ففكر جورجي هنيهة ثم قال: ألا تعلم ماذا يعرف فهيم بك عن نسب الفتاة؟ - لا، ولكن يخالج ظني أنه اكتشف علاقة نسب بينه وبين الفتاة، وهي وأمها تجهلان هذه العلاقة. - تقول: إن كاهنا يبحث عن الفتاة؟ - نعم. - ونحن نبحث عنها؟ - نعم. - فهل تعرف هذا الكاهن؟ - أعرفه. - قل لي من هو وأنا أبحث معه عن الفتاة، ومتى اهتديت إليها أجرها إليكم قبل أن يدري بها. - فكرة حسنة جدا ... تستعين بمعلومات الكاهن. - نعم نعم. - إذن اذهب الليلة إلى البطركخانة، واسأل عن الأب أمبروسيوس ولكن إياك ... - لا تخف لا يفهم شيئا، ولكن الجزاء؟ - اطلب. - ألفي جنيه. - خذها مني مضاعفة إذا تزوجت الفتاة من فهيم ... - آخذ ألفين حال رد الفتاة. - وألفين بعد الإكليل. - هات يدك. (تصافحا)
ذهب جورجي إلى البطركخانة قبل الغروب، وطلب مقابلة البطريرك فاستقبله غبطته، فقال جورجي: علمت يا سيدنا أنكم تبحثون عن فتاة، فهل تقولون لي ما اسمها؟ - لماذا؟ - لأني أقدر أن أفيدكم عنها شيئا. - اسمها هيفاء على ما نظن. - واسم أمها؟ - يقال: إن اسمها نديمة الصارم، فهل تعرفها؟ - لا، وإنما أعرف من يعرف الفتاة، وربما كان يعرف أين هي؟ - حسنا، ولكن من قال لك: إننا نبحث عن هذه الفتاة؟ - علمت بالصدفة أن الفتاة مخبأة؛ لكيلا تقع في يد غبطتكم؛ ولهذا جئت لكي أتفق معكم على البحث عنها إذا كان لي أجرة.
فوجم البطريرك قليلا ثم قال: لا بأس، إذا كنت تستطيع أن ترشدنا إلى الفتاة نكافئك، ولك أن تذهب إلى المسيو لويس المراني وتتفق معه بهذا الشأن؛ لأنه مفوض به.
ثم أعطاه عنوان بولس المراني، ولما خرج جورجي تناول البطريرك بوق التلفون؛ ليخاطب بولس المراني ...
المفاجأة
قضى يوسف براق في ذلك السجن المظلم مدة لم يعرف قياسها؛ إذ لم يكن عنده قياس للوقت، فما عرف الليل من النهار، ولا ميز بين اليقظة والكرى؛ لأنه كان متصل الأحلام والأوهام فيهما، وقد زاره ذلك الرجل المقنع مرة واحدة فقط؛ إذ أطعمه وجبة واحدة وأعاد استنطاقه مكررا الوعيد والتهديد، ويوسف مصر على الإنكار.
وأخيرا جاء الرجل المقنع ثالثة، وقال: هذه هي المرة الثالثة والأخيرة، فإذا لم تقر قضيت على نفسك بنفسك، فماذا تقول الآن؟ - أقول كما قلت أولا. - إذن تريد أن تموت؟ - لست أول من مات مظلوما. - عجيب عنادك، ألا تحب نفسك؟ - أحبها جدا، ولكني أفتدي بها حياة روحية. - إذن مت هنا محترقا والمنزل يحترق معك فلا يعلم بك أحد.
ثم أدخل الرجل حزما من القش إلى الغرفة الضيقة، ودق وتدا حديديا في وسط الغرفة، وربط يوسف فيه وهو موثق، ثم وضع كيسا صغيرا في جانب الغرفة، وأثبت عليه شمعة وأنارها ثم قال ليوسف: لم يبق لك من العمر إلا بقدر عمر هذه الشمعة؛ فمتى ذابت ولم تبق إلا ذبالتها أحرقت ما في هذا الكيس، وهو مادة قابلة للاشتعال ولكن بلا انفجار، ومتى احترقت هذه المادة ألهبت هذه الحزم واحترقت أنت معها، وأخيرا يحترق البيت كله، ولا تستخرج أنت منه إلا رمادا، ولا يشعر أحد باحتراقه إلا بعد أن يفوت الوقت الذي يمكن فيه إطفاؤه؛ لأنه في غيضة بعيدة عن المنازل. - رمادي ينم عن جنايتكم.
فضحك الرجل المقنع، وقال: إن المنزل مستأجر باسم يوسف براق، فإذا نم رمادك عن الاحتراق ثبت أنك احترقت قضاء وقدرا أو منتحرا. - لله من شركم! ويوم الدينونة؟ - لا نعرفه.
ويبقى الرجل المقنع واقفا كأنه ينتظر توسلا من يوسف، ولكن يوسف قال له: هل انتهت مهمتك؟ - نعم. - إذن اخرج يا لئيم.
نامعلوم صفحہ