3
إضافة إلى ذلك، فإن نقل الصوف من شأنه أن يتطلب أيضا عمل البحارة وصانعي السفن وصانعي الأشرعة، حتى إن المقصات التي يقص بها الصوف تحتاج صناعتها إلى عمال مناجم ومصاهر. إن القائمة تبدو لا نهائية، لكن هذا التعاون بين آلاف العمال المتخصصين الأكفاء هو مصدر الثروة العظيمة التي تتمتع بها الدول المتقدمة، وهو الذي يجعل بعض السلع كالمعاطف الصوفية متاحة حتى لأفقر الناس، وهو ما يعبر عنه سميث بأنه: «ثروة شاملة في متناول أدنى طبقات المجتمع».
4 (2-2) المكاسب المشتركة جراء التبادل
في الفصل الثاني - ذي الأهمية الجوهرية - من الكتاب، يشرح سميث كيف أن «التبادل المادي» ينشر منافع هذه الكفاءة الإنتاجية في أرجاء المجتمع. وهو يخمن بأن بعض المهارات الذهنية أو الجسدية المحددة في «بلد بدائي» قد تجعل أحد الأشخاص أفضل في صناعة السهام، وغيره أفضل في الصناعات المعدنية. ومن خلال التخصص في العمل، يمكن لصانع السهام أن ينتج عددا أكبر من السهام، وللحداد أن يصنع عددا أكبر من النصال، مقارنة بما يمكن أن يستخدمه كلاهما؛ ولهذا فإنهما يتبادلان السهام مقابل النصال، وهكذا يمتلك كل منهما مجموعة من الأدوات النافعة، ويكون كل منهما قد استفاد من كفاءة الآخر وإنتاجه التخصصي.
ويزعم سميث أن الميل إلى «التعاوض والمقايضة والتبادل» هو من الخصائص الطبيعية العامة في السلوك البشري، وخصوصا بسبب انتفاع كلا الطرفين منه. وفي الواقع، إن التبادل لن يحدث إذا كان أي من الطرفين يعتقد أنه سيخسر بسببه، وهذه ملاحظة حكيمة حاسمة؛ ففي عالم سميث، كما هو عالمنا، كان تبادل معظم السلع يتم مقابل المال، وليس مقابل سلع أخرى. وبما أن المال من الثروات، فيبدو أن البائع وحده كان هو من ينتفع من هذه العملية. لكن سميث يرينا أن المنفعة مشتركة؛ فعبر التبادل، يحصل كلا الطرفين على السلع التي يريدانها مقابل جهد أقل، بالمقارنة مع الجهد الذي قد يبذلانه في صنع هذه السلع لنفسيهما، فكلا الطرفين يصبح أكثر ثراء بفضل التبادل، أي إن الثروة، بعبارة أخرى، ليست ثابتة، وإنما هي «تتكون» عبر اتجار البشر، وهذه الفكرة كانت فكرة رائدة ومبتكرة في أيام سميث.
وهناك ملاحظة حكيمة أخرى مفادها أن التبادل يستمر في إفادة الطرفين، حتى وإن كان كل منهما يقترح المساومة ويقبلها كلية بما يصب في مصلحته الشخصية، دون الاعتناء بمصلحة الطرف الآخر. وإن ذلك لمن حسن الحظ؛ لأنه يتيح لنا الطريقة التي نستخدمها لتحفيز الآخرين على التخلي عن الأشياء التي نحتاجها، وهو ما يعبر عنه سميث بقوله الشهير:
إننا لا نتوقع من الجزار أو صانع الخمر أو الخباز أن يوفر لنا طعامنا على أساس رغبته في عمل الخير، وإنما على أساس اعتباراته المتعلقة بمصلحته الشخصية؛ وبذلك فإننا لا نتعامل مع إنسانيتهم، وإنما مع حب كل منهم لذاته، ولا نتحدث معهم أبدا عن احتياجاتنا الضرورية، وإنما عن المنافع التي تعود عليهم.
5
وعندما يتكلم سميث عن «حب الذات» أو «المصلحة الشخصية»، فإنه لا يعني «الطمع» أو «الأنانية»، وإنما يقصد المعنى الذي كان سائدا في القرن الثامن عشر، أي ليس الاستعداد الكريه لتحقيق المكاسب عبر جعل الآخرين أسوأ حالا، وإنما الاعتناء بالحالة المعيشية للمرء على نحو مناسب ومقبول، وهو أمر طبيعي جدا وذو أهمية كبيرة للبشر، إلى درجة جعلت سميث يطلق عليه في كتابه «نظرية المشاعر الأخلاقية» مصطلح «الاهتمام بالنفس».
6
نامعلوم صفحہ