامر في ذلك العصر الى ان الخليفة اصبح ذا هيمنة كبيرة بحيث كان بامكانه ان يحرم ما احله الله ورسوله، ويحلل ما حرمه الله ورسوله، ويبتدع قوانينا --- ... الصفحة 23 ... ---
صفحہ 22
موازية للقوانين الالهية، من حيث التطبيق.
وليعلم ان هذا الوضع لم يدم اكثر من عهد عثمان حيث قامت الثورة الشعبية ونهض المسلمون ومحوا الكثير من هذه البدع الى ان آلت الخلافة الى معاوية، فقام بتقويم ما محاه المسلمون وذلك بتكوين الاجهزة الاعلامية التي كان قوامها وضاع الاحاديث(1).
ولكن شهادة الامام الحسين (ع) حطمت هذه الخطط وهدمت ما بنوه حتى فقدنظام الخلافة مكانته التي كان يمتاز بها الخلفا، فالبدع والتعاليم المزورة التي اوجدت الانفصال بين الاسلام المتداول عندهم والاسلام الحقيقي قد توقفت، ولم يتمكن الخلفاء بعد شهادة الامام الحسين (ع) ان يختلقوا بدعا جديدة كما كان في السابق(2).
واثمرت شهادة الامام الحسين (ع) اثرا اخرا وهو ان السجن والتعذيب والفتك بمبلغي الاسلام الواقعي ورواة الاحاديث قد تضالت، لان الحكام آنذاك لم يتمكنوامن التنكيل والزجر كما كان داب اسلافهم السابقين، وهكذا استطاع الرواة بعد جهادطويل ان ينشروا بين المسلمين احاديث صحيحة وموثقة غير تلك الاحاديث الموضوعة التي اختلقها اعوان الخلفا.
وفي مطلع القرن الثاني من الهجرة انتهت فترة الحظر عن رواية الحديث التي دامت مائة عام، وذلك عندما تولى عمر بن عبدالعزيز، فامر اتباع الاسلام الخليفي ان يدونوا احاديث رسول الله فدونت عشرات الكتب في سيرة الرسول والصحابة ومن بين الاف --- ... الصفحة 24 ... ---
صفحہ 23