بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي أحلنا محلّة الْفَهم وحلانا حلية الْعلم وملكنا عقال الْعقل وزيننا بنطق الْمنطق ونعوذ بِهِ من كدر صفاء الْفِكر وعكر ذهن الذِّهْن وَصلى الله على الْمَبْعُوث بجوامع الْكَلم إِلَى أَعقل الْأُمَم وعَلى جَمِيع أَتْبَاعه والسائرين فِي منهاج أَتْبَاعه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا أما بعد فَإِن أجل الْأَشْيَاء موهبة الْعقل فَإِنَّهُ الْآلَة فِي تَحْصِيل معرفَة الْإِلَه وَبِه تضبط الْمصَالح وتلحظ العواقب وتدرك الغوامض وَتجمع الْفَضَائِل وَلما كَانَ الْعُقَلَاء يتفاوتون فِي موهبة الْعقل ويتباينون فِي تَحْصِيل مَا يتقنه من التجارب وَالْعلم أَحْبَبْت أَن اجْمَعْ كتابا فِي أَخْبَار الأذكياء الَّذين قويت فطنتهم وتوقد ذكاؤهم لقُوَّة جوهرية عُقُولهمْ وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أغراض أَحدهَا معرفَة أقدارهم بِذكر أَحْوَالهم وَالثَّانِي تلقيح الْبَاب السامعين إِذا كَانَ فيهم نوع استعداد لنيل تِلْكَ الْمرتبَة وَقد ثَبت أَن رُؤْيَة الْعَاقِل ومخالطته تفِيد ذَا اللب فسماع أخباره تقوم مقَام رُؤْيَته كَمَا قَالَ الرضى
(فَاتَنِي أَن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أعي الديار بسمعي)
وَقد أَنبأَنَا جمَاعَة من أشياخنا قَالُوا أخبرنَا مُضر بن مُحَمَّد قَالَ
1 / 5
سَمِعت يحيى بن أَكْثَم يَقُول سَمِعت الْمَأْمُون يَقُول لإِبْرَاهِيم لَا شَيْء أطيب من النّظر فِي عقول الرِّجَال وَالثَّالِث تَأْدِيب المعجب بِرَأْيهِ إِذا سمع أَخْبَار من تعسر عَلَيْهِ لحاقه وَالله الْمُوفق
بَاب فِي ذكر تراجم أَبْوَاب الْكتاب وَهِي ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ بَابا
الْبَاب الأول فِي ذكر فضل الْعقل الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر مَاهِيَّة الْعقل وَمحله الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان معنى الذِّهْن والفهم والذكاء الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر العلامات الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على ذكاء الذكي الْبَاب الْخَامِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول عَن الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين مِمَّا يدل على قُوَّة الفطنة الْبَاب السَّادِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْأُمَم السالفة الْبَاب السَّابِع فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن نَبينَا ﷺ الْبَاب الثَّامِن فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن أَصْحَاب نَبينَا ﵊ الْبَاب التَّاسِع فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْخُلَفَاء الْبَاب الْعَاشِر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الوزراء الْبَاب الْحَادِي عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن السلاطين والأمراء والحجاب والشرطة الْبَاب الثَّانِي عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْقُضَاة الْبَاب الثَّالِث عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك من كبار عُلَمَاء هَذِه الْأمة وفقهائها الْبَاب الرَّابِع عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْعباد والزهاد الْبَاب الْخَامِس عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْعَرَب وعلماء الْعَرَبيَّة الْبَاب السَّادِس عشر فِي ذكر من احتال بذكائه لبلوغ غَرَض الْبَاب السَّابِع عشر فِيمَن احتال فانعكس عَلَيْهِ مَقْصُوده الْبَاب
1 / 6
الثَّامِن عشر فِيمَن وَقع فِي آفَة فتخلص بالحيلة مِنْهَا الْبَاب التَّاسِع عشر فِي ذكر من اسْتعْمل بذكائه المعاريض الْبَاب الْعشْرُونَ فِي ذكر من فلج على خَصمه بِالْجَوَابِ المسكت الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيمَن غلب من الْعَوام بذكائه كبار الرؤساء الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي أَقْوَال وأفعال صدرت من أوساط النَّاس وعوامهم تدل على قُوَّة الذكاء الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي طرف من أَحْوَال الشُّعَرَاء والمداحين الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي طرف من حيل الْمُحَاربين الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي طرف من فطن المتطببين الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي طرف من فطن المتطفلين الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي طرف من فطن المتلصصين الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي طرف من أَخْبَار فطناء الصّبيان الْبَاب الثَّلَاثُونَ فِي طرف من فطن عقلاء المجانين الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي طرف من أَخْبَار النِّسَاء المتفطنات الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِيمَا ذكر عَن الْحَيَوَان البهيم مِمَّا يشبه ذكاء الْآدَمِيّين الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ فِي ذكر مَا ضَربته الْعَرَب والحكماء مثلا على أَلْسِنَة الْحَيَوَان
الْبَاب الأول فِي ذكر فضل الْعقل
أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد والقزاز قَالَا أَنبأَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ أَنا مُحَمَّد بن أَحْمد بن رزق قَالَ حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الْخُلْدِيِّ قَالَ حَدثنَا الْحَرْث بن أبي أُسَامَة قَالَ حَدثنَا دَاوُد بن الْمُجبر قَالَ حَدثنَا عباد بن كثير عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه دخل على عَائِشَة فَقَالَ يَا أم الْمُؤمنِينَ أَرَأَيْت الرجل يقل قِيَامه وَيكثر رقاده وَآخر يكثر قِيَامه ويقل رقاده أَيهمَا أحب إِلَيْك قَالَت سَأَلت رَسُول الله ﷺ كَمَا سَأَلتنِي عَنهُ فَقَالَ أحسنهما عقلا قلت يَا رَسُول الله أَسأَلك عَن عبادتهما فَقَالَ يَا عَائِشَة إِنَّمَا يسئلان عَن عقولهما فَمن كَانَ أَعقل كَانَ
1 / 7
أفضل فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قَالَ أَنبأَنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب قَالَ أخبرنَا أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن عَليّ النَّيْسَابُورِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمسيب قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا بفية قَالَ حَدثنَا عبد الله ابْن عَمْرو عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا تعجبوا بِإِسْلَام امْرِئ حَتَّى تعرفوا عقدَة عقله أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ أخبرنَا عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بشر قَالَ أخبرنَا عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ حَدثنَا القَاضِي أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر قَالَ حَدثنَا جَعْفَر الفيريابي قَالَ حَدثنَا أَبُو مَرْوَان هِشَام بن خَالِد الْأَزْرَق قَالَ حَدثنَا الْحسن بن يحيى الْخُشَنِي عَن أبي عبد الله مولى بني أُميَّة عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول أول شَيْء خلقه الله الْقَلَم ثمَّ خلق النود وَهِي الدواة ثمَّ قَالَ لَهُ أكتب قَالَ وَمَا أكتب قَالَ اكْتُبْ مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ خلق الْعقل وَقَالَ وَعِزَّتِي لأكملنك فِيمَن أَحْبَبْت ولأنقصنك مِمَّن أبغضت
أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ أخبرنَا ابْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن الْحَرْث قَالَ حَدثنَا جدي مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم قَالَ حَدثنَا الْهَيْثَم ابْن عدي قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عمر وبن مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما خلق الله الْعقل قَالَ لَهُ أدبر فَأَدْبَرَ ثمَّ قَالَ لَهُ أقبل فَأقبل قَالَ وَعِزَّتِي مَا خلقت خلقا قطّ أحسن مِنْك فبك أعطي وَبِك آخذ وَبِك أعاقب
أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أَنبأَنَا أَحْمد بن أَحْمد الْحداد قَالَ أَنبأَنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا الْحَرْث عَن أبي أُسَامَة قَالَ حَدثنَا دَاوُد بن الْمُجبر قَالَ حَدثنَا عباد كثير عَن إِدْرِيس عَن
1 / 8
وهب بن مُنَبّه قَالَ إِنِّي وجدت فِيمَا انْزِلْ الله على أنبيائه أَن الشَّيْطَان لم يكابد شَيْئا أَشد عَلَيْهِ من مُؤمن عَاقل وَأَنه يكابد مائَة جَاهِل فيستجرهم حَتَّى يركب رقابهم فينقادون لَهُ حَيْثُ شَاءَ ويكابد الْمُؤمن الْعَاقِل فيتصعب عَلَيْهِ حَتَّى لَا ينَال مِنْهُ شَيْئا من حَاجته وَقَالَ وهب لإِزَالَة الْجَبَل صَخْرَة صَخْرَة وحجرًا حجرا أيسر على الشَّيْطَان من مكابدة الْمُؤمن الْعَاقِل لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُؤمنا عَاقِلا ذَا بَصِيرَة فَهُوَ أثقل على الشَّيْطَان من الْجبَال وأصعب من الْحَدِيد وَأَنه ليزاوله بِكُل حِيلَة فَإِذا لم يقدر أَن يستزله قَالَ يَا ويله مَا لَهُ وَلِهَذَا لَا طَاقَة لي بِهَذَا ويرفضه ويتحول إِلَى الْجَاهِل فيستأسره ويتمكن من قياده حَتَّى يُسلمهُ إِلَى الفضائح الَّتِي يتعجلها فِي عَاجل الدُّنْيَا كالجلد وَالرَّجم وَالْحلق وتسخيم الْوُجُوه وَالْقطع والصلب وَإِن الرجلَيْن ليستويان فِي أَعمال الْبر وَيكون بَينهمَا كَمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب أَو أبعد إِذا كَانَ أَحدهمَا أَعقل من الآخر
أَنبأَنَا يحيى بن ثَابت عَن بنْدَار قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ أخبرنَا أبي على بن دَوْمًا قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عِيسَى الْعَطَّار قَالَ أَنبأَنَا إِسْحَاق بن بشر الْقرشِي قَالَ أخبرنَا إِدْرِيس عَن جده وهب بن مُنَبّه أَن لُقْمَان ﵇ قَالَ لِابْنِهِ يَا بني اعقل عَن الله ﷿ فَإِن أَعقل النَّاس عَن الله ﷿ أحْسنهم عملا وَإِن الشَّيْطَان ليفر من الْعَاقِل وَمَا يَسْتَطِيع أَن يكابده يَا بني مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من الْعقل
أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد العيشي قَالَ حَدثنَا وهيب قَالَ أخبرنَا الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء عَن مطرف أَنه قَالَ مَا أُوتِيَ عبد بعد الْإِيمَان أفضل من الْعقل
أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد
1 / 9
الله قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن الطُّفَيْل قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي السرى قَالَ حَدثنَا دَاوُد عَن خُلَيْد بن دعْلج قَالَ سَمِعت مُعَاوِيَة بن قُرَّة يَقُول إِن الْقَوْم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون وَيصلونَ وَيَصُومُونَ وَمَا يُعْطون يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا على قدر عُقُولهمْ
أخبرنَا أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ قَالَ أخبرنَا صاعد بن سيار قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن سهل الفروجي قَالَ أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمسيب قَالَ أخبرنَا عبد الله بن حبيق قَالَ حَدثنَا عبد الله بن ضريس عَن أبي زَكَرِيَّا قَالَ إِن الرجل ليتلذذ فِي الْجنَّة بِقدر عقله
الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر مَاهِيَّة الْعقل وَمحله
نقل إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ الْعقل غريزة وَمثله عَن الْحَرْب المحاسبي وروى عَن المحاسبي أَيْضا أَنه قَالَ هُوَ نور وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ قُوَّة يفصل بهَا بَين حقائق المعلومات وَقَالَ قوم هُوَ نوع من الْعُلُوم الضرورية وَهُوَ الْعلم بِجَوَاز الجائزات واستحالة المستحيلات وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ جَوْهَر بسيط وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ جسم شفاف وَسُئِلَ إعرابي عَن الْعقل فَقَالَ لب اغتنمته بتجريب وَاعْلَم أَن التَّحْقِيق فِي هَذَا أَن يُقَال هُنَا الِاسْم أعنى الْعقل ينْطَلق بالاشتراك على أَرْبَعَة معَان أَحدهَا الْوَصْف الَّذِي يُفَارق بِهِ الْإِنْسَان الْبَهَائِم وَهُوَ الَّذِي استعد لقبُول الْعُلُوم النظرية وتدبير الصناعات الْخفية الفكرية وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ من قَالَ غريزة وَكَأَنَّهُ نور يقذف فِي الْقلب يستعد بِهِ لإدراك الْأَشْيَاء وَالثَّانِي مَا وضع فِي الطباع من الْعلم بِجَوَاز الجائزات واستحالة المستحيلات وَالثَّالِث عُلُوم تستفاد من التجارب تسمى عقلا وَالرَّابِع أَن مُنْتَهى قوته الغريزية إِلَى
1 / 10
أَن نقمع الشَّهْوَة الداعية إِلَى اللَّذَّة العاجلة وَالنَّاس يتفاوتون فِي هَذِه الْأَحْوَال إِلَّا فِي الْقسم الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْعلم الضَّرُورِيّ وَقد شرحنا هَذَا وَذكرنَا فَضَائِل الْعقل فِي كتَابنَا الْمُسَمّى بمنهاج القاصدين وَهَذِه الْإِشَارَة تَكْفِي هَهُنَا فصل وَمَا اشتقاق هَذَا الِاسْم أَعنِي الْعقل فَقَالَ ثَعْلَب أَصله الِامْتِنَاع يُقَال عقلت النَّاقة إِذا منعتها من السّير وعقل بطن الرجل إِذا أحبس فصل وَأما مَحَله فَنقل الْفضل بن زِيَاد عَن أَحْمد أَن مَحَله الدِّمَاغ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَذهب جمَاعَة من أَصْحَابنَا إِلَى أَنه فِي الْقلب كَمَا يرْوى عَن الشَّافِعِي وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى ﴿فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿لمن كَانَ لَهُ قلب﴾ أَي عقل فَعبر بِالْقَلْبِ عَنهُ لِأَنَّهُ مَحَله
الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان معنى الذِّهْن والفهم والذكاء
حد الذِّهْن قُوَّة النَّفس المهيأة المستعدة لِاكْتِسَابِ الآراء وحد الْفَهم جودة التهيء لهَذِهِ الْقُوَّة وحد الذكاء جودة حدس من هَذِه الْقُوَّة تقع فِي زمَان قصير غير ممهل فَيعلم الذكي معنى القَوْل عِنْد سَمَاعه وَقَالَ بَعضهم حد الذكاء سرعَة الْفَهم وحدته والبلادة جموده وَقَالَ الزّجاج الذكاء فِي اللُّغَة تَمام الشَّيْء وَمِنْه الذكاء فِي السن وَهُوَ تَمام السن وَمِنْه الذكاء فِي الْفَهم وَهُوَ أَن يكون فهما تَاما سريع القبولِ وذكيت النَّار إِذا أتممت إشعالها أخبرنَا أَبُو غَالب أَحْمد ابْن الْحسن بن الْبناء وَحدثنَا عَنهُ الْمُبَارك بن عَليّ قَالَ أخبرنَا القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن قَالَ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن سُوَيْد قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن الأنياري قَالَ قَوْلهم فلَان ذكي مَعْنَاهُ كَامِل الفطنة تامها من قَول الْعَرَب قد ذكت النَّار تذكو إِذا تمّ وقودها وَيُقَال أذكيتها إِنَّا إِذا أتممت وقودها وَيُقَال مسك ذكي إِذا كَانَ تَامّ الطّيب كَامِل نَفاذ الرِّبْح
1 / 11
قَالَ جميل
(صادت فُؤَادِي بعينيها ومبتسم ... كَأَنَّهُ حِين أبدته لنا برد)
(عذب كَانَ ذكي الْمسك خالطه ... والزنجبيل وَمَاء المزن والشهد)
وَيُقَال قد ذكيت الشَّاة إِذا أتممت ذَبحهَا وَبَلغت الْحَد الْوَاجِب فِيهِ قَالَ الشَّاعِر
(نعم هُوَ ذكاها وَأَنت أضعتها ... والهاك عَنْهَا خرفة وفطيم)
وَالْعرب تَقول جرى المذكيات غلاب أَي جرى المسان مغالبة وَذَلِكَ أَن المذكية من الْخَيل وَهِي الَّتِي تمت قوتها وشبابها تحمل على الخشن من الأَرْض للثقة بقوتها وصلابتها وَأَنَّهَا لَيست كالجذاع وَالصغَار الَّتِي تطلب لَهَا الرخاوة من الأَرْض لِضعْفِهَا وصغرها فَإِنَّهَا لَا تثبت ثبات المذكيات وَبَعْضهمْ يَقُول جرى المذكيات غلاء والغلاء جمع غلوة وَهُوَ مدى الرمقة قَالَ الشَّاعِر فِي الَّذِي الذكاء مَعْنَاهُ تَمام الفطنة
(سهم الْفُؤَاد ذكاؤه مَا مثله ... عِنْد الْعَزِيمَة فِي الْأَنَام ذكاء)
وَقَالَ زُهَيْر فِي الذكاء الَّذِي مَعْنَاهُ تَمام السن
(ويفضلها إِذا اجتهدت عَلَيْهِ ... تَمام السن مِنْهُ والذكاء)
والذكاء فِي هذَيْن الْمَعْنيين مَمْدُود والذكا تَمام اتقاد النَّار مَقْصُور يكْتب بِالْألف
قَالَ الشَّاعِر
(وتضرم فِي الْقلب اضطرامًا كَأَنَّهُ ... ذكا النَّار ترفيه الرِّيَاح النوافخ)
وَيُقَال مسك ذكي ومسك ذكية وَالَّذِي يذكر الْمسك يذكر وَالَّذِي يؤنث يَقُول ذهبت إِلَى الرَّائِحَة أنشدنا أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء
(لقد عاجلتني بالسباب وثوبها ... جَدِيد وَمن أثوابها الْمسك تنفح)
1 / 12
وَقد أَرَادَ بِهِ رَائِحَة الْمسك قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي أَخْبرنِي أبي قَالَ أخبرنَا أَبُو عَفَّان المهزمي قَالَ الْمسك والعنبر يؤنثان ويذكران
الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر العلامات الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على عقل الْعَاقِل وذكاء الذكي
قَالَ مؤلف الْكتاب هَذِه العلامات تَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهَا من حَيْثُ الصُّورَة وَالثَّانِي من حَيْثُ الْمَعْنى وَالْأَحْوَال وَالْأَفْعَال
ذكر الْقسم الأول قَالَ الْحُكَمَاء الْخلق المعتدل والبنية المتناسبة دَلِيل على قُوَّة الْعقل وجودة الفطنة وَإِذا غلظت الرَّقَبَة دلّت على قُوَّة الدِّمَاغ ووفوره وَمن كَانَت عينه تتحرك بِسُرْعَة وحدة فَهُوَ مكار محتال لص وَأحمد الْعُيُون الشهل وَإِذا لم تكن الشهلاء شَدِيدَة البريق وَلَا يظْهر عَلَيْهَا صفرَة وَلَا حمرَة دلّت على طبع جيد وَإِذا كَانَت الْعين صَغِيرَة غائرة فصاحبها مكار حسود وَمن كَانَ نحيف الْوَجْه فَهُوَ فهم مهتم بالأمور واللطف فِي التحاف الْقصار أظهرُوا المعتدلون فِي الطول صالحو الْحَال
أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله الْأَصْفَهَانِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن عَليّ بن نصر قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم قَالَ حَدثنَا الْهَيْثَم بن عدي قَالَ حَدثنَا ابْن عَيَّاش قَالَ حَدثنَا الشّعبِيّ قَالَ حَدثنِي عجلًا قَالَ لي زِيَاد ادخل على رجلا عَاقِلا قلت لَا أعرف من تَعْنِي قَالَ لَا يخفى الْعَاقِل فِي وَجهه وقده فَخرجت فَإِذا أَنا بِرَجُل حسن الْوَجْه مديد الْقَامَة فصيح اللِّسَان قلت ادخل فَدخل فَقَالَ زِيَاد يَا هَذَا إِنِّي قد أردْت مشاورتك فِي أَمر فَمَا عنْدك قَالَ أَنِّي حاقن وَلَا رَأْي لحاقن قَالَ يَا عجلَان أدخلهُ المتوضأ
1 / 13
فَلَمَّا خرج قَالَ إِنِّي جَائِع وَلَا رَأْي لجائع قَالَ يَا عجلَان أئته بِالطَّعَامِ فَأتى بِهِ فَطَعِمَ ثمَّ قَالَ سل عَمَّا بدا لَك فَمَا سَأَلَهُ عَن شئ إِلَّا وجد عِنْده بعض مَا يُرِيد أخبرنَا المحمد أَن ابْن نَاصِر وَابْن عبد الْبَاقِي قَالَا أخبرنَا حمد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول من وجدت فِيهِ خمس خِصَال رجيت لَهُ السَّعَادَة وَلَو قبل مَوته بساعتين قيل مَا هِيَ قَالَ اسْتِوَاء الْخلق وخفة الرّوح وغزارة الْعقل وصفاء التَّوْحِيد وَطيب المولد
ذكر الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال على عقل الْعَاقِل بالأفعال والأقوال
قَالَ الْمُؤلف يسْتَدلّ على عقل الْعَاقِل بسكوته وسكونه وخفض بَصَره وحركاته فِي أماكنها اللائقة بهَا ومراقبته للعواقب فَلَا تستفزه شَهْوَة عاجلة عقباها ضَرَر وتراه ينظر فِي الفضاء فَيتَخَيَّر الْأَعْلَى والأحمد عَاقِبَة من مطعم ومشرب وملبس وَقَول وَفعل وَيتْرك مَا يخَاف ضَرَره ويستعد لما يجوز وُقُوعه
أَنبأَنَا يحيى بن ثَابت بن بنْدَار قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ أخبرنَا الْحسن بن الْحُسَيْن دَوْمًا قَالَ أخبرنَا مخلد بن جفعر قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ أخبرنَا إِسْمَعِيل بن عِيسَى الْعَطَّار قَالَ أخبرنَا أَبُو حُذَيْفَة إِسْحَق ابْن بشر الْقرشِي قَالَ أخبرنَا جَعْفَر بن الْحَرْث عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء أَلا أنبئكم بعلامة الْعَاقِل يتواضع لمن فَوْقه وَلَا يزدري من دونه يمسك الْفضل من منْطقَة يخالق النَّاس بأخلاقهم ويحتجر الْإِيمَان فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﷿ فَهُوَ يمشي فِي الدُّنْيَا بالتقية والكتمان
1 / 14
قَالَ الْقرشِي وَأَخْبرنِي إِدْرِيس عَن جده وهب بن مُنَبّه أَن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ يَا بني مَا يتم عقل امْرِئ حَتَّى يكون فِيهِ عشر خِصَال الْكبر مِنْهُ مَأْمُون والرشد فِيهِ مأمول يُصِيب من الدُّنْيَا الْقُوت وَفضل مَاله مبذول التَّوَاضُع أحب إِلَيْهِ من الشّرف والذل أحب إِلَيْهِ من الْعِزّ لَا يسام من طلب الْفِقْه طول دهره وَلَا يتبرم من طلب الْحَوَائِج من قبله يستكثر قَلِيل الْمَعْرُوف من غَيره ويستقل كثير الْمَعْرُوف من نَفسه والخصلة الْعَاشِرَة الَّتِي بهَا مجده وَأَعْلَى ذكره أَن يرى جَمِيع أهل الدُّنْيَا خيرا مِنْهُ وَأَنه شرهم وَإِن رأى خيرا مِنْهُ سره ذَلِك وَتمنى أَن يلْحق بِهِ وَأَن رأى شرا مِنْهُ قَالَ لَعَلَّ هَذَا ينجو وَأهْلك أَنا فهنالك حِين اسْتكْمل الْعقل قَالَ الْقرشِي وَأَخْبرنِي عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن مَكْحُول أَن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ غَايَة الشّرف والسؤود حسن الْعقل وَمن حسن عقله غطى ذَلِك جَمِيع ذنُوبه واصلح ذَلِك مساويه ورضى عَنهُ مَوْلَاهُ أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَحْمد عَليّ بن ثَابت قَالَ أَخْبرنِي أَبُو الْوَلِيد الْحسن بن مُحَمَّد الدربندي قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْوراق قَالَ حَدثنَا أَبُو أَحْمد عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمروزِي قَالَ حَدثنَا شهَاب بن الْحسن العكبري قَالَ سَمِعت الْأَصْمَعِي يَقُول سَمِعت إبان بن جرير يَقُول قَالَ الملهب بن أبي صفرَة يُعجبنِي أَن أرى عقل الْكَرِيم زَائِدا على لِسَانه وَلَا يُعجبنِي أَن أرى لِسَانه زَائِدا على عقله
الْبَاب الْخَامِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين مِمَّا يدل على قُوَّة الفطنة
مَعْلُوم أَن فطن الْأَنْبِيَاء فَوق الفطن وَلَكنَّا أحببنا أَن لَا نخلى كتَابنَا هَذَا من شَيْء عَنْهُم فَمن الْمَنْقُول عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ﵊ أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ أخبرنَا أَبُو
1 / 15
الْحُسَيْن بن زرقويه قَالَ أخبرنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ أخبرنَا إِسْمَعِيل بن عِيسَى قَالَ أخبرنَا أَبُو حُذَيْفَة اسحق بن بشر عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما رَأَتْ سارة إِبْرَاهِيم قد شغف بِأم إِسْمَاعِيل غارت غيرَة شَدِيدَة وَحلفت لتقطعن عضوا من أَعْضَاء هَاجر فَبلغ ذَلِك هَاجر فَلبِست درعا وَجَرت ذيلها فَهِيَ أول نسَاء الْعَالمين جرت الذيل وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك لتعفى أَثَرهَا فِي الطَّرِيق على سارة فَقَالَ إِبْرَاهِيم هَل لَك فِي خير أَن تعفى عَنْهَا وترضى بِقَضَاء الله ﷿ قَالَت وَكَيف لي بِمَا قد حَلَفت قَالَ اخفضيها فَتكون سنة النِّسَاء وتبر يَمِينك قَالَت افْعَل فخفضتها فمضت السّنة للنِّسَاء بالخفض مِنْهَا أخبرنَا عبد الأول قَالَ أَنبأَنَا الداوودي قَالَ أخبرنَا ابْن أعين قَالَ حَدثنَا الفريري قَالَ حَدثنَا البُخَارِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَكثير بن كثير بن الْمطلب بن أبي ودَاعَة يزِيد أَحدهمَا على الآخر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس لما شب إِسْمَاعِيل تزوج امْرَأَة من جرهم فجَاء إِبْرَاهِيم فَلم يجد إِسْمَاعِيل فَسَأَلَ امْرَأَته فَقَالَت خرج يَبْتَغِي لنا ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم فَقَالَت نَحن بشر فِي ضيق وَشدَّة وَشَكتْ إِلَيْهِ فَقَالَ فَإِذا جَاءَ زَوجك فاقرئي ﵇ وَقَوْلِي لَهُ يُغير عتبَة بَابه فَلَمَّا جَاءَ فَأَخْبَرته قَالَ ذَاك أبي وَقد أَمرنِي أَن أُفَارِقك الْحق بأهلك
قَالَ الْمُؤلف وَهَذَا الحَدِيث يدل على فطنة إِسْمَاعِيل أَيْضا وَمن الْمَنْقُول عَن سُلَيْمَان ﵊ أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ بن الْمَذْهَب قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك قَالَ أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا لَيْث عَن مُحَمَّد بن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ خرجت امْرَأَتَانِ ومعهما صبيان فَعدا الذِّئْب على أَحدهمَا فأخذتا يختصمان فِي الصَّبِي الْبَاقِي فاختصما
1 / 16
إِلَى دَاوُد ﵊ فَقضى بِهِ للكبرى مِنْهُمَا فمرتا على سُلَيْمَان ﵇ فَقَالَ مَا أمركما فقصتا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ ائْتُونِي بالسكين اشق الْغُلَام بَيْنكُمَا فَقَالَت الصُّغْرَى أتشقه قَالَ نعم قَالَت لَا تفعل حظي مِنْهُ لَهَا فَقَالَ هُوَ ابْنك فَقضى بِهِ لَهَا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد الْحداد قَالَ أَنبأَنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله قَالَ حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ سَمِعت عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر يَقُول بعث سُلَيْمَان ﵇ إِلَى مَا روى من مَرَدَة الْجِنّ فَأتى بِهِ فَلَمَّا كَانَ على بَاب سُلَيْمَان أَخذ عودا فذرعه بذراعه وَرمى بِهِ وَرَاء الْحَائِط فَوَقع بَين يَدي سُلَيْمَان فَقَالَ مَا هَذَا فَأخْبر بِمَا صنع المارد قَالَ أَتَدْرُونَ مَا أَرَادَ قَالُوا لَا قَالَ يَقُول اصْنَع مَا شِئْت فَإنَّك تصير إِلَى مثل هَذَا من الأَرْض
أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن هرون بن بكار الدِّمَشْقِي قَالَ حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن مَكْحُول قَالَ أَبُو هُرَيْرَة بَينا سُلَيْمَان بن دَاوُد ﵇ يسْعَى فِي موكبه إِذْ مر بِامْرَأَة تصيح بابنها يالدين فَوقف سُلَيْمَان وَقَالَ إِن دين الله ظَاهر فَأرْسل إِلَى الْمَرْأَة فَسَأَلَهَا فَقَالَت أَن زَوجهَا سَافر وَله شريك فَزعم شَرِيكه إِنَّه مَاتَ وَأوصى إِن ولدت غُلَاما أَن أُسَمِّيهِ يالادين فَأرْسل إِلَى الشَّرِيك فاعترف أَنه قَتله فَقتله سُلَيْمَان ﵇
حَدثنَا مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى سُلَيْمَان النَّبِي ﷺ فَقَالَ يَا نَبِي الله إِن لي جيرانا يسرقون أوزي فَنَادَى الصَّلَاة جَامِعَة ثمَّ خطبهم فَقَالَ فِي خطبَته وأحدكم يسرق أوز جَاره ثمَّ يدْخل الْمَسْجِد والريش على رَأسه فَمسح رجل بِرَأْسِهِ فَقَالَ سُلَيْمَان خذوه فَإِنَّهُ صَاحبكُم وَمن الْمَنْقُول
1 / 17
عَن عِيسَى ﵇ أَن إِبْلِيس جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السِّت تزْعم أَنه لَا يصيبك إِلَّا مَا كتب الله لَك قَالَ بلَى قَالَ فارم بِنَفْسِك من هَذَا الْجَبَل فَإِنَّهُ إِن قدر لَك السَّلامَة تسلم فَقَالَ لَهُ يَا مَلْعُون إِن الله ﷿ إِن يختبر عباده وَلَيْسَ للْعَبد أَن يختبر ربه ﷿
الْبَاب السَّادِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْأُمَم السالفة
فَمن الْمَنْقُول عَن لُقْمَان حَدثنَا مَكْحُول أَن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ عبدا نوبيا أسود وَكَانَ قد أعطَاهُ الله تَعَالَى الْحِكْمَة وَكَانَ لرجل من بني إِسْرَائِيل اشْتَرَاهُ بِثَلَاثِينَ مِثْقَالا ونش يعْنى نصف مِثْقَال وَكَانَ يعْمل لَهُ وَكَانَ مَوْلَاهُ يلْعَب بالنرد يقامر عَلَيْهِ وَكَانَ على بَابه نهر جَار فلعب يَوْمًا بالنرد على أَن من قمر صَاحبه شرب المَاء الَّذِي فِي النَّهر كُله أَو افتدي مِنْهُ وَإِن هُوَ قمر صَاحبه فعل بِهِ مثل ذَلِك قَالَ فقمر سيد لُقْمَان فَقَالَ لَهُ القامر أشْرب مَا فِي النَّهر وَإِلَّا فافتد مِنْهُ قَالَ فسلني الْفِدَاء قَالَ عَيْنَيْك أفقؤهما أَو جَمِيع مَا تملك قَالَ أمهلني يومي هَذَا قَالَ لَك ذَلِك قَالَ فأمسى كئيبًا حَزينًا إِذْ جَاءَهُ لُقْمَان وَقد حمل حزمة على ظَهره فَسلم على سَيّده ثمَّ وضع مَا مَعَه وَرجع إِلَى سَيّده وَكَانَ سَيّده إِذا رَآهُ عَبث بِهِ وَيسمع مِنْهُ الْكَلِمَة الحكيمة فيعجب مِنْهُ فَلَمَّا جلس إِلَيْهِ قَالَ لسَيِّده مَا لي أَرَاك كئيبًا حَزينًا فاعرض عَنهُ فَقَالَ لَهُ الثَّانِيَة مثل ذَلِك فاعرض عَنهُ ثمَّ قَالَ لَهُ الثَّالِثَة مثل ذَلِك فاعرض عَنهُ فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي فَلَعَلَّ لَك عِنْدِي فرجا فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ لَهُ لُقْمَان لَا تغتم فَإِن لَك عِنْدِي فرجا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِذا أَتَاك الرجل فَقَالَ لَك اشرب مَا فِي النَّهر فَقل لَهُ اشرب مَا بَين ضفتي النَّهر أَو الْمَدّ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَك اشرب مَا بَين الضفتين فَإِذا قَالَ لَك ذَلِك فَقل لَهُ احْبِسْ عني الْمَدّ حَتَّى اشرب مَا بَين الضفتين فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يحبس عَنْك الْمَدّ وَتَكون قد
1 / 18
خرجت مِمَّا ضمنت لَهُ فَعرف سَيّده أَنه قد صدق فطابت نَفسه فَلَمَّا أصبح جَاءَهُ الرجل فَقَالَ لَهُ فولي بشرطي قَالَ لَهُ نعم اشرب مَا بَين الضفتين أَو الْمَدّ قَالَ لَا بل مَا بَين الضفتين قَالَ فاحبس عني الْمَدّ قَالَ كَيفَ أَسْتَطِيع قَالَ فخصمه قَالَ فاعتقه مَوْلَاهُ
حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحق قَالَ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ يَا بني إِذا أردْت أَن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذَلِك فَإِن أنصفك عِنْد غَضَبه وَإِلَّا فاحذره وَمن ذَلِك مَا نقل عَن عبد الله بن عَامر الْأَزْدِيّ فِي الاحتيال للسلامة من سيل العرم حَدثنَا الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس لقد كَانَ لسبأ فِي مساكنهم آيَة قَالَ كَانَت لَا تَنْقَطِع عَنْهُم جنتهم شتاء وَلَا صيفًا فَكَفرُوا مَا أنعم الله عَلَيْهِم فَأرْسل عَلَيْهِم سيل العرم فَسلط على الرَّدْم الَّذِي بنوه على غير شربهم جرذًا لَهُ مخاليب وأنياب من حَدِيد فَأول من علم بذلك عبد الله بن عَامر الْأَزْدِيّ فَانْطَلق نَحْو الرَّدْم فَرَأى الجرذ يحْفر بمخاليب من حَدِيد ويقرض بأنياب من حَدِيد فَانْصَرف إِلَى أَهله فَأخْبر امْرَأَته وأراها ذَلِك وَأرْسل إِلَى بنيه فَقَالَ هَل ترَوْنَ مَا رَأينَا قَالُوا نعم قَالَ فَإِن هَذَا الْأَمر لَيْسَ لنا إِلَيْهِ سَبِيل اضمحلت الْحِيَل فِيهِ لِأَن الْأَمر لله وَقد أذن فِي هَلَاكه فَأتى بهرة والجرذ يحْفر وَلَا يكترث بالهرة فَلَمَّا رَأَتْ الْهِرَّة ذَلِك ولت هاربة فَقَالَ عبد الله احْتَالُوا لأنفسكم قَالُوا يَا أَبَت كَيفَ نحتال قَالَ إِنِّي محتال لكم بحيلة قَالَ فَدَعَا أَصْغَر بنيه ثمَّ قَالَ لَهُ إِذا جَلَست الْيَوْم فِي الْمجْلس وَكَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ وينتهون إِلَى رَأْيه فَإِذا اجْتَمعُوا أمرت أصغركم بِأَمْر فليغفل عَنهُ فَإِذا شتمته فليهم إِلَى فليلطمني وَلَا تتغيروا أَنْتُم عَلَيْهِ فَإِذا رأى الجلساء أَنكُمْ لم تتغيروا على أخيكم لم يَجْسُر أحد مِنْهُم أَن يتَغَيَّر عَلَيْهِ فاحلف أَنا عِنْد ذَلِك يَمِينا لَا كَفَّارَة لَهَا إِن لَا أقيم بَين أظهر قوم قَامَ إِلَى أَصْغَر بني فلطمني فَلم يتغيروا عَلَيْهِ لذَلِك قَالُوا نَفْعل فَلَمَّا رَاح النَّاس إِلَيْهِ أَمر ابْنه بِبَعْض أمره فلهى عَنهُ ثمَّ أمره فلهى عَنهُ فشتمه فَقَامَ إِلَيْهِ فلطم وَجهه فعجبوا من جرْأَة ابْنه فنكسوا رؤوسهم وظنوا أَن وَلَده يتغيرون عَلَيْهِ فَلَمَّا لم يتَغَيَّر أحد مِنْهُم قَامَ الشَّيْخ فَحلف
1 / 19
أَن يتَحَوَّل عَنْهُم ويستبدلوا بداره فَلَا يُقيم بَين أظهر قوم لم يتغيروا على ابْنه فَقَامَ الْقَوْم معتذرين وَقَالُوا إِمَّا كُنَّا ظننا أَن ولدك لَا يتغيرون فَذَلِك الَّذِي منعنَا قَالَ قد سبق منى مَا ترَوْنَ وَلَيْسَ إِلَى غير التَّحْوِيل سَبِيل فَعرض ضيَاعه على البيع وَكَانَ النَّاس يتنافسون فِيهَا وَاحْتمل بثقله وَعِيَاله فتحول عَنْهُم فَلم يلبث الْقَوْم إِلَّا قَلِيلا حَتَّى أَتَى الجرذ على الرَّدْم فاستأصله فَلم يفاجئ الْقَوْم لَيْلَة بَعْدَمَا هدأت الْعُيُون إِذا هم بالسيل قد اقبل فَاحْتمل أنعامهم وَأَمْوَالهمْ وَخرب دِيَارهمْ وَقد جَاءَت أَخْبَار عَن القدماء ستراها فِي أَبْوَابهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الْبَاب السَّابِع فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن نَبينَا ﷺ كَلِمَات تدل على قُوَّة الفطنة الفطرية
فَأَما مَا حصل لَهُ بتلقي الْوَحْي وتثقيفه فَذَلِك كثير وَلَيْسَ هُوَ مرادنا هَهُنَا إِنَّمَا المُرَاد الْقسم الأول أخبرنَا حَارِثَة بن مضرب عَن عَليّ ﵇ قَالَ لما سَار رَسُول الله ﷺ إِلَى بدر وجدنَا عِنْدهَا رجلَيْنِ رجلا من قُرَيْش وَمولى لعقبة بن أبي معيط فَأَما الْقرشِي فَأَفلَت وَأما مولى عقبَة فأخذناه فَجعلنَا نقُول لَهُ كم الْقَوْم فَيَقُول هم وَالله كثير عَددهمْ شَدِيد باسهم فَجعل الْمُسلمُونَ إِذا قَالَ ذَلِك ضربوه حَتَّى انْتَهوا بِهِ إِلَى النَّبِي ﷺ فَقَالَ لَهُ كم الْقَوْم فَقَالَ هم وَالله كثير عَددهمْ شَدِيد باسهم فجهد النَّبِي ﷺ أَن يُخبرهُ كم هم فَأبى ثمَّ أَن النَّبِي ﷺ سَأَلَهُ كم ينحرون من الجزر فَقَالَ عشرا لكل يَوْم فَقَالَ رَسُول الله ﷺ الْقَوْم ألف كل جزور لمِائَة وتبعها أخبرنَا كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ رَسُول الله ﷺ قَلما يُرِيد غزَاة يغزوها الأورى بغَيْرهَا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أخبرنَا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول يَا أَيهَا النَّاس إِن الله ﷿ يعرض بِالْخمرِ سينزل فِيهَا أمرا فَمن كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء فليبعه
1 / 20
فلينتفع بِهِ قَالَ فَمَا لبثنا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قَالَ ﷺ إِن الله ﷿ حرم الْخمر فَمن أَدْرَكته هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يشربه وَلَا يَبِيع فَاسْتقْبل النَّاس بِمَا كَانَ عِنْدهم مِنْهَا طرق الْمَدِينَة فسفكوها انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم
أخبرنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ إِذا أحدث أحدكُم فِي الصَّلَاة فليأخذ بِأَنْفِهِ ثمَّ لينصرف حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَن لي جَار يُؤْذِينِي فَقَالَ انْطلق واخرج متاعك إِلَى الطَّرِيق فَانْطَلق فَأخْرج مَتَاعه فَاجْتمع النَّاس عَلَيْهِ فَقَالُوا مَا شَأْنك قَالَ لي جَار يُؤْذِينِي فَذكرت ذَلِك للنَّبِي ﷺ فَقَالَ انْطلق واخرج متاعك إِلَى الطَّرِيق فَجعلُوا يَقُولُونَ اللَّهُمَّ العنه اللَّهُمَّ أخزه فَبَلغهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ ارْجع إِلَى مَنْزِلك فوَاللَّه لَا أؤذيك
حَدثنَا زيد بن أسلم أَن رجلا قَالَ لِحُذَيْفَة يَا حُذَيْفَة نشكو إِلَى الله صحبتكم رَسُول الله أدركتموه وَلم ندركه ورأيتموه وَلم نره فَقَالَ حُذَيْفَة وَنحن نشكو إِلَى الله إيمَانكُمْ بِهِ وَلم تروه وَالله مَا تَدْرِي يَا ابْن أخي لَو أَدْرَكته كَيفَ كنت تكون لقد رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول الله ﷺ لَيْلَة الخَنْدَق فِي لَيْلَة بَارِدَة مظْلمَة مطيرة وَقد نزل أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه بالعرصة فَقَالَ رَسُول الله ﷺ من رجل يذهب فَيعلم لنا علم الْقَوْم أدخلهُ الله الْجنَّة فَمَا قَامَ منا أحد ثمَّ قَالَ من رجل يذهب فَيعلم لنا علم الْقَوْم جعله الله رَفِيق إِبْرَاهِيم يَوْم الْقِيَامَة فوَاللَّه مَا قَامَ منا أحد فَقَالَ من رجل يذهب فَيعلم لنا علم الْقَوْم جعله الله رفيقي يَوْم الْقِيَامَة فوَاللَّه مَا قَامَ أحد منا فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله ابْعَثْ حُذَيْفَة فَقَالَ رَسُول الله ﷺ يَا حُذَيْفَة فَقلت لبيْك يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي فَقَالَ هَل أَنْت ذَاهِب فَقلت وَالله مَا بِي أَن أقتل ولكنني أخْشَى أَن أؤسر فَقَالَ أَنَّك لن تؤسر فَقلت مرني يَا رَسُول الله بِمَا شِئْت فَقَالَ اذْهَبْ حَتَّى تدخل بَين ظهراني الْقَوْم فَاتَ قُريْشًا فَقل يَا معشر قُرَيْش إِنَّمَا يُرِيد النَّاس إِذا كَانَ غَدا أَن يَقُولُوا أَيْن قُرَيْش أَيْن قادة النَّاس أَيْن رُؤُوس النَّاس فيقدمونكم فتصلون الْقِتَال
1 / 21
فَيكون الْقَتْل بكم ثمَّ ائْتِ قيسا فَقل يَا معشر قيس إِنَّمَا يُرِيد النَّاس إِذا كَانَ غَدا أَن يَقُولُوا أَيْن أحلاس الْخَيل أَيْن الفرسان فيقدمونكم فتصلون الْقِتَال فَيكون الْقَتْل بكم فَانْطَلَقت حَتَّى دخلت بَين ظهراني الْقَوْم فَجعلت اصطلي مَعَهم على نيرانهم وَجعلت أبث ذَلِك الحَدِيث الَّذِي أَمرنِي بِهِ حَتَّى إِذا كَانَ وَجَاء السحر قَامَ أَبُو سُفْيَان فَدَعَا اللات والعزي وأشرك ثمَّ قَالَ لينْظر كل رجل من جليسه وَمَعِي رجل مِنْهُم يصطلي على النَّار فَوَثَبت عَلَيْهِ فَأخذت بِيَدِهِ مَخَافَة أَن يأخذني فَقلت من أَنْت فَقَالَ أَنا فلَان بن فلَان فَقلت أولى فَلَمَّا دنا الصُّبْح نادوا أَيْن قُرَيْش أَيْن رُؤُوس النَّاس فَقَالُوا هَات الَّذِي أَتَيْتنَا بِهِ البارحة أَيْن بَنو كنَانَة أَيْن الرُّمَاة فَقَالُوا هَات الَّذِي أَتَيْتنَا بِهِ البارحة فتخاذلوا وَبعث الله عَلَيْهِم تِلْكَ اللَّيْلَة الرّيح فَمَا تركت لَهُم بِنَاء إِلَّا هدمته وَلَا إِنَاء إِلَّا أكفاته حَتَّى لقد رَأَيْت أَبَا سُفْيَان وثب على جمل لَهُ مَعْقُول فَجعل يسحبه وَلَا يَسْتَطِيع أَن يقوم فَجئْت رَسُول الله ﷺ فَجعلت أخبرهُ عَن أبي سُفْيَان فَجعل يضْحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَجعلت انْظُر إِلَى أنيابه
عَن عَاصِم الْأَحول عَن الْحسن أَن رجلا أَتَى رَسُول الله ﷺ بِرَجُل قد قتل حميمًا لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي ﷺ أتأخذ الدِّيَة قَالَ لَا قَالَ أفتعفو قَالَ لَا قَالَ اذْهَبْ فاقتله فَلَمَّا جاوزه الرجل قَالَ رَسُول الله ﷺ إِن قَتله فَهُوَ مثله قَالَ فلحق الرجل رجل فَقَالَ لَهُ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ كَذَا فَتَركه وَهُوَ يجر نسعه فِي عُنُقه قَالَ ابْن قُتَيْبَة لم يرد رَسُول الله ﷺ أَنه مثل فِي المأثم واستيجاب النَّار أَن قَتله وَكَيف يُرِيد هَذَا وَقد أَبَاحَ الله ﷿ قَتله بِالْقصاصِ وَلَكِن كره رَسُول الله ﷺ أَن يقْتَصّ وَاجِب لَهُ الْعَفو فَعرض تعريضًا أَوْهَمهُ بِهِ أَنه إِن قَتله كَانَ مثله فِي الْإِثْم ليعفو عَنهُ وَكَانَ مُرَاده أَنه يقتل نفسا كَمَا قتل الأول نفسا فَهَذَا قَاتل وَهَذَا قَاتل فقد اسْتَويَا فِي قَاتل وَقَاتل إِلَّا أَن الأول ظَالِم وَالْآخر مقتص قَالَ مؤلف الْكتاب وَفِي حَدِيث رَسُول الله ﷺ من هَذَا كثير خُصُوصا فِي المعاريض فلنقتصر على هَذِه النبذة
1 / 22
الْبَاب الثَّانِي فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن أَصْحَاب نَبيا ﵃ أَجْمَعِينَ
فَمن الْمَنْقُول عَن أبي بكر الصّديق رضى الله عَنهُ حَدثنَا ثَابت عَن أنس قَالَ لما هَاجر رَسُول الله ﷺ كَانَ رَسُول الله ﷺ يركب وَأَبُو بكر رديفه وَكَانَ أَبُو بكر يعرف الطَّرِيق لاختلافه إِلَى الشَّام فَكَانَ يمر بالقوم فَيَقُولُونَ من هَذَا بَين يَديك يَا أَبَا بكر فَيَقُول هاد يهديني
حَدثنَا الْحسن قَالَ لما خرج رَسُول الله ﷺ وَأَبُو بكر من الْغَار لم يستقبلهما أحد يعرف أَبَا بكر إِلَّا قَالَ لَهُ من هَذَا مَعَك يَا أَبَا بكر فَيَقُول دَلِيل يدلني الطَّرِيق وَصدق وَالله أَبُو بكر
حَدثنَا الْحسن قَالَ لما خرج رَسُول الله ﷺ وَأَبُو بكر النَّاس فَقَالَ إِن الله خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ ذَلِك العَبْد مَا عِنْد الله ﷿ قَالَ فَبكى أَبُو بكر فعجبنا من بكائه أَن خبر رَسُول الله عَن عبد خير فَكَانَ رَسُول الله ﷺ هُوَ الْمُخَير وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا بِهِ وَمن الْمَنْقُول عَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ حَدثنَا اسْلَمْ عَن أَبِيه قَالَ قدمت على عمر بن الْخطاب حلل من الْيمن فَقَسمهَا بَين النَّاس فَرَأى فِيهَا حلَّة رَدِيئَة فَقَالَ كَيفَ أصنع بِهَذِهِ إِذا أعطيتهَا أحد لم يقبلهَا إِذا رأى هَذَا الْعَيْب فِيهَا قَالَ فَأَخذهَا فطواها فَجَعلهَا تَحت مَجْلِسه واخرج طرفها وَوضع الْحلَل بَين يَدَيْهِ فَجعل يقسم بَين النَّاس قَالَ فَدخل الزبير بن الْعَوام وَهُوَ تِلْكَ الْحَال قَالَ فَجعل ينظر إِلَى تِلْكَ الْحلَّة فَقَالَ لَهُ مَا هَذِه الْحلَّة قَالَ عمر دع هَذِه عَنْك قَالَ مَا هيه مَا هيه مَا شَأْنهَا قَالَ دعها عَنْك قَالَ فأعطينيها قَالَ إِنَّك لَا ترضاها قَالَ بلَى قد رضيتها فَلَمَّا توثق مِنْهُ وَاشْترط عَلَيْهِ أَن يقبلهَا وَلَا
1 / 23
يردهَا رمى بهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا أَخذهَا الزبير وَنظر إِلَيْهَا إِذا هِيَ رَدِيئَة فَقَالَ لَا أريدها فَقَالَ عمر أيهات قد فرغت مِنْهَا فأجازها عَلَيْهِ وأبى أَن يقبلهَا مِنْهُ
حَدثنَا بريد بن جرير عَن أَبِيه عَن عمر قَالَ لَهُ وَالنَّاس يتحامون الْعرَاق وقتال الْأَعَاجِم سر بقومك فَمَا قد غلبت عَلَيْهِ فلك ربعه فَلَمَّا جمعت الْغَنَائِم غَنَائِم جلولًا ادّعى جرير أَن لَهُ ربع ذَلِك كُله فَكتب سعد إِلَى عمر بذلك فَكتب عمر صدق جرير قد قلت ذَلِك لَهُ فَإِن شَاءَ أَن يكون قَاتل هُوَ وَقَومه على جعل فَأَعْطوهُ جعله وَإِن يكن إِنَّمَا قَاتل لله ولدينه ولحبيبه فَهُوَ رجل من الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم فَلَمَّا قدم الْكتاب على سعد أخبر جرير بذلك فَقَالَ جرير صدق أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا حَاجَة لي بِهِ بل أَنا رجل من الْمُسلمين
أخبرنَا نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ بَيْنَمَا عمر رضى الله عَنهُ جَالس إِذْ رأى رجلا فَقَالَ قد كنت مرّة ذَا فراسة وَلَيْسَ لي رَأْي إِن لم يكن هَذَا الرجل ينظر وَيَقُول فِي الكهانة شيا أَدْعُوهُ لي فَدَعوهُ فَقَالَ هَل كنت تنظر وَتقول فِي الكهانة شيا قَالَ نعم وَقد روينَا عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه خرج يعس الْمَدِينَة بِاللَّيْلِ فَرَأى نَارا موقدة فِي خباء فَوقف وَقَالَ يَا أهل الضَّوْء وَكره أَن يَقُول يَا أهل النَّار وَهَذَا من غَايَة الذكاء وروينا عَنهُ أَنه قَالَ لرجل عرس هَل كَانَ فَقَالَ لَا أَطَالَ الله بقاك فَقَالَ عمر قد علمْتُم فَلم تتعلموا هلا قلت لَا وَأطَال الله بقاك وَمن الْمَنْقُول عَن عَليّ بن أبي طَالب ﵇ عَن أبي البخْترِي قَالَ جَاءَ رجل إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فأطراه وَكَانَ بغضه فَقَالَ لَهُ أَنِّي لَيْسَ كَمَا تَقول وَإِنَّا فَوق مَا فِي نَفسك حَدثنَا عبد الله بن سَلمَة قَالَ سَمِعت عليا يَقُول بمسكن لَا أغسل رَأْسِي بِغسْل حَتَّى أُتِي الْبَصْرَة وأحرقها وأسوق النَّاس بعصاي إِلَى مصر قَالَ فَأتيت أَبَا مَسْعُود البدري فَأَخْبَرته أَن عليا يُورد الْأُمُور مواردها لَا يحسنون يصدرونها على رجل أصلع إِنَّمَا رَأسه مثل الطست إِنَّمَا حوله زغيبات أَو قَالَ شعيرات أخبرنَا سماك بن حَرْب عَن خنبش
1 / 24