ومما يؤسف له أن سياسة إجبار أمريكا على التبادل التجاري مع البلد الأم فقط (وهي بريطانيا) أدت إلى إبعاد رأس المال والمشروعات البريطانية عن استخدامات أكثر إنتاجية؛ مما أدى إلى تدني الازدهار في بريطانيا وأمريكا معا، وإلى تباطؤ تراكم رأس المال؛ مما نتج عنه تناقص في الدخول المستقبلية في كلا البلدين. ويقول سميث بأن بريطانيا حاولت أن تجعل الأمريكيين «شعبا استهلاكيا»، لكن هذه السياسة أدت عوضا عن ذلك إلى تحويلهم من مزارعين إلى سياسيين. وبما أن قدرا كبيرا من الصناعة البريطانية يركز على التجارة بين جانبي المحيط الأطلسي، فإن الخطر السياسي متفاقم، ولا يمكن تقليل حجم هذا الخطر إلا عن طريق تحرير التجارة - والتحرر السياسي - لكن الاستثمار البريطاني وصل إلى مرحلة من الانحراف سيكون فيها الإصلاح المطلوب من الصعوبة بمكان.
إن القيود التجارية التي فرضتها بريطانيا على أمريكا تعتبر مثالا آخر على التفكير المركنتيلي؛ حيث تكون الهيمنة لمصالح المنتجين، لكن «الاستهلاك هو الغاية الوحيدة للإنتاج في مجمله، ويجب أن يكون هناك اهتمام بمصلحة المنتج، على أن ينحصر هذا الاهتمام بالحد الضروري لتعزيز مصلحة المستهلك».
43 (5-5) البديل الليبرالي
ينتقد سميث الفيزيوقراطيين الفرنسيين بسبب رأيهم القائل بأن القيمة بكافة أشكالها تنشأ من الأرض والزراعة، أما تجار المدينة و«الصناع البارعين» فلا يفعلون شيئا إلا إعادة تنظيم هذه الثروة، دون أن ينتجوا أي شيء بأنفسهم. ويرد سميث على ذلك بأن سكان المدن منتجون حقا؛ فهم ليسوا مجرد مستهلكين لرأس المال، وإنما هم يستبدلونه، فهم عمالة إنتاجية، لا غير إنتاجية.
ومع ذلك، فإن سميث يعتبر الفلسفة الاقتصادية للفيزيوقراطيين من الفلسفات الأفضل، فهم لا يخلطون بين المخرجات وبين المال، ويرون بأن الحرية الكاملة للتجارة هي الطريق الأمثل لتحقيق الحد الأقصى من تلك المخرجات.
ويعتقد سميث أن اقتصاد السوق قوي بما يكفل بقاءه، حتى وإن كانت الحرية غير كاملة، لكن متعة المنظومة الاقتصادية الحرة تكمن في أنها تعمل آليا. ويعبر سميث عن ذلك بقوله إن «المنظومة الواضحة والبسيطة للحرية الطبيعية تبني نفسها بنفسها»؛ فالناس أحرار في السعي خلف مصالحهم الخاصة؛ وبذلك فإنهم يعززون مصالح الجميع دون إدراك منهم، كما تدل الأحداث؛ إذ لا حاجة هنا للتوجيه المركزي:
إن الحاكم معفى تماما من مسئولية لا يمكن أن تفي [بها] أي حكمة أو معرفة بشرية، وهي مسئولية الإشراف على المجهودات الهائلة التي يبذلها الشعب كأفراد، وتوجيه هذه المجهودات نحو قنوات توظيف تصب بأقصى نحو ملائم في صالح المجتمع.
44
وهو أمر يعتبره سميث من حسن الحظ؛ لأن كل منظومة تحاول توجيه الموارد في اتجاهات بعينها «تضر في الحقيقة بالغاية العظيمة التي تهدف لتعزيزها».
45 (6) دور الحكومة
نامعلوم صفحہ